رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس والعشرون ) والأخير |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس والعشرون ) والأخير |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

في منتصفِ اليومِ العاشرِ بعد إصابةِ فهد ، وبينما كانَ والدُه بجواره ، رأى والدُه أنَّ أصابعَ يده اليُمنى تتحرك ببطءٍ تَبِعَتْها أصابعُ اليدِ اليُسرى ، فأمسكَ يدَه ونظرَ لعينيه المُغلقتين بلهفةٍ ، فإذا بمُقْلَتَيّ عينيه تتحركان أسفلَ جفنيه بدون أنْ تُفتَح ، فنادى على أخيه موسى الذي كانَ يقفُ خارجًا يتناولُ طعامَه فتركَ ما بيده وأسرعَ لتلبيةِ النداء ليعود للخارج مجددًا لينادي على البقية كما طلب منه أخوه .

الجميعُ يقفُ بجوارِ السرير يترقَّبُ بلهفةٍ ما سيحدث ، سمعوا صوتًا ضعيفًا جدًا يصدرُ من فهد كأنه يقولُ كلمةً ولكنها غير مفهومة لآذانهم ، سمعوا صوته مرة أخرى ولكن كانَ أوضح قليلًا هذا المرة ، كان ينادي على والده فاقتربَ كريم منه وعيناه تلمعُ بالدموعِ التي كانت تقف على بوابةِ عينيه تقاومُ الخروجَ بشدةٍ حتى فشلَتْ وانزلقَتْ على خدّيه عندما فتحَ فهد عينيه ونظرَ لأبيه بوهنٍ مزَّقَ قلبَ كريم .

قالَ فهد بنفسِ النبرةِ الضعيفة : ” ماذا حدث وأين أنا ؟ ” ، فانهالت عليه والدته بالقبلاتِ فور سماعها صوته لأولِ مرةٍ منذ ميلاده ، بينما والده بدأ يَقُصُّ عليه ما حدث منذ فقدانه الوعي وحتى الآن ، وكيف أنه اخترق نظام الأمن الرئيسي لذلك المبنى حتى وصلَ لكاميراتِ المراقبةِ التي من خلالها استطاعوا الهروبَ من طريقٍ فارغٍ من الحراس بعدما قامَ كريم بالعبثِ قليلًا في مصدرِ الطاقةِ الرئيسي الخاص بآلته حتى حولها لقنبلةٍ موقوتة تُفَجِّرُ المبنى كله ومَنْ فيه .

أنهى كريم كلامه بجملةٍ أدْخَلَتْ السرورَ لقلبِ فهد وجعلت الابتسامة تَنْبَثِقُ من فمه ” لقد أعلَمْتُ كل مَنْ أعرفهم من القادةِ وأصحاب المناصب عن تلك المنظمة وسيأخذون هم أمر إبادتها تمامًا بطريقتهم الخاصة ، لذا لقد انتهى الأمر الآن ” .

نظرَ فهد لوالدته ودقَّقَ في وجهها الممتلئ بالتجاعيد التي تحمل بين طيَّاتها آلامًا وأحزانًا مُخزَنةً لسنواتٍ عديدة ، والتي أيضًا تُضِيفُ  على عمرها عمرًا آخر وتجعلها أكبر سنًا ، نظرَ لشعرها الذهبي المربوط بعقدةٍ من الخلف والذي تتخلله شعيرات بيضاء بدأت في الظهور مُبكرًا منذ سنوات ولكن مُعدلَ انتشارها بطيء كما يبدو ، نظرَ لعينيها الزرقاوتين التين تشعَّان حبًا يملأ قلبَ فهد بأكمله فلا يحتاجُ لأحدٍ آخر غيرها ، ثم نظرَ لعَمَّيْه موسى وآدم الذين لم تُفارق الابتسامة محياهما منذ أنْ فتحَ فهد عينيه ، شعرَ أنه يراهم لأولِ مرةٍ فأخذت عيناه ترصدُ ملامحهما كاملة .

شعرَ بطمأنينةٍ اجتاحت جسده وأنَّ قلبه لم يكنْ أسعد من الآن قط ، شعرَ بشعورٍ غريب ، شعورٍ لا يعرفُ مصدرَه ، شعورٍ لا يعرفُ كنهَه لكنه كانَ في أمسِّ الحاجةِ إليه ، شعورٍ يبعثُ بالدفءِ إلى قلبه ، كان هذا هو شعورُ التواجدِ بداخلِ عائلةٍ كاملةٍ ، يحبهم ويحبونه ، يرى فيهم الأمانَ ويرون فيه الأمل ، شعرَ أخيرًا أنَّ قيدَ قلبه قد زال ، شعرَ أنَّ روحه قد عانقت السماء ، شعر بالحرية …

لأولِ مرةٍ في حياته يرى عائلته كاملةً مُجتمعة حوله بعدما ظنَّ أنَّ أباه هو عائلته بأكملها وأنه كما يُقال ( مقطوع من شجرة ) لم يأخذْ منها إلا والده ، وكان يكفيه هذا بالفعل ولكن الشعورَ الآن مختلف ، شعرَ بشعورٍ أفضلَ وأجملَ ، شعورٍ لم يشعرْ به قط .

طلبَ من والدته الاقترابَ منه لتتفاجأ أنَّ يده تَلْتَفُّ حول عنقها ليحتضنها لتهطلَ الدموعُ المُمتزجة بسعادةٍ غامرةٍ من عينيها وهي تضمه بشدة ، وها هو شعورٌ جديدٌ قد حلَّ بقلبه ، شعورٌ بالسكينةِ والهدوءِ والراحةِ بسببِ هذا الحضن الدافئ الذي اقتنصه من والدته ليحاولَ التعويضَ ولو عن جزءٍ ضئيلٍ مما فقده في حياته ، مما جعله حزينًا أيامًا عديدة ، مما لم يستطعْ كريم إعطاءه له رغم عدم تقصيره في أي شيء ، لم يستطع إعطاءه لفهد لأنه لا يملكه من الأساس .

لا يستطيعُ كريم أنْ يضعَ بينه وبين فهد هذا الخيطَ الخفي والمتين ، هذا الخيط الذي لا يصلُ بين أيِّ شخصين عشوائيين بل بين اثنين فقط ؛ بين الأم وابنها ، مهما كانت الخيوطُ الأخرى التي تصلُ هذا الشخص بأيِّ شخصٍ آخر متينة ولا يمكن قطعها إلا أنها لن تصل لخيطِ الأم وابنها ، هذا الخيطُ المتينُ وتلك الرابطةُ الخفيةُ لا يمكن حصرها بالكلمات ، ذلك الشعور الذي لا يستطيع أحدٌ مهما كان إعطاءه إلا الأم .

هذا هو ما افتقده فهد ، هذه هي الحُجرةُ التي لم تُفتَح قط في قلبِ فهد وقد تم فتحها توًا ، لم يملكْ فهد وقتها الكلماتِ لوصفِ شعوره فتركَ دمعتين هبطتا من عينيه تحاولان الوصف ، تركَ يده المُلتفة حول عنقِ والدته تحاولُ الوصف ، تركَ أنفاسه الدافئة التي تلمسُ وجنتيها تحاولُ الوصف ، تنازلَ لسانه عن الكلامِ ليتركَ باقي الأعضاء تتحدثُ وتشرحُ ولكن بطريقتها الخاصة التي في بعض الأحيان تكون أبلغُ من كلِّ الكلمات .

 

لقراءة الجزء الرابع والعشرين

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع والعشرون) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء الثالث والعشرين

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث والعشرون) |مكتبة فرندة

 

شعرَ فهد بألمٍ شديدٍ في قلبه ومكانِ جرحه فلم يأبه به ، شعرَ بالألمِ مُضاعفًا فتركت يده عنقَ والدته مُجبرةً تتراجعُ بحزنٍ كأنها تركت حبلَ نجاتها .

همسَ في أذنها بكلمةٍ واحدةٍ لم يسمعها أحدٌ غيرها جعلت الابتسامة تشرقُ على وجهها ، ثم طلبَ من والده الاقترابَ منه بعدما كادَ هذا الألمُ أنْ يفتكَ به وأخبره بذلك ، فذهبَ موسى سريعًا ليخبرَ الطبيبُ بذلك فور أنْ سمعَ كلماتِ فهد لأبيه ، وما إنْ خرجَ موسى من الغرفةِ حتى همسَ فهد في أذنِ والده بنفسِ الكلمةِ التي أخبرها لوالدته .

نظرَ بابتسامةٍ صغيرةٍ لميرال التي كانت تبكي فرحًا لخروجه من تلك الغيبوبة الطويلة ، وما إنْ تلاقت أعينهما حتى اقتربت منه واحتضنته بشدةٍ وهي تضعُ رأسها على صدره لتسمعَ دقاتِ قلبه المتتابعة ، تلك الدقات التي غمرت روحها بالسعادةِ لسماعها مرة أخرى ، وذلك القلب الذي أصبحت مُعلَّقةً به لا تقدرُ على فراقه ، رفعت رأسها لتنظر لعينيه التيْنِ طلبتا من ثغره طَبْعَ قبلةٍ صغيرةٍ على جبينها ففعلَ على الفور ، نظرَ لعينيها العسليتين ثم اقترب لأذنها وهمسَ فيها بنفسِ الكلمة التي سمعتها منه من قبل .

كلمةٌ واحدةٌ فقط تُعَبِرُ عن آلافِ الكلماتِ بل في بعضِ الأحيانِ عن ملايين الكلمات ، كلمةٌ واحدةٌ يُمكنُ أنْ تُقال لعدةِ أشخاصٍ ولكن المرادَ منها يختلفُ من شخصٍ لأخر ، كلمةٌ واحدةٌ تُعَبِّرُ عن آلافِ المشاعر في وقتٍ واحد ، كلمةٌ واحدةٌ تستطيعُ في بعضِ الأحيان أنْ تقتلَ كلَّ ذرةِ حزنٍ في روحِ مَنْ يسمعها ، وعلى الرغمِ من كلِّ ذلك فإن هذه الكلمةَ بكل تلك المعاني والمشاعرِ التي تحملها تقفُ تحتَ مظلةٍ واحدةٍ ، تحتمي بجدارٍ واحدٍ ، تُولَدُ من رحمٍ واحدٍ ، تشفي الروحَ بدواءٍ واحدٍ مهما تعدد الداء ؛ دَوَاءُ الحُبِّ .

سمعتْ ميرال الكلمةَ فانْفَرَجَتْ أساريرُها فرحًا ، وتهللَّ وجهها وأضاءَ نورًا ، لمعت في عينيها دمعتان ولكن من نوعٍ مُختلفٍ هذه المرة ، نوعٌ لم تشهده في حياتها قط ، دمعتان صغيرتان في عينيها ولكنهما سقيا قلبها الظمآن ، جعلا صحراءَ قلبها تتحولُ لجنةٍ خضراء مُزهرة ، جعلا الغرفَ المظلمةَ في قلبها تضيء بشمسٍ ساطعةٍ أتت من نفسِ المكان الذي أتت منه تلكما الدمعتان ، أتت من قلبِ فهد .

وقفَ كريم مُنتظرًا موسى مع الطبيبِ وعيناه تنظرُ لفهد بجواره ميرال التي أعادت رأسها على صدره لتهبطَ الدمعتان بهدوءٍ وسلامٍ فوق قلبه لتُعلنا عن نهايةِ حزنِ قلبها الصغير .

كانت أذنُ كريم لا تُفارقُ صوتَ جهازِ قياسِ نبضاتِ القلبِ بجواره ، يستمعُ وينصتُ لصوتِ نبضاتِ قلبِ ولده الوحيد ، أنصت بشدةٍ هذه المرة للجهاز .

نبضة … نبضة … نبضة … صوتُ صفيرٍ مُتصل …….

 

 

بعد سنواتٍ عديدةٍ ، وبعد حدوثِ معجزاتٍ غير متوقعة …

 

أخذت تلهو مع والدتها وتضحكُ كثيرًا ، كانت لم تتجاوز الثلاثَ سنواتٍ وبالكادِ تتكلم ، شعرها الذهبي يتراقصُ مع أنغامِ الرياح في صباحِ هذا اليوم .

كانت ملاكًا يمشي على الأرض وبراءتها تطيحُ بكلِّ مَنْ يقابلها وترغمهم على حبها ، وجهها ناصعُ البياض حتى أنَّ البدرَ كان يختبئ كلما يراها .

قالت لها والدتها : ” أتتذكرين ما علّمتك إيّاه ؟ ” ، فقالت وهي تتلعثم : ” نعم ، أتذكر ” ، ردَّتْ أمها وهي تُربِّتُ على كتفها : ” إذن قولي يا حبيبتي ” .

قالت الطفلةُ والنورُ يسطعُ من عينيها والابتسامةُ مُنبثقةٌ من ثغرها الصغير : ” اسمي لمار فهد كريم ، عمري ثلاث سنوات ” ، ثم أضافت من تلقاءِ نفسها بعد بضعِ ثوانٍ : ” وأحبُّ أبي وأمي جدًا جدًا ” ، قبَّلتْ الوالدةُ جبينَ وليدتها وضمَّتها إلى صدرها وقالت : ” أحبكِ يا ملاكي الصغير أكثرَ من أيِّ شيء في الوجود ” .

عمَّ الصمتُ قليلًا ثم ابتسمتْ وقالت كأنها تُكملُ كلامها : ” ولكن ليس أكثرَ من حبي لك ” ، قالتها لرجلٍ قد أتى توًا ووقفَ بجوارها فقبَّلَ جبينها ثم نظرَ للبنتِ الصغيرةِ وقال ” : أين قبلةُ أبيكِ الصباحية يا لمار …؟ ” .

 

تمت بحمد الله …..

 

 

أتمنى أن يكون عملي الأول هذا نال إعجابكم وبإذن الله لن يكون الأخير وإلى اللقاء في رواية أخرى …

مع تحياتي لكم جميعًا :

الكاتب أحمد جمال

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

للتواصل مع كاتب ومؤلف الرواية أحمد جمال :

FACEBOOK :

Ahmed Gamal

INSTAGRAM :

ahmedgamalwritings

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة