فك شفرة الأخرين.. حتى لا نخسر من نحب

فك شفرة الأخرين.. حتى لا نخسر من نحب

بقلم: هبه مرجان

البشر علي وجه الأرض يخفون في عقولهم جهاز برمجة معقد لا يستطيع أحد فك شفراته حتى أقرب الأقربون.

ولهذا نصطدم دائما بشخصيات نجهل تماماً فن التعامل معها، وتلك البرمجة تتشكل من خبراتنا وبيئتنا الاجتماعية.

فكل المواقف التي مررنا بها منذ إدراكنا للعالم الخارجي، كل هذا قد يعطي المقربين منا بعض أساسيات التعامل معنا

لكنهم مع الأسف يقفون عند بداية أول مرحلة من مراحل البرمجة متخيلين أن مجرد معرفتهم بما مررنا به من الصغر وحتى الآن هو السبب الذي يدفعنا إلي تصرفاتنا الحالية.

المزيد.. الخواجة عبد القادر| رحلة المريد من الموت إلى الحب

لكن الحقيقة أن طريقة تأويلهم لتاريخنا من الخبرات مختلف تماماً عن كيفية برمجتنا الذاتية للمواقف التي مررنا بها.

 

فك شفرة الأخرين
فك شفرة الأخرين

التعلق الشديد 

طبعاً أعلم أن كل ما سبق لن يتضح إلا بمثال حي ،وليكن أنا هذا المثال،

أنا من الشخصيات التي لديها نقطة ضعف مميتة، آلا وهي “التعلق الشديد”.

فبمجرد تعرفي علي البشر لا أستطيع نسيانهم، لدرجة أني غالباً ما أقرأ مشاعرهم من نظرات عيونهم، وأعرف بماذا يفكرون.

 لكن في طفولتي وتحديداً في المرحلة الابتدائية أصابتني عقدة نفسية بسبب نقطة ضعفي تلك.

فبعد أن أعتدت علي أصدقائي لمدة 5 سنوات فارقتهم، لهذا هربت من المدرسة الإعدادية في أول أسبوع لي في الدراسة ،علي الرغم من تفوقي الدراسي ودخولي أشهر مدرسة في منطقتي.

 وفي نفس المرحلة أيضاً توفت جدتي “والدة أمي”،

بالنسبة لي كانت جدتي بمثابة أمي، هي من ربتني، هي من جعلتني أحب القصص والألغاز،هي من جعلتني مصرية من طراز الثمانينيات.

 خلاصة الأمر أني حُرمت من أحبائي في نهاية المطاف،

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط؛ لكن ما زاد الأمر سوءاً أني تسببت في حزن أحبائي بعدما واجهت الموت أكثر من مرة في صغري وكنت قاب قوسين أو أدني من تركهم للأبد.

فك شفرة الأخرين www.farandh.com
فك شفرة الأخرين

مشاعر الهجران

ولذلك وبمرور الوقت تولدت داخلي مشاعر الهجران واللامبالاة، بل في أغلب الأحيان كنت أخاف من دخول البشر في حياتي، حتى أصدقائي كنت أقلل تواصلي معهم.

 لدرجة أن أغلبهم يمزحون معي بلقب”نذلة” لعدم سؤالي عنهم،

في البداية فسرت الأمر أني أعشق أجواء العزلة وعدم الاختلاط بالآخرين؛ لكن المسألة كانت أعمق من ذلك بكثير.

أنا وعلي الرغم من أن جميع المحيطين بي يصنفوني من ضمن الكائنات الاجتماعية.

إلا أنني مازلت أخشي التعايش مع الآخرين، الذكريات أصبحت من أشد الأسلحة التي قد يستخدمها البشر ضدي.

فك شفرة الأخرين
فك شفرة الأخرين

في علم النفس يطلقون علي مسبب المرض اسم”الزناد”،

بمعني أن بمجرد معرفتهم السبب الذي خلف ورائه تلك العقدة النفسية، فسيصبح الشفاء مؤكدا لا محالة.

لكن أنا أعرف السبب لحالتي وللأسف لا يوجد له علاج ؛لأني لا أزال أعاني من فقد أحبائي.

الخوف من الذكريات

بالنسبة لي أنا أخشي ذكرياتي مع أحبائي وذكرياتهم معي لأنها ستؤلمني وتؤلمهم إذا اختفوا فجاءه من حياتي؛

لكن بالنسبة لمن لا يعرف خبايا شخصيتي فطبيعي جدا نعتي بلقب”شخصية نذلة”،لا تهتم بتوطيد علاقاتها مع أصدقائها وأحبائها.

 هل وصلت فكرتي إليكم الآن.. إذا فهمتم غايتي من تلك المقالة، أتمني منكم آلا تصدروا أحكاماً علي الآخرين..

إلا بعد معرفة جانبهم الأخر وبرمجتهم الخفية.

اقرأ أيضاً:

من رواية حب خلف أسوار الدين للكاتبة علياء ماجد.. الجزء الأول

 

شارك المقالة

اترك تعليقاً