فن التعامل مع المصادر الصحفية
يتلخص مفهوم مهنة الصحافة في كونها قائمة على جمع المعلومات ونقلها للجمهور المستهدف من القراء والمشاهدين.
وغالبا ما يلجأ الصحفي لنقل هذه المعلومات عن مصادر حية قد يكونوا من المسؤولين أو شهود العيان أو أصحاب القضايا التي يتناولها التقرير أو التحقيق الصحفي.
ويعد فن التعامل مع المصادر والحصول على المعلومة منهم حرفة لا تقل أهميتها عن حرفة الكتابة الصحفية، فثمة أنواع واشكال من المصادر تختلف من موقف لموقف ومن صحفي لأخر.
ولعل أبرز المصادر التي نقابلها فى الوسط (المتشكك، الواثق، القلق، الثرثار، المتهرب، المتردد،……) ويحتاج كل منها الى أسلوب خاص فى التعامل، ووجب على الصحفي النابه أن يتعامل بحنكة وحكمة مع جميع أنواع المصادر بحسب الملف الذى يتابعه في جريدته أو موقعه الإلكتروني.
يعتبر فن التعامل مع المصادر والحصول على المعلومات في الوسط الصحفي نموذج مصغر لفن “الحوار الصحفي” فكم من مكالمات هاتفيه أو أحاديث جانبية مع المصادر تطورت لتصير حديث صحفي مصغر أو مطول ينشر على صفحات الجرائد.
وعلى الصحفي المهني أن يحاول بقدر الامكان التحلي بالحيادية ولا يسمح لقلمه أن يكون مجرد بوق دعاية للمصدر أو لترويج معلومات على لسانه يرغب هو في توجيهها الى جمهور معين.
وعليه أن يأخذ في حسبانه أن ليس كل ما يقوله المصدر حقيقة مطلقة أو أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
كذلك على الصحفي أن يتحرى الدقة ويراجع المعلومات بعد تلقيها من مصدره ويتأكد من صحتها كلما كان ذلك متاحا.
ولا سيما المعلومات التي تحتوى على أرقام وبيانات أو معلومات وثائقية وتاريخيه، وفي حالة التشكك في صحة معلومات ما جاءت من المصدر عليه أن يلجأ الى مصدر ثاني.
كذلك يجب مراعاة رغبه المصدر فى عدم نشر بعض المعلومات التي يقولها، كما يجب أن يعلم المصدر في حالة الحديث عبر الهاتف أن المكالمة مسجلة، فبعض المصادر ترفض ذلك بينما يحرص عليه البعض الأخر ويرحب به.
على الصحفي أن ينقل المعلومة ويتجنب الدفاع عن رأي المصدر وتبني وجهة نظره، كما عليه أن يفرق بين توجهه السياسي وبين دوره كصحفي في نقل ورصد الأحداث.
كذلك عدم الدخول في صدام مع المصدر في حالة تعارض وجهتي نظرهما، وعليه فإن الصحفي لا يصدق المصادر ولا يكذبها، هو فقط ينقل على لسانهم وهم من يتحملون مسئولية تصريحاتهم.
يأخذ في الاعتبار أيضا مراعاة توقيت الاتصال بالمصدر للحصول على المعلومة وبدء الحديث بلهجة ودية صادقه وبصيغة الاستفسار وليس الإقرار.
ويستفسر فقط ليتأكد من المعلومة ولا يبدو كمحقق البوليس يستجوب متهم، وبعض المصادر يفضل أن تحتفظ معها بعلاقة ودية طوال فترة المكالمة أو الحديث.
يجب على الصحفي أن يكون سريع البديهة ويحرص دائما على التدوين السريع للملاحظات التي يتلقاها ويحللها ويفسرها ويستخلص منها أسئلة مباشرة بهدف الوصول الى ما وراء المعلومة وهو الأهم (لماذا حدث؟) وليس مجرد نقل ما حدث، ولا يلهيه التدوين السريع عن التفكـر في ما يقوله المصدر ومراجعته للإيضاح، ولا يكن مجرد متلقى من محاضر.
مهمة الصحفي هي طرح الأسئلة على المصادر، والبحث عن المعلومات وكشف الحقائق، ومن ثم تقديم هذه الحقائق للجمهور بالطريقة التي يجدها أكثر فعالية وأنسب في العرض.
وعلى الصحفي الالتزام بحماية مصادر معلوماته بشرف وأمانة، وعدم إفشاء الأخبار الشخصية التي قد يعرفها من قبيل الصدفة أو ثقة المصدر به، لأن ذلك قد يؤدي الى الضرر أو التشهير بتلك المصادر ويجعلها تتجنب الكلام معه مستقبلا.
يجب دائما أن يحاول الصحفي أخذ معلوماته من مصدر أولى ومهم في الملف الذى يتابعه ويجب اختيار أشخاص مناسبين للحصول منهم على المعلومات، واذا لم يتح له ذلك فليكن الرجل الثاني في الملف.
مثلا اذا كان يتابع أحد الأحزاب السياسية فليحرص على أن يكون على تواصل مع رئيس الحزب قبل المتحدث الإعلامي.
المتابعة والتواصل مع الزملاء الذين سبق لهم تغطية الملف أو التعامل مع نفس المصدر يساعد على الإلمام بالشخصية التي يتحدث معها الصحفي ويعتمد عليها كمصدر، فقد يكون لديهم معلومات مفيدة عن شخصيه المتحدث، أو مداخل للحديث معه.
يُستحسن التعرف على المصدر بدقة وعن قرب ومحاولة مقابلته وجها لوجه كلما أمكن ذلك حتى يحتفظ الصحفي بمساحة ثقة متبادلة، وليستخدم دائمة أسئلة مباشرة مبنية على معلومات حقيقيه، حتى يدرك المصدر دائما أنه متابع وملم بملفه ومن ثم يفيض بما يعرف بإسهاب دون مواربة أو توريه، وعلى الصحفي أن يثق دائما بأهميته بالنسبة للمصدر بقدر أهمية المصدر له.
وعليه أن يتعامل بحرص شديد ويتحرى الدقة عند النقل من مصادر السوشيال ميديا Social media “فيس بوك – تويتر – يوتيوب….” ولا يعتمد عليها كمصدر أولى، فربما كانت الحسابات وهميه أو غير دقيقة أو يتم إلغاؤها فلا يُعتد بها أمام هيئة التحرير أو جهات التحقيق أو الرأي العام عموما، وعلى الصحفي أن يحاول الرجوع للمصدر قبل النشر.
لا يقبل الصحفي هدايا من المصادر أو يتورط معهم في علاقات اجتماعية تضطره لدفع فاتورتها لاحقا، فضلا عن أن يتم تصنيفه في الوسط الصحفي بتبني أفكار جماعة أو فصيل معين.
على الصحفي النشيط أن ينوع مصادره، ولا يعتمد فقط على شبكة “المفضلين” أي المصدر السهل.
ويجتهد دائما لتحديث أجندة مصادره بصفة دوريه وعمل تنقيح لأرقام المصادر، بالإضافة الى عمل نسخة احتياطيه على البريد الإلكتروني، ويفضل للصحفي لتحديث قائمة مصادره حضور المؤتمرات الصحفية للحصول على مصادر جديدة.
ديسمبر 2013
أحـمـد السـكـرى المحرر السياسي لجريدة الوفد
أتعامل مع مصادر الإسلام السياسي والحركات الاحتجاجية والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
أشارك بمحاضرات عن الفنون الصحفية بمعهد جوتة ومؤسسة فري فويس كما لدي بعض المقالات عبر شبكة DW