الباحث خالد علم الدين
ما الذي يدفع انساناً للقتل؟
بل من البداية ما الذي يدفع انسان للهروب من المواجهة المجتمعية؟
هل للرفض المجتمعي ذبذبات تصدر من المحيطين لشخص ما قد يكون دافع له لأن يقتل؟
حالة من الجدل ضربت منصات التواصل الاجتماعي العربية بالتزامن مع عرض حلقات مسلسل أحلام الزهور الذي ينقل حكايات حقيقية من واقع مدرسة الروابي الأردنية للفتيات، وكذلك مسلسل خارج السيطرة المصري في حلقات حكاية شبح البدروم.
والذي بدوره انعكس على خبراء علمي النفس والاجتماع وبات السؤال هل الرفض الاجتماعي قد يدفع شاب لقتل زميله؟
منصة فرندة توضح لكم تفصيلياً في هذا المقال سبل مواجهة ذبذبة الرفض الاجتماعي
يعتبر الشعور بالقبول الاجتماعي والانتماء للجماعة حاجة من حاجات الفرد الأساسية مثلها مثل الحاجة للطعام والشراب، فهي تجعل الشخص يشعر بالأمان والتقدير لذاته من خلال علاقاته الاجتماعية الجيدة
وغالباً ما يعتبر القبول الاجتماعي هو الدافع وراء سلوكيات الفرد، لذلك عندما يشعر الإنسان بالنبذ وعدم القبول فإنه يشعر بألم ومشاعر سلبية، في هذه المقالة سنتحدث عن النبذ الاجتماعي وتأثيره على الفرد وكيفية تخطي الاّثار السلبية الناتجة عنه.
تعريف الرفض الاجتماعي “النبذ والإقصاء”
غالباً ما يحدث الرفض أو النبذ الاجتماعي عندما يتم استبعاد الفرد ورفضه في علاقة اجتماعية، كرفض قبوله كصديق لأحد الأشخاص أو مجموعة منهم أو نشاط أو تفاعل اجتماعي
ومن أبسط الحالات رفض التفاعل على منشورات الشخص في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يسمى بالنبذ الاجتماعي الإلكتروني، وقد يحدث النبذ بصورة فردية من قبل شخص معين أو بصورة جماعية من قبل عدة افراد أو من المجتمع بكامله
ويعتبر النبذ الاجتماعي أحد أنواع النبذ فيوجد نبذ عاطفي وأسري ومهني.
يمكن القول أن الرفض الاجتماعي هو حالة من عدم قبول فرد أو مجموعة في مجتمع معين أو جماعة أو ثقافة معينة، مما يسبب اّثار سلبية نفسية أو جسدية للفرد قد تكون قاتلة في بعض الأحيان.
النبذ الاجتماعي والتنمر
غالباً ما يتم الخلط بين مفهوم الرفض الاجتماعي والتنمر ودائماً ما يثار التساؤل التالي: هل يعتبر الرفض الاجتماعي تنمراً؟
التنمر هو سلوك متكرر يهدف إلى إيذاء الشخص نفسياً أو جسدياً لأسباب تتعلق بجنسه أو عرقه أو شكله أو حالته المادية، ولكن هل يرتبط الرفض الاجتماعي بالتنمر؟
في الحقيقة يقترب مفهوم الرفض الاجتماعي من مفهوم التنمر ويرتبط به في بعض الحالات، إلا أنهما مفهومان مختلفان فلا يمكن الإجابة عن هذا التساؤل إلا بعد معرفة أسباب الرفض أو النبذ
فإذا كان السبب هو تعمد إلحاق الأذى النفسي أو العاطفي للفرد من خلال نبذه فهنا يمكن القول بأن الرفض الاجتماعي يرتبط بالتنمر، أما إذا كان الرفض لا يرتبط بنية الإيذاء فلا يمكن اعتباره تنمراً.
أسباب الرفض والنبذ الاجتماعي
أسباب النبذ أو الرفض الاجتماعي كثيرة ومتنوعة، منها ما يرتبط بصفات إيجابية أو صفات سلبية تتعلق بشخصية الفرد المنبوذ، بالإضافة إلى وجود أسباب أخرى لا علاقة لها به، ويعتبر الوعي بأسباب الرفض الخطوة الأولى لمعرفة الطريقة الصحيحة لعلاج هذه المشكلة، ويمكن ذكر أهم هذه الأسباب:
- العنصرية: تعتبر العنصرية أحد أسباب النبذ الاجتماعي والتي تشمل العنصرية العرقية أو الجنسية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو القومية أو العنصرية ضد أصحاب البشرة الداكنة.
- تبني أفكار لا تتناسب مع طبيعة المجتمع: غالباً ما يتعرض الشخص الذي يفصح عن أفكار لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المحافظ الذي يعيش فيه للنبذ الاجتماعي، وتعتبر النساء اللواتي تتمردن على عادات المجتمع البالية هي أكثر شريحة يمكن أن تتعرض لهذا النوع من الرفض.
- النجاح والطموح: النجاح أو امتلاك مواهب أو قدرات لا تتوافر في أعضاء الجماعة كالذكاء العالي أو التفوق الدراسي أو أي سمة إيجابية أخرى قد تجعلك عرضة لحالات التنمر والنبذ، حيث يمكن أن يتسبب هذا التمييز في إثارة مشاعر الحسد والغيرة لدى الأشخاص السلبيين فيسعون إما لإحباطه أو نبذه لدعم شعورهم بأنهم أفضل منه.
- أسباب تتعلق بالشخص المنبوذ: يمكن أن تكون شخصية الفرد وعاداته سبباً في رفضه اجتماعياً، فمثلاً الشخص الكاذب أو المنافق أو السلبي أو العدواني أو الخجول يمكن أن يتعرض للرفض الاجتماعي، من جهة أخرى يمكن أن يعتبر الشخص الصادق والصريح بشكل مبالغ فيه سبباً لنبذه أيضاً، كذلك العادات المتعلقة بالنظافة الشخصية يمكن أن تكون أحد الأسباب التي قد تؤدي إلى نفور الأفراد ورفضه اجتماعياً.
- الأمراض: يمكن أن يكون المرض سبباً في النبذ الاجتماعي سواء أكان المرض عبارة عن تشوه أو عاهة في الجسم أو كان مرض عادي معدي أو غير معدي، حيث يعتبر المرض السبب الأكثر انتشاراً للرفض الاجتماعي في الوقت الحاضر وخاصة مع انتشار فيروس كورونا، فقد عانى أغلب المصابين بهذا الفيروس من النبذ والرفض الاجتماعي.
تأثيرات النبذ الاجتماعي على الأفراد
ما هو تأثير الرفض والنبذ على الصحة والنفسية والحياة الاجتماعية؟
للنبذ الاجتماعي اّثار سلبية على حالة الفرد النفسية والجسدية واّثارها تختلف من شخص لآخر باختلاف العمر وشخصية الفرد ووجود الأشخاص الداعمين، حيث يمكن أن تلازمه هذه الاّثار فترة طويلة تؤثر خلالها على شخصية الفرد وقراراته، ومن أهم هذه الآثار:
- الشعور بالعزلة: العزلة هي تجنب الاتصال والتواصل مع المجتمع، وغالباً ما تكون بدافع الهرب من الواقع وعدم مواجهة الرفض الذي يعاني منه الشخص، فيلجأ لاعتزال الناس والانطواء والوحدة.
- تدني مستوى تقدير الفرد لنفسه: يسبب الرفض الاجتماعي حالة من عدم تقدير الذات بسبب عدم شعوره بأهميته في المجتمع وبأنه ليس بمستوى وأهمية أقرانه الذين لم يتعرضوا للرفض.
- الاكتئاب: يسبب الرفض الاجتماعي حالة من الاضطراب في مزاج الشخص المنبوذ يجعله يشعر بالحزن الدائم والمشاعر السلبية وعدم الرغبة في الحياة.
- العدوانية والعنف: من الممكن أن يكون السلوك العدواني والعنيف كرد فعل على حالة الرفض التي يتعرض لها الشخص المنبوذ، فيلجأ للعنف لتفريغ المشاعر السلبية التي يشعر بها.
- إيذاء النفس: من الآثار الجسدية للنبذ، ولإيذاء النفس صور متعددة ومتفاوتة في خطورتها منها تجويع النفس أو إحداث جروح أو حروق في الجسد، وغالباً ما يلجأ الشخص المنبوذ لهذه الوسيلة لإشعار محيطه بالذنب أو لدفع المجتمع للتعاطف معه ومنحه الشعور بالأهمية والأمان، ولكنها قد تصل في أخطر حالاتها إلى تعاطي المخدرات أو الانتحار نتيجة الاكتئاب المزمن وعدم الرغبة في الحياة لعدم الشعور بالانتماء.
- الصعوبة في تكوين الصداقات: يؤدي النبذ الاجتماعي إلى صعوبة في تكوين الصداقات لأنه يجعل الشخص خائفاً وقلقاً من الدخول بأي علاقة اجتماعية لكي لا يتم رفضه.
- الانحراف: يمكن أن يؤدي النبذ الاجتماعي وخاصة عند المراهقين إلى انحرافهم، فيمكن أن يدفعهم إلى تعاطي المخدرات أو تناول المسكرات، وذلك للهروب من المشكلة ومحاولة نسيانها.
مشاعر الألم الناتجة عن النبذ الاجتماعي
لا يقتصر تأثير الرفض الاجتماعي على حالة الإنسان النفسية فقط وإنما يؤثر على جسده ويجعله يشعر في كثير من الأحيان بألم جسدي نتيجة هذا الرفض، غالباً ما نجد أن الأشخاص الذين يتعرضون للرفض يصفون احساسهم بعد التعرض لهذا الرفض بمصطلحات تتعلق بالألم الجسدي مثل مصطلح القلب المكسور أو أنه يشعر بأنه قد جرح
بالتالي يتعامل الدماغ مع ألم الرفض بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع الألم الناتج عن وخز الإبرة في الجلد مثلاً، مع ملاحظة بأن الشخص يشعر بهذا الألم حتى لو كان الرفض صادر من أشخاص لا يحبهم فمشاعر الألم الناتجة عن هذا الرفض لا علاقة لها بأهمية الأشخاص الذين يقومون برفضه.
والسؤال هنا طالما أن الإحساس بالرفض مشابه لألم الإصابة الجسدية، هل نستطيع معاملته على أنه عارض جسدي؟
بمعنى آخر هل يمكن للأدوية الطبية تسكين الألم الجسدي الناتج عن الرفض الاجتماعي؟
في الحالات البسيطة مثل الشعور بوخز في الأصابع أو الشعور بغصة في القلب كأحد أعراض النبذ الاجتماعي، فلا يمكن القول بأن العقاقير يمكن أن تفي بالغرض وتعالج هذه الأعراض
أما في حالات الشعور بتنميل في الرأس أو ضيق في التنفس أو زيادة دقات القلب بشكل كبير فهذه الحالات تحتاج إلى تدخل من أشخاص مختصين حيث يمكن وصف أدوية مناسبة.
كيف تتعامل مع الرفض الاجتماعي والإقصاء
تكمن طريقة التعامل مع الرفض الاجتماعي في معرفة أسباب الرفض ومحاولة علاجها، وذلك عن طريق:
- حاول معرفة سبب هذا الرفض: معرفة سبب النبذ الاجتماعي قد تساعد في تخطي المشكلة دون أضرار على الصعيد النفسي أو الجسدي مثل إيذاء النفس، فقد يكون الآن النبذ الاجتماعي حافزاً مهماً ليغير الشخص حياته إلى الأفضل وتطوير ذاته.
- بحال الرفض الاجتماعي لأسباب عنصرية: يمكن اللجوء إلى الأصدقاء والتحدث معهم عن مشاعرنا، فذلك يساعد بالإحساس بأهمية الشخص وبأنه موجود، كذلك يمكن البحث عن أشخاص يعانون من نفس المشكلة فذلك يساعد في دعم وحماية بعضهم البعض ومحاولة تخطي هذه المشكلة.
- إذا كان الرفض ناتج عن نجاحك: فغالباً ما يكون هذا النوع من النبذ مفيداً، حاول الاستفادة من هذه الحالة لجعلها محفزاً للاستمرار والنجاح والتفوق، فالبقاء مع مجموعة من الأشخاص السلبيين قد يؤدي إلى إحباطك وفشلك.
- محاولة تغيير طباعك السيئة: إذا كانت الطباع السيئة كالكذب أو النميمة هي سبب النبذ الاجتماعي، فيجب العمل على تغيير هذه الصفات، كذلك إذا كانت مشكلة الرفض ناتجة عن عادات تتعلق بالنظافة الشخصية أيضاً فيجب معالجة هذه المشكلة.
- أطلب المساعدة والدعم: في حال المعاناة من حالة اكتئاب قوية أو صعوبة في النوم أو قلق أو في حال ترافق الألم النفسي مع ألم جسدي حاد يفضل استشارة مختص بالمشاكل النفسية وذلك قبل أن تدهور حالتك.
حساسية الرفض
تعتبر حساسية الرفض مشكلة مستقلة ومختلفة تماماً عن الرفض الاجتماعي، فالشخص في هذه الحالة يعاني من رهاب وخوف من أن يتم رفضه في أي لحظة فيعيش بقلق دائم يؤثر هذا على نفسيته وأسلوب حياته الاجتماعية، هذا الرهاب يجعل الشخص يبحث عن أي علامة أو تلميح يدل على أنه تم رفضه مما يجعله يسيء تفسير تصرفات الأشخاص المحيطين به أو المبالغة في رد فعلهم تجاهه، وأهم الأسباب التي تجعل الشخص يعاني من حساسية الرفض:
- مشاكل في مرحلة الطفولة: إن إهمال أو إساءة معاملة أحد الوالدين للشخص في طفولته قد يساهم في زيادة احتمالية إصابته بمشكلة حساسية الرفض والخوف المستمر من أن يتم رفضه من الأشخاص الذين يحبهم.
- تدني احترام الذات: تعتبر عدم الثقة بالنفس أحد أسباب مشكلة الحساسية للرفض، فالشخص في هذه الحالة يشعر بأنه غير جدير بالمحبة والاهتمام وبأن الأشخاص المحيطين به لا يريدونه ولكنهم يقومون بمجاملته.
- الحساسية المبالغ بها: في بعض الأحيان قد تؤدي مشكلة الحساسية للرفض إلى النبذ الاجتماعي، وذلك عندما يقوم الشخص بتصرفات وردات فعل عنيفة ومبالغ فيها، مما يسبب نفور الآخرين ففي هذه الحالة تعتبر تصرفات الفرد نفسها هي التي دفعت المحيط لنبذه اجتماعياً.
الباحث خالد علم الدين عبر منصة فرندة
للمزيد..
الدفعة 36 أداب إعلام الزقازيق تحارب الرهاب الاجتماعي بـ ادرينالين |مشروع تخرج ضد الخوف
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh