رهبان في محراب العشق| عبد الكريم الجيلى.. فيلسوف المتصوفين

رهبان في محراب العشق| عبد الكريم الجيلى.. فيلسوف المتصوفين

رهبان في محراب العشق | عبد الكريم الجيلى.. فيلسوف المتصوفين

ينادي المنادي باسمها فأجيب.. وادعو ذاتي عن ندائي تجيب
وما ذاك إلا أننا روح واحد .. تداولنا جسمان وهو عجيب
كشخص له اسمان والذات واحد..بأي تنادي الذات منه تصيب
فذاتي لها ذات واسمي اسمها..وحالي بها في الاتحاد، عجيب
ولسنا علي التحقيق ذاتين لواحد.. ولكنه نفس المحب حبيب

هو عبد الكريم الجيلي، المتصوف الذي تفلسف وتنوعت كتابته بين التصريح تارة والتلميح تارة أخرى، وتحدث عن فلسفة وحدة الوجود، كما أبحر في خوالج الانسان الكامل وصفاته المشتقة من صفات الذات الإلهية، وكان يرى أن القرب علاج كل داء

 من كان يعقوبي الحزن، جلى عن بصره العمى، بطرح البشير إليه قميص يوسف

اعتمد في كتاباته على الغموض والرمز المخفي، معتمداً على فهم الإشارة لا نطق العبارة، وجاءت أشعاره مرهفة الحس عميقة اللمس، مستخدماُ ألفاظ الحمائم والسواجع والأراك والبان إلى أخره من مفردات الخمائل والمسارح التي تضفي صورة عذبة على القصيدة الشعرية، متنسماً رحيق الجمال والصفات، راتعاً من فيض رياض المحبة والوله، متبختراً بين خميلة متعددة الأفنان.

وكنت كآلات وأنت الذي بها… تصرف بالمقدور ما هو واقع

ترى هل لموسى القلب في زمزم اللقا… مراضع لا حرمت تلك المراضع.

ولد الجيلى، ببغداد سنة 767 هــ، ولقب بـ”عفيف الدين” و”فيلسوف الصوفية”، هاجر من بلد إلى آخر، واستقر فترة فى مكة المكرمة سنة 790 هــ، ثم انتهى به المطاف في بلدة زبيد باليمن، ولقى ربه سنة 828هـ، وله بتلك البلدة ضريح يزار.

يرى الجيلي في أبيات شعره أن القلب محل الإيمان، ويقول إن القلب يسع ثلاثة أشياء،

 

أولها: وسع العلم، الذى يبلغ نهايته بمعرفة الله، إذ لا شىء فى الوجود يعقل آثار الحق ويعرف ما يستحقه أكثر من القلب،

وثانيها: وسع المشاهدة، حيث يمتلك القلب الإلهام الذى يمكنه من الاطلاع على محاسن الله، فيذوق لذّة أسمائه وصفاته بعد أن يشهدها. وثالثها: وسع الخلافة، وتعنى التحقق بأسماء الله وصفاته، حتى إنه يرى ذاته ذاته، فتكون هوية الحق عين هوية العبد، فينطلق فى الوجود متصرفا فيه تصرف الوارث فيما ورثه.

فما ثم من شيء غير الله في الورى … وما ثم مسموع وما ثم سامع

هو العرش والكرسى والمنظر العلى … هو السدرة التى إليها المراجع

هو الأصل حقا والرسوم مع الهوا … هو الفلك الدوار وهو الطبائع

هو القيس بل وليلى وهو بثينة … أجل نشرها والخيف وهو الأجارع

هو العقل وهو النفس والقلب والحشا … هو الجسم وهو الروح والمتدافع

خالف الصوفية القدامى الذين اعتبروا أن أسم الله العظيم الأعظم “هو” معتبراً أن “هو” إشارة للغائب والله شواهده حاضرة لا تغيب.

واعلم أن الله تعالى إذا تجلى لعبده في منظر الجمال .. رأى العبد جميع الأشياء ملحقة بالله

ترك الجيلي تراثاً كبيراً من المؤلفات أهمها: المناظرات الإلهية والكهف والرقيم وجنة المعارف وغاية المريد والعارف والقاموس الأقدم والناموس الأعظم وقطب العجائب وفلك الغرائب ومراتب الوجود والكمالات الإلهية فى الصفات المحمدية وشرح الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية وكتاب الإنسان الكامل فى معرفة الأواخر والأوائل، والقصيدة الأهم والأشهر عند الصوفية “النوادر العينية في البادرات الغيبيَّة” وعدد أبياتها 540 بيتاً.

يقول الجيلي في قصيدته العينية:

فكل بهاء في ملاحة صورة …على كل قد شابه الغصن يانع

وكل أسودا وفى تصافيق طرة … وكل احمرار في الطلائع صانع

وكل كحيل الطرف يقتل حبه …بماض كسيف الهند حال المضارع

وكل اسمرار في القوائم كالقنا …عليه من الشعر الوسيم شرائع

وكل مليح بالملاحة قد زها …وكل جميل بالمحاسن بارع

وكل لطيف جل أو دق حسنه …وكل جليل وهو باللطف صادع

محاسن من أنشاه ذلك كله … فوحد ولا تشرك به فهو واسع

وإياك لا تلفظ بغيريا في البهافما ثم غير وهو في الحسن بارع.

           

أحمد السكري

للمزيد..

ياسين التهامي غواص في بحر القوافي | عصفور غرد فأحيته الكلمة (فيديو)

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

رهبان في محراب العشق | عبد الكريم الجيلى.. فيلسوف المتصوفين
رهبان في محراب العشق | عبد الكريم الجيلى.. فيلسوف المتصوفين
شارك المقالة