عمارة “إيموبيليا” هى واحدة من أضخم وأشهر عمارات القاهرة حيث تبلغ مساحتها ٥٤٤٤ متراً مربعاً كما تعد أول عمارة تأخذ الشكل الانسيابي وتتجرد من التفاصيل الزخرفية الكلاسيكية التي كانت تتمتع بها المباني في ذلك الوقت وقد أطلق عليها “هرم مصر الرابع” حيث إنها تتميز بأربع واجهات وكانت مقراً لمشاهير السياسة والاقتصاد والفن والرياضة لتصبح شاهداً على تاريخ من زمن الماضي الجميل.
وتقع عند تقاطع شارعي شريف وقصر النيل وكان تصميم العمارة عبارة عن برجين على شكل حرف “U” ولكل برج ثلاثة مداخل وقد أقيمت مسابقة معمارية لتصميمها فازت بها شركة فرنسية إيطالية من بين أكثر من 14 شركة تقدمت للمسابقة وزينت ممرات العمارة برخام عالي الجودة والنقاء صممته وركبته شركة إنجليزية ومالك العمارة هو الاقتصادي والرأسمالي وصاحب الشركات الضخمة الشهيرة عبود باشا الذي كانت تقدر ثروته وقتها بـ 30 مليون دولار أمريكي.
العمارة تم بناؤها في نهاية الثلاثينيات حيث تم البدء في بنائها في 30 أبريل 1938 وتكلف بناؤها 2 مليون و200 ألف جنيه مصري وتم الانتهاء من العمل فيها عام 1940، وكانت أول عمارة بها جراج تحت الأرض يسع حوالي 100 سيارة بالإضافة إلى نظام تدفئة خاص حيث كان يتم وضع نفايات الشقق في مواسير ضخمة تصل إلى بدروم العمارة حيث تحرق وتمد كافة الشقق بوسائل تدفئة عبر مجموعة مواسير ضخمة موجودة حتى الآن لكن النظام نفسه توقف، أما عملية التنظيف فكانت تتم عن طريق عربات المطافئ التي كانت تقوم بغسلها مرتين في الشهر للحفاظ على جمالها ورونقها.
وتتكون العمارة من برجين أحدهما “بحري” ويتكون من 11 طابقا والآخر “قبلي” ويتكون من 13 طابقا ويضم البرجان 370 شقة وقد شارك في بنائها عدة شركات حيث طرح مشروع تشييدها في مسابقة معمارية وتقدم لهذا المشروع أكثر من ١٣ متسابقاً وتمت دراسة المشاريع لأكثر من شهر كامل ومنحت الجائزة الأولى لماكس أدرعي وجاستون روسيو بلغت قيمتها ٦٠٠ جنيه.
ورغم فخامة المبنى فإنه أثناء بدء تأجير الشركة المالكة لشقق العمارة لم يتقدم أحد وكان السبب الرئيسي أن تكاليف الإقامة بعمارة الإيموبيليا كانت باهظة جداً حيث تراوح الإيجار حسب مساحة الشقة من ٦ إلى ٩ إلى ١٢ جنيهاً وهي مبالغ إيجاريه عالية جدا بقيمة النقود في تلك الفترة التي لم يكن يتجاوز فيها سعر إيجار شقة بمساحة 140 مترا جنيهين أو ثلاثة.
ولذلك لجأ مالك العمارة إلى نشر مجموعة من الإعلانات في بعض الصحف المصرية والأجنبية لتشجيع الناس على السكن بها من خلال التركيز على عدد المصاعد الموجود بها والذي يقدر بنحو 27 مصعداً كانت تقسم إلى ثلاث فئات “بريم” للسكان و”سوكندو” للخدم أما الفئة الثالثة فكانت “للأثاث” كما تناول الإعلان قوة أساسات المبنى التي لا تؤثر فيها الهزات الأرضية وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تقديم عرض يتضمن إعفاء الساكن من دفع إيجار العمارة لمدة ثلاثة شهور تبدأ من لحظة توقيع العقد.
وبسبب هذه الدعاية تدافع الفنانيين للحصول على العرض وتأجير شقق بها منهم نجيب الريحاني ومحمد فوزي وأنور وجدي وليلى مراد ومحمود المليجي ومحمد عبدالوهاب وماجدة الصباحي وكاميليا ومحمد عبدالوهاب بالإضافة إلى عدد من السياسيين مثل فؤاد سراج الدين أحد قيادات حزب الوفد وإبراهيم باشا عبدالهادي رئيس وزراء مصر وغيرهم.
وكان مالك العمارة “عبود باشا” يسكن في إحدى شققها بالطابق الثاني وفي نفس الطابق كان هناك مكتب لإدارة شركاته وشهدت العمارة على أحداث كثيرة دارت بها ولقد سكنها نجيب الريحاني فنان الشعب في الطابق الثالث شقة رقم 321 والتي أغلقتها ابنته منذ رحيله وكان من سكان العمارة أيضاً موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في الشقة المجاورة لشقة الريحاني الذي أقنعه بترك العباسية والسكن بجواره في العمارة التي ظل بها عبد الوهاب حتى آخر الثمانينيات عندما انتقل للزمالك.
وفي الطابق الثامن كان يسكن الفنان أنور وجدي وزوجته ليلى مراد في الشقة التي أشهرت بها ليلى اسلامها كما كانت شركة أفلام أنور وجدي في نفس العمارة وكانت بجوارها شقة الفنانة اليهودية كاميليا الشهيرة بعشيقة الملك فاروق الذي كان يحضر إليها متخفياً من غير حراسة وفي الطابق الثالث شقة 311 كان يسكن المطرب الشهير عبد العزيز محمود صاحب أغاني يا تاكسي الغرام ومنديل الحلو يا منديلو ومازالت الشقة تحمل يافطة افلام عبد العزيز محمود وتملكها ابنته.
وكان الفنان محمد فوزي يسكن في الطابق السابع مع زوجته “هداية” الملقبة بملكة جمال المعادي ويملكها الآن ابنه الدكتور منير بعد وفاة والدته السيدة “هداية” التي كانت تزورها باستمرار الفنانة مديحة يسري الزوجة السابقة لمحمد فوزي كما كان يسكن العمارة الملحن كمال الطويل مع صديقه عبد الحليم شبانة مدرس الموسيقى قبل أن يشتهر ويصبح عبد الحليم حافظ وينتقل للسكن بالزمالك.
وفي العمارة أيضاً شركة أفلام الفنانة ماجدة الصباحي الشقة التي تم فيها التعارف ثم الحب الذي كلل بالزواج بين ماجدة والفنان إيهاب نافع كما كانت تقيم الفنانة ماجدة الخطيب في العمارة حتى فترة قريبة قبل وفاتها وفي الطابق الرابع كان يقيم الفنان محمود المليجي مع زوجته الفنانة علوية جميل وممن سكنوا العمارة أيضاً الفنان والمخرج محمود ذو الفقار والمخرج الكبير هنري بركات والمخرج كمال الشيخ والفنانة أسمهان والفنان أحمد سالم والمنتجة آسيا داغر حيث كانت شركة إنتاجها ومن الأدباء كان يسكن توفيق الحكيم الذي تركها حينما ازدحمت بسكانها من الفنانين.
وقد ظلت العمارة مملوكة لعبود باشا حتى عام 1961 حين أمم الزعيم جمال عبد الناصر أملاكه ومن بينها عمارة إيموبيليا فأصيب بذبحة صدرية وأوصى طبيبه بسفره للخارج فغادر مصر ومعه 5 ملايين جنيه وكمية من المجوهرات التي لم يصل لها التأميم وبقى في الخارج حتى موته وآلت ملكية العمارة لشركة الشمس للإسكان والتعمير ومازالت مملوكة لها حتى الآن.