رواية سانتوريني للكاتب ( أحمد جمال )
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
الفصل الثالث
” ذكرى الكابوس المرئي “
أعلمُ تمامَ العلم أن علامةَ الاستفهام هي الملكة المُتوَّجة على عرش الأحداث الآن ، على كلٍّ ، لننتقل إلى جزءٍ آخر من قصتنا .
كان اليوم هادئًا كعادة أيام هذا الشهر ؛ الجو صافي وهادئ ، أشعة الشمس تدفع القمر بعيدًا لتعلن عن بداية يوم جديد ، تشرق الشمس باستحياء ، وتخاف أن توقظ مَنْ في غرفةٍ تسللت الأشعة لها ولكن بخطى بطيئة ، داعبت نسمات الريح الخفيفة أنفها الصغير ، أضاءت الشمس الغرفة بأشعتها الذهبية البراقة التي انعكست على جدران هذه الغرفة السماوية اللون .
طفلةٌ تنام على سريرٍ بجوارها دميتها المحشوة التي لم تفارقها منذ سنوات ، امتلأت الغرفة بصورها هي و والدها في كل مكان ذهبوا إليه ، وكانت كلما اشتاقت إليه نظرت لتلك الصور ، تُحدِّثُهُ فيها كأنه أمامها ويرد عليها ، حتى دولابها لم تفارقه رائحة عطره منذ كان يرتبه لها يوميًا ، فتحت عينيها فإذا هي كالدم مش شدة البكاء ؛ فقد مات والدها منذ أيام ومازالت صورته الأخيرة أمامها لم تفارق ذهنها .
كان في إحدى رحلاته التي اعتاد الذهاب إليها مع ابنته من أجل إسعادها ، ولكن هذه المرة أراد زوجته أن تذهب معهما ، وبعد إلحاحٍ طويل وافقت فهي أرادت تركهما وحدهما ، وهي تعلم تمام العلم أن بينهما العديد والعديد من الحكايات والأسرار ، فلم ترد أن تقطع عليهما تلكم الأحاديث ، ولكن والد الطفلة أرادها معه في تلك الرحلة ، وبينما الثلاثة يمزحون ويضحكون حتى بدت نواجذهم شعر بوخزةٍ في قلبه ، فتجاهلها حتى لا يقلقهما ، ثم شعر بها مجددًا ولكن أقوى هذه المرة ، فشعر بوهنِ جسمه واقتراب نهايته ، فتوقف عن السير وجلس على ركبتيه ، وأخذ يحدّث ابنته وعيناه مليئة بالإشفاق عليهما إن كان هذا أجَلَه حقًّا .
–” هل تحبيننا أنا ووالدتك يا صغيرتي ؟ “
–” بالطبع يا أبي أحبكما كثيرًا “
ثم همست في أذنه وهي تحاول إخفاء ابتسامتها بيدها : ” لكني أحبك أكثر يا أبي ” ، تصنّعت الأم الضيق على وجهها عندما سمعت هذا الهمس وقالت : ” وأنا يا صغيرتي ، ألا تحبينني ؟ ” فقفزت البنت تحتضن والدتها وهي تقول : ” أحبك بالطبع يا أمي ، مَنْ قال لك غير ذلك !؟ ” وبطرف عينها غمزت لأبيها فتبسّم ضاحكًا من فعلها هذا ، ثم عادت الطفلة لأبيها كي يكمل كلامه معها فقال : ” أتعدينني أن تكوني قوية وشجاعة وتساندي والدتك إن حدث شيءٌ لي ؟ “
–” لماذا تقول هذا يا أبي !؟ ، إلى أين أنت ذاهب ؟ “
احتضنها وقد فرّت دمعة من عينة فمسحها سريعًا ، ولكن زوجته لحظتها فأحست بأن هناك ما يخفيه عنها ، ثم أردف قائلًا : ” لن أذهب إلى أيِّ مكان فأنا معكِ دائمًا هنا ” وأشار لموضع قلبها .
–” لكن عديني بهذا فقط ، كي اطمئن عليكما ” فردّت الطفلة وقد احسَّت بقلقٍ مما يقوله والدها : ” حسنًا ، أعدك يا أبي ” فرفع ابنته ونظر في عينيها طويلًا ثم قبّل جبينها واحتضنها وزوجته معًا ، فقالت زوجته بعدما بلغ القلق في قلبها عنان السماء : ” ما بك ؟ ، أهناك ما تخفيه عني ؟ ” لا شيء يا حبيبتي ، أنا فقط أريد ……… “
لقراءة الجزء الثالث
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الثاني
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثاني) |مكتبة فرندة
سقط على الأرض فجأة وسقطت ابنته من على يده فأخذت رأس والدها و وضعتها على رجليها في فزعٍ وهي تقول : ” أبي ، أبي ، ما بك يا أبي ؟ ، ماذا حدث ؟ ، أبي ” حاولت زوجته أن تجعله يفتح عينيه ولكن بلا جدوى ، والاثنتان غارقتان في دموعهما ، بعد قليل سمعت الطفلة والدها يهمس بشيء فاقتربت منه أكثر حتى تسمعه بوضوح ، فسمعته يقول : ” لا تخافي من شيء أبدًا يا صغيرتي ، كوني كما وعدتني منذ قليل مهما حدث ، فأنا لا أثق في هذا العالم بعد الآن “
ثم قاوم ألمه قليلًا وفتح عينيه ونظر باسمًا لزوجته ، ولكن اغرورقت عيناه بالدموع وغرق جبينه عرقًا ثم اردف بصوت أعلى قليلًا لزوجته : ” وأنتِ يا حبيبة قلبي ، اعتنِ بها وبنفسك جيدًا ، واعلمِ أني أحبك كثيرًا ، كثيرًا جدًا ” وصمت قليلًا بعدما لم يستطع قول المزيد ، ثم همس مجددًا بشيء فقرّبت ابنته أذنها من فمه لتسمع ما يقول ، فازداد بكاؤها كثيرًا وأصبحت تبكي بنشيجٍ مسموع ، ثم بعد مدةٍ ليست بطويلة غربت شمس عينيه وتوقف عن الحراك والكلام ، ولكن كان وجهه باسمًا .
آخر كلماته لم تفارق أذنها منذ ذاك الحين فقد قال وقتها : ” أحبك كثيرًا يا بنيتي ، أكثر مما تتخيلين حتى ، لا تدعِ أيَّ شيءٍ يفرّق بيننا مهما حدث ، فأنا سأعيش دائمًا بداخلك ، تذكرِ دومًا أني معكِ ، أنا معكِ أينما كنتِ ” ثم عانق لسانه الشهادتين فكانتا آخر ما نطق .
رأت كل هذا كشريطٍ أمامها يمر ، كان كحلم اليقظة بالنسبة لها ، كانت تلك الذكرى لا تفارقها نائمةً أو مستيقظةً منذ وفاته .
انتبهت لنفسها وعادت لعالم الواقع بعدما سمعت صوت إحدى العصافير على شجرةٍ أمام منزلها ، وهو كان يغني ويزقزق وما أعذب صوته …..
نظرت للساعة المعلقة على الحائط فإذا هي الخامسة صباحًا ، حاولت النهوض من على السرير ولكن كأن جسدها يرفض النهوض ، منتظرًا والدها أن يوقظها ويحملها على يده حتى تفق تمامًا كما كان يفعل ولكنه مات فماذا تفعل …..؟
صراعٌ بين قلبها وعقلها يشتعل كل صباح منذ وفاته ويدور بينهما حوار ؛ يقول عقلها أن والدها مات وهذه سُنَّةُ الحياة ويجب عليها أن تحاول الاعتياد على غيابه ، القلب يُكذِّبه ويقول أنه مسافرٌ وسيعود بعد فترة من الزمن ، يرفض قلب تلك الصغيرة التصديق أنه في رحلة لا عودة منها .
مسحت وجهها بكفها الصغير لتنفض عنه أثر هذا النوم وتحاول إنهاء الحوار بين جوارحها ، تغلّب عقلها بصعوبة على قلبها هذه المرة كأنه يزداد قوة يومًا بعد يوم ، فنهضت وجلست على سريرها ونظرت لغرفتها كأنها لم ترها قبلًا .
صندوقٌ كبير في ركن الغرفة ملئ بألعابها ومُغطَّى بالغبار كأن دهرًا مرَّ ولم يمسسه أحد ، لونه أحمر غامق يميل للبنفسجي في تباين بديع بين الألوان ، السقف وردي اللون كما طلبت الصغيرة ؛ حيث قالت لوالدها أنها تريده بهذا اللون فلم يتردد لحظةً وجعله كما تحب ، الجدران سماوية اللون ، مَنْ يرها يشعر أنه طائرٌ يحلِّق في سماءٍ غير سماء الدنيا بل أجمل بكثير ، ومع وجود صورها مع والدها عليها شعرت أنه معها ، بجوارها ، يحتضنها بحنانٍ ورقة ، يوجد بجوار الباب دولابها الصغير الأبيض ، عليه رسوماتها فقد كانت بارعة في الرسم رغم أن سنها لم يتجاوز الحادية عشرة .
كل ركن ، كل رسمة ، كل صورة ، جميعهم يذكرونها بأبيها ، وهذا ما يزيد حزنها لأنها لن تراه سوى في هذه الأشياء ، وأيضًا في ذكرياتها التي تتشكل أمام عينيها كلما تذكرته ؛ فقد كانت مخيلتها خصبة جدًا فتشعر أنه أمامها حقًا ولكنها مجرد صورة من ذاكرتها قابعة أمام عينيها .
لمتابعة الجزء الخامس
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh