ليلة القبض على مصر| فى ذكرى أحداث سبتمبر الأسود 1981 يرويها مصطفى إبراهيم طلعت

ليلة القبض على مصر| فى ذكرى أحداث سبتمبر الأسود 1981 يرويها مصطفى إبراهيم طلعت

ليلة القبض على مصر … فى ذكرى أحداث سبتمبر الاسود 1981 يرويها مصطفى إبراهيم طلعت

هل تتذكرون الثالث من سبتمبر 1981 !!!!

أنه اليوم الذى قرر فيه الرئيس الاسبق محمد أنور السادات أعتقال كل رجال السياسة والفكر فى مصر فأصدر أوامره بأعتقال 1536 سياسى ومفكر وكل معارض له ولسياسات كامب ديفيد.

 شملت حملة الاعتقالات نخبة من عمالقة الفكر والسياسة المصرية.

وشملت الحملة شيخ نقباء المحامين عبد العزيز الشوربجى والاستاذ محمد حسنين هيكل والوزير الاسبق عبد العظيم أبو العطا ” توفى فى المعتقل ” وفؤاد باشا سراج الدين و عبد الفتاح باشا حسن والاستاذ محمد عيد والاستاذ كمال أبو عيطه و المناضل الكبير والقاضى السابق المرحوم عادل عيد و الاستاذ كمال احمد والاستاذ محمود القاضى وفارس الوطنية أبو العز الحريرى والدكتور المفكر على نويجى والمئات غيرهم.

وكان من الطبيعى أن يكون ضمن هذه القائمة المحترف ابراهيم طلعت المحامى .
لكل من هؤلاء العمالقة قصة عن هذا الاعتقال وقد سجلها البعض فى كتاب مثال الاستاذ محمد حسنين هيكل وكتابه ” خريف الغضب ” والذى سرد فيه الكثير عن الاسباب التى كانت هى السبب فى اعتقال مصر في أحداث سبتمبر الاسود.
ولذلك فلتسمحوا لى أن أقص على حضراتكم وقائع هذه الليلة وكيف تم أعتقال والدى ابراهيم طلعت فى حوالى الثانية من صباح 3سبتمبر 1981..
.منزل ابراهيم طلعت بالاسكندرية هو بصدق بيت الامة للجميع ؛ ولم يحدث أبداً أن طرق أحد باب البيت وتم سؤاله ..من انت !! ولكن الكلمة المعتادة هى أهلا وسهلا ..أتفضل.

ومن قواعد المنزل أنه صالون سياسى وثقافى متاح للجميع وكان بيت لاينام ابدا فدوما هو يعج بالعديد من المفكريين واهل الساسة وأصحاب الرؤى وحتى زملائنا من شباب الجامعة.

وكان الطعام إجباريا لكل زائر ولاتطفىء النار على كناكات القهوة ولا غلايات الشاى ابدا .
فى الثانية من صباح هذا اليوم كان والدى فى حالة أعياء شديدة ولآول مرة توجه الى فراشه فى حوالى الساعة الثانية عشر ليلا.

وقد أدركنا جميعا أنه مريض جداً فهو عادة لاينام ابدا الا فى الخامسة أو السادسة صباحاً ويكون نومه خفيف جدا لايزيد عن ساعتين ثم يتوجه الى المحكمة ويعود ظهرا وبعد الغذاء ينام حوالى الساعتين وهكذا يكون كل نصيبه من اليوم ..
جلست فى هذا اليوم ووالدتى رحمها الله وتعجبنا انه لم يأتى أى من الزائرين الينا على غير العادة.

جربنا الاتصال ببعض الاصدقاء تليفونياً فوجدنا أنه لاتوجد حرارة فى التليفون ولم نكترث لذلك كثيراً فجأة سمعنا أصوات أقدام كثيرة خارج الباب ؛ ثم تم طرق الجرس.

توجهت لفتح الباب وكل مايدور فى ذهنى أن عدد من الاصدقاء جائوا لزيارتنا كالمعتاد للاستماع الى والدى.

بمجرد أن فتحت الباب شاهدت أعداد كثيرة جداً من البشر من باب البيت حتى باب العمارة.

تقدم أحدهم الى مصافحاً وهو يقول ..مساء الخير ..مددت يدى للمصافحة وانا أقول له مساء الخير ..لاأعلم كيف وجدت نفسى جالساً على الكنبة المجاورة لباب الشقه والشخص الذى يصافحنى يسئلنى بأدب ابرهيم بك موجود.

قلت ايوه لكنه نائم فقال لى من فضلك لو سمحت صحيه.

كانت والدتى جالسة على مقعدها امام الباب مباشرة حدثتنى بالفرنسية يتفضلوا فقلت اتفضلوا حضراتكم صاح رجل يقف بجوار الرجل الذى صافحنى قال بصوت عال ” بسرعة بسرعة ” لكن الرجل الاول نظر اليه معاتباً وهو يقول ” سامى بك من فضلك لو سمحت أحنا فى بيت الاستاذ ابراهيم طلعت ” فصمت الرجل تماما.

قالت والدتى اهلا وسهلا دقائق حيكون المتر مع حضراتكم اتفضلوا أستريحوا ( ولمن لا يعرف أمى فهى لاتقل نضالا عن ابى وهى من شاركت فى تظاهرات 1946 وعملت بالعمل الفدائى مع شقيقها ومجموعة الفدائين المصرين فى تفجير النادى الريطانى عام 1947 وهى التى جمعت اسر المعتقلين حتى لايضعفوا بعد القبض عليهم ويعترفوا على بعضهم البعض وهى الرياضية المصرية التى أوقفت أكتساح اللاعبات الانجليز وهزمتهم فى ألعاب القوى وكانت أول فتاة تقذف الرمح فى الشرق الاوسط وكانت الرياضة هى جزء هام من مقاومة المستعمر البريطاني.

ولذلك لم يكن زواجها بمناضل بحجم ابراهيم طلعت من باب المصادفة ولكنه كان زواج مناضل بمناضلة وقد أعتادت على حضور عشرات الاعتقالات لزوجها .

.وتلك قصة أخرى نرويها فيما بعد لاحقا )

للمزيد..

فازت بـ 5جوائز في عام واحد | سنية قراعة لماذا جاملها صلاح نصر وهاجمها ألفريد فرج؟

توجهت والدتى الى غرفة نوم والدى تحدثه بهدوء شديد …متر ..يا متر ( بمعنى أستاذ ) أصحى من فضلك فقال لها بصوت خفيض خير ..ردت عليه أعتقال والبهوات بره فى انتظارك رد عليه وهو لايزال ناعساً ” ميجرؤش ” قالت بجد يلا قوم الظاهر انهم مستعجلين.

لمعت عيناه وابتسم بجد والله طيب طيب شوفيهم يشربوا ايه لحد ما أخرج.

أرتدى الروب على البيجامة وخرج خلفها وهو يقول اهلا وسهلا اهلا وسهلا ..بمجرد أن خرج والدى حتى قام الجميع من أماكنهم وتقدم كبيرهم وسلم على والدى بشدة وقاله لو سمحت سعادتك دقيقة على انفراد.

للمزيد..

في ذكرى ثورة يوليو |محمد نجيب: لو عاد الزمن بي للوراء لأبلغت البوليس عن الثورة!!

رد والدى عليه اتفضل حضرتك اتكلم ده اعتقال يا إما انا بقيت وزير وضحك فأبتسم الرجل وقال ياريت يا فندم بس للاسف هو اعتقال يومين كده مش اكتر أن شاء الله رد والدى عال جدا والله انا كنت حزعل لو مكنش تم الاعتقال ده أستئذن سيادتك ادخل أحضر نفسى ثم نطر الى أمى البهوات أخدوا حاجة ولا لسه قالت لسه فرد عليها لاء بسرعة شوفى البهوات ياخدوا ايه (المفارقة الغريبة أن عدد من المخبرين وبعض الظباط كانوا ينظروا الى بعضهم بتعجب فهم لم يعتادوا على الترحاب بهم أو مقابلتهم بلطف عند حالات الاعتقال.

دخل أبى الى الحمام وقام بحلاقة ذقنه وأرتدى كامل ثيابه وكانت والدتى قد حضرت له شنطه بها كل أدويته وبعض الغيارات وسجائره ” روثمان رويال ” وفى ثوانى تم أحضار ثلاثة صوانى من الشاى بها أكثر من ثلاثين كوب.

وللمصادفة كانت بالثلاجة علبتين من الجاتوه تم وضعهم فى أطباق وتقديمهم مع الشاى للسادة الضيوف اللذين حضروا لآعتقال ابراهيم طلعت وهم فى ذهول من كل ذلك وكيف تحول الاعتقال الى حفلة شاى أو الى عيد ميلاد ..

للمزيد..

مصطلح الناصرية .. مذهب سياسي أم كذبة تاريخية ؟!

خرج والدى وقال لوالدتى بعد أذنك يا هانم أعملى لنا فنجالين قهوة انا والبهوات قبل النزول ردت عليه بس يا متر انت كده حتأخر البهوات فرد الظابط قائلا ابدا ابدا تحت امر حضراتكم اتفضلى سيادتك ..وضعت القهوة امامهم وعرف الظابط نفسه الى والدى ” أنا العميد ماجد عبد الغفار وسيادة الرائد سامى دراز من أمن الدولة” ورد والدى اهلا وسهلا تشرفنا يا ماجد بك.

ثم أرتشف رشفة من القهوة وهو يحدثه انت عارف حضرتك ده الاعنقال رقم كام فرد ماجد بك لا والله مش عارف بس ممكن يكون التانى او الثالث فضحك والدى قائلا ده الاعتقال رقم 34 !!

تغيرت ملامح الرجل وهو يسمع الرقم الكبير قائلا ياه كتير جدا يا ابراهيم بك ليه كده ..رد ابى معاك حق هو اعتقال واحد كفايه أو اتنين بالكتير أو حتى ثلاثه لكن لما يزيد عن كده يبقى البلد فيها حاجة غلط وسياستها غلط ثم أستطرد .

أنا اول اعتقال كنت انا وجمال عبد الناصر سنة 1930 وكان فى قسم المنشية “.

لاحظت كم الاستغراب على وجه الرجل عند سماع اسم عبد الناصر ولاحظ ذلك ابى كذلك.

وقال له ايه غريبه انك تعرف انى اعتقلت انا وعبد الناصر طيب ما انا اعتقلت والافندى اللى بيحكم البلد انور السادات 3 سنين سنة 1942 فى معتقل الزيتون ” احمر وجه كل الحاضرين من كلام ابى وهويقول له.

وكان انور السادات ده ..هنا تدخلت والدتى وهى تقول ابراهيم بك انت كده مأخر البهوات جداً فرد عليها اه والله معلش انا اسف يلا بينا.

أمر ماجد بك عبد الغفار أحد المخبرين بحمل حقيبة والدى لكن والدى قال لا والله ابنى هو اللى حيشيل الشنطه وقال مصطفى فرددت عليه افندم فقال شيل الشنطه وأزعنت له على الفور.

عند خروجنا من باب العمارة وعلى البحر مباشرة وجدت طابور طويل جدا من السيارات الخاصة بالشرطه وفى الوسط عربة مرسيدس ملاكى كبيرة.

ركب ابى فيها وبمجرد دخوله قال ..الله ده كل الحبايب أهم متجمعين اهلا اهلا ..كان فى السيارة المرحوم المناضل الكبير الاستاذ عادل عيد و المناضل الكبير فارس الاسكندرية المرحوم الاستاذ ابو العز الحريرى الذى عندما لمحنى وكان استاذى وصديقى قال جملته الشهيرة ” إزيك يا أبو درش ” فرددت الله يخليك يا استاذ ابو العز.

وكان هناك شخص ثالث وكان يبدوا أته مرتبك جداً ويفرك فى يده لم أعرفه الا عندما قال والدى أهلا هيكل بك هو انت كمان معتقل فرد عليه الظاهر كده …وتحرك طابور السيارات.

وبعد نصف ساعة فوجئنا بجرس التليفون يرن وقد عادت اليه الحرارة.

ردت والدتى وقال المتحدث انا العميد ماجد عبد الغفار ابراهيم بك معانا يا افندم وبنشرب القهوة ووهو بخير وبيحكى لنا تاريخ مصر .

تلك هى شهادتى عن هذا اليوم وما حدث فى بيتنا ..أما بقية قصة أحداث سبتمبر  وماذا تم فى الاعتقال لمدة ثلاثة اشهر فى سجن مزرعة طرة.

فهذا حديث أخر نأتى عليه فى يوم جديد .

للمزيد..

صورة نادرة | ليلى مراد في عزاء جمال عبد الناصر!

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة