رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

 

الفصل السادس

” ضوء الظلام الأسود “

(فهد)

 

استيقظت عندما احسست بيدٍ تُحرِّك جسدي فإذا هو موسى وهو يقول :

  • استيقظ يا فتى ، لقد نمت وقتًا طويلًا ألم تنم منذ عامٍ أم ماذا ؟! .

فمسحت وجهى بيدي وقلت :

  • حسنًا لقد استيقظت ، ولكن لم تصبح الشمس بعد !

 فتذكرت ما حدث أمس وأن هذا المكان لا شمس فيه فأردفت مسرعًا ومتظاهرًا بالضحك :

  • لم أعد بيتي أليس كذلك ؟

فابتسم وقال لي :

  • لم تلبث هنا سوى يوم واحد وتريد الرحيل بهذه السرعة .
  • كنت أظن أنه حلم في البداية وسأعود عندما أنام لبيتي .

ضحك موسي ضحكة ممزوجة بعطفٍ وقال

  • يبدو أن تفكيرك قد خانك هذه المرة ، هيا قم الآن

جلست علي السرير وقد شممت رائحةً شهية تعبقُ بها الغرفة فقلت وأنا مُغمضٌ عينيّ وأشتمُّ الرائحة :

  • ما هذه الرائحة يا سيدي ؟ هل هناك طعام هنا ؟ فإني أموت جوعًا .
  • بالطبع أنت كذلك فأنت لم تذق حتى شربة ماءٍ أمس وكنت مذعورًا من كل شيء ، علي كلٍ ، هيا قم الآن فقد تم تجهيز الإفطار لنا.

نهضت من علي السرير وفور أن وقفت حتي ارتفع السرير والتصق بالجدار كما كان أمس فظهرت علي وجهي علامات الحيرة .

لاحظها موسي فقال : ” لا تقلق فهذا طبيعي فالمكان يشعر بمن فيه وماذا يفعلون وأين هم ” .

فمددت شفتيّ في ذهول وعدم مبالاة في وقت واحد .

سمعت قرقرة معدتي فتذكرت أنى جائع فبادرني موسى قائلًا:

  • اجلس هنا يا سيدي ، وقد أرْجَعَ كرسي الطاولة للخلف وتظاهر بإنحناءه لي فضحكت لا إراديًا وقلت : حسنًا فأنا أتضوَّر جوعًا

فجلسنا معًا ووجدت أصنافًا من الأجبان لم أرها قبلًا فقلت وأنا ألُوكُ الطعامَ وقد اعجبني طعمه كثيرًا : ما هذا !؟ لم أرى مثله قط ،  فرفع كتفيه بلا مبالاة وقال : لا أدرى .

تعجبت من رده حقًا ولكن تعابير وجهه تؤكد أنه بالفعل لا يعرف فلم أُعقِّب على كلامه وأكملت طعامي حتى امتلئت معدتي .

نهضت من على الكرسي وتجولت قليلًا في الغرفة انظر إليها في ذهول ، ما هذا الجمال البديع في غرفة محاطة بهذا الظلام والوحشة !؟ ، ما أعجب هذا المكان حقًا ! ، ذهبتُ لأقف أمام المرآة وفور أن نظرت إليها هرولت لموسى وكان لم يكمل طعامه بعد وقلت له : ” ماذا حدث لي هنا ؟ ، أأصبحت مصاص دماءٍ أم ماذا ؟ ، ماذا حدث ؟ ” وكررت السؤال كثيرًا .

 

فقال وقد ظهرت علامات الفزع علي وجهه : ” ماذا ؟ ماذا حدث ؟ أخبرني يا فهد ” ، وقد أمسك كتفيّ بيديه فرددت في خوفٍ ظاهرٍ على ملامحِ وجهي :

  • ” لم أرى انعكاس صورتي في هذه المرآه ، كيف هذا ؟ ، أخبرني والدي في إحدى قصصه التي كان يرويها لي قبل النوم أنَّ مصَّاصي الدماء لا يرون انعكاس صورتهم في المرآه ” .

فوجدته يضحك ، يضحك بشدة حتي سعل شديدًا وأمسك بطنه من شده الضحك ، وعندما رأيته هكذا وجدت نفسي لا إراديًا أضحك أيضًا فقلت : ” ماذا هنالك ؟ “

قال بعدما انتهى من نوبة ضحكه :

  • ” يا لك من طفلٍ بريء ، البراءةُ تملأ عينيك يا فتى ، بالطبع لم تصبح مصاصًا للدماء لأن هذه ليست مرآه من الأساس ” .

ثم أردف وقد أحسَّ بشدٍّ في بطنه من أثر الضحك ” لم أضحك هكذا منذ زمنٍ يا فهد ، يبدو أن جسدي لا يستوعب أنى أضحك من الأساس “

فقلت وقد ذهب عني الرَوَعُ ” إذا كانت ليست مرآه فما هي ؟ “

فرأيت علامات الجدية قد كست وجهه وقال ” إن ورائها سرًا عظيمًا لا أحد يعلمه حتى أنا لا أعلمه “

  • إذًا لا تعرف ما هذه ؟
  • أعرف ماهي لكنى لا أعلم سرها وستعلم ماهيتها غدًا إن شاء الله
  • لماذا غدًا ؟ أريد معرفتها الآن .
  • اصبر يا فتى ، فقط اصبر .

ثم قام من مكانه فوجدت المنضدة تُفتَح من المنتصف وتصبح كالمزلاق للداخل ، فانزلق كلًّا من الأطباق وبقايا أرغفة الخبز ثم عادت لحالتها كما كانت فكدْتُ أنْ أقولَ شيئًا ، فاستوقفني موسى قائلاً : ” لا تسأل ، فأنا أيضا لا أعلم كيف يحدث هذا أو إلي تؤدى هذه الحفرة ” .

فحُبسَ الكلام على لساني فاستطرد موسى قائلًا :

  • ” كل دقيقة ستمر عليك هنا ستجعلك أكثر اندهاشًا فانصحك أن تندهش بدون السؤال لأن هذه الأسرار لم تُكشَف لي بعد “

فقلت على مَضَضٍ :

  • ” حسنًا ، أنا لا أحب المجهول هكذا ولكن هذا ما تعيشه هنا أليس كذلك ؟ “

فأومأ برأسه موافقًا على كلامي .

 

لقراءة الجزء الثامن

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء السابع

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السابع) |مكتبة فرندة

 

مرَّ اليوم وبالطبع لا أعرف كم الساعة أو ما حالُ أبي ، لكني فوجئت بأنَّ موسى يعرف الأولى فكلُّ مدة كان يقول لي الساعة الآن كذا ، الآن قد تجاوزت كذا .

 فاستوقفته مرة أسأله فقال : ” إني أسمع هذا في رأسي فكما قلت لك إني أتحدث مع المكان هنا ” ، وأشار إلي عقله .

وكنت أجده في بعض الأحيان مُشَتَّتَ الذهنِ وينظر للفراغ ، ثم يبتسم وفي لحظة واحدة ينظر حوله كأنه يتفحص المكان ثم يكسو وجهه الحزن ، فلم أُرِد أن أسأله عن هذا فقد أغرقته بالأسئلة طوال اليوم الفائت ومنذ استيقاظي اليوم ، ففضَّلتُ ألَّا أسأله عن شيء باقي اليوم .

وفي وقتٍ ما في ذلك اليوم ناداني موسى وقال : ” الآن وقت النوم ، أمامنا غدًا يومٌ حافل “

فسألته لا إراديًا : ” كيف عرفت ؟ ” فأشار لعقله ففَطِنْتُ لِما يرمي إليه ثم ذهب للحائط كما فعل أمس ، وظهر السرير فقلت : ” تصبح على خير يا سيدي “

 فرد بابتسامه حانية وقال ” وأنت أيضًا يا ولدي ” 

أصبحت الشمس من بعيد وأخذت تصعد للسماء حتى عانقت قمم الجبال البعيدة ، الأزهار ترقص فرحًا مع نسمات الهواء من الندى المتساقط عليها في هذا اليوم البديع ، احتلت الألوان أرض هذا المكان ، ورود حمراء هنا وأخرى بنفسجية هناك ، أزهار عباد الشمس تملأ الجانب الأخر ، قال في نفسه : ” أهذه الجنة ؟ المكان هنا يخطف الألباب “.

تحوَّل الطقس فجأة ومزَّق البرقُ صفحةَ السماء واسودَّت كأن الليل قد حلَّ سريعًا ، صوتُ الرعد يصمُّ الآذان .

شعر برهبةٍ اجتاحت جسده وشعر بالدماء تهرب من وجهه وإذا بمخلبٍ يقبض على كتفه وطار لأعلى ، صرخَ عاليًا و هو لا يعرف من أو ما الذى يمسك به ، البرق والرعد والظلمة يخفون ملامحه بل شكله كليًا كأنهم جميعًا متآمرون عليه .

وفجأة تركه هذا المخلب من إرتفاع شاهق فلم يستطع نطق كلمة واحدة كأن كل الكلمات حُبست في حلْقِه .

وجد صوت الرعد اختفى فجأة ، السماء تَبْرُقُ أمامه وهو ما زال يسقط ولكن لا يوجد صوت حتى ظن أنه أصبح أصمًّا ، فإذا بصوت جهوري مرتفع تردد صداه فى المكان وكأنه كان في كهف لكن مازال يسقط ، ظن انه سيظل هكذا يسقط إلي الأبد .

كان الصوت يقول كلمة واحدة ” سانتورينى ” وفجأة خرج صوته أخيرًا من حلقه ، كأن عقدةَ لسانه قد حُلَّت ، فصرخ بأعلى ما يمكن ، فشعر أن جسده يهتز بشدة وكأن هناك من يهزُّه بعنفٍ وسمع أحدهم يقول من بعيد ” فهد ، ما بك يا فهد ؟ ” و زاد علو الصوت وجسده يهتز أكثر وأكثر، وأخيرًا رأى الأرض وهو يسقط لكن شُقَّت الأرضُ وسقط في هُوَّةِ عميقة ظن أنها بدون قاع ……

 

 

وفجأة فتحت عيني ووجدت السيد موسى أمامي على السرير يهزني بشده ويقول : ” ما بك يا فهد ؟ ، كنت تصرخ في منامك ” كان جسدي ينتفض خوفًا وكنت أنظر إليه وكأنى لا أراه ، ووجدت نفسى أقول : “سانتورينى ” ، فبدت علامات الدهشة على موسى فكررت كلامي: ” سانتوريني”

فقال : ” أين سمعت هذه الكلمة ؟ أنا لم أقلها لك ” ثم احتضنني عندما وجد جسدي ينتقض والفزعُ بادٍ على وجهي وقال ” اهدأ يا ولدي ، اهدأ ” فسكنت إليه وهدأت قليلًا .

لا أعلم هل هذا سحر خاص به أما ماذا لكني أجد فيه الطمأنينة منذ وصولي لهنا .

أصبحَ الصمتُ يعمُّ المكان ومازلت أُريحُ رأسي على صدره فبَدَّدَ الصمتَ بيننا وقال : ” ماذا رأيت في منامك ؟ ” فحكيت له ما حدث وكيف سمعت هذا الصوت الذى يقول سانتوريني فقال لي وما زالت علامات الدهشة تكسو وجهه : ” هل متأكد أن الاسم الذى سمعته هو سانتوريني؟ “

فقلت ” بالطبع متأكد ، فأنا لم أسمع سوى هذه الكلمة ” فارتسمت علامات الحيرة على وجهي .

فأخذ يقول : ” أتعلم ما هو سانتوريني ؟ ” ، فهززت رأسي نافيًا فأكمل : ” هذا المكان هو سانتوريني ، يبدو أن الوقت قد حان كما توقعت “

ثم نهض من مكانه وذهب للمرآه التي كنت أظنها كذلك وأشار إليها وهو يقول : ” ركز معي يا فهد هذة الدقائق ، هذه ليست مرآه كما قلت لك بل هي بوابة ؛ بوابة ستنقلك لمكانك حيث ستبدأ في فهم كل شيء ، وأمل أن تفهم بالشكل الصحيح “

ثم أنشأ يتحرك في المكان ذهابًا وإيابًا وهو يُمَسِّدُ صَدْغيه كأنَّه يسترجع من ذاكرته كل ما يريد قوله حتى لا ينسى أيَّ شيء ، ثم قال :

  • ” هذه البوابة ستأخذك وتوصلك لبداية رحلتك وعليك اكتشاف الباقي هناك ، تظاهر أنك من هذا المكان و حاول مجاراة المواقف التي ستقابلك ، سترى أُنَاسًا جُدُدًا لا تعرفهم ولا يعرفونك ، كلٌّ منهم له طبعٌ خاص به ” .

ثم توقف في مكانه ونظر في عينيّ طويلًا حتى ظننت أنه لن يتحدث مجددًا ، فوجدته يكمل حديثه قائلًا : ” ثق بعقلك ، ثق بعقلك ، ثق بعقلك ، ثم خذ نصيحة قلبك تُذَلَّل كل الصعاب أمامك “

ثم تقدَّم نحوي وأخذ بيدي إلى البوابة فأطْرَقَ برأسه مُفكِّرًا قليلًا ثم استطرد : ” كدت أن انسى إخبارك شيئًا ، حرّك خدّيك بدون لمسهما ” ، فتعجبت من طلبه وفعلت كما يقول فوجدت نفسي كأني مبتسمٌ فأردف قائلًا : ” ابقَ هكذا دائمًا ” ففهمت ما يرمي إليه

قلت له : ” إني خائف ، فلا أعلمُ ماذا أفعل ” ، فقال : ” لا تخف أبدًا طالما لديك هذا ” وأشار لموضعِ قلبي .

نظرتُ للبواية فوجدت سطحها يتموَّجُ كموجةٍ في البحر و كأنِّي أرى بحرًا مُصغَّرًا أمامي فقال لي : ” أتحبُّ المغامرة ؟ “

فقلت وقد امتلئت عيناي بالفضول والمغامرة : ” بل أعشقها “

فقال : ” إذًا اقفز هنا ولا تخف “

فوجدت عينيه قد امتلئتا إعجابًا عندما وجدني أخطو للخلف واستعد للقفز ثم قفزت في البوابة ……..

رأى ضوءًا بعيدًا وشديدًا جدًا حتى ظن أنه أمامه ، فاغمض عينيه وشعر أن شيئًا ما يمسكه من كتفيه ويتحرك به ، حتى شعر بالدوار و أظلم كل ما حوله حتى عينيه ، وشعر أنه تم تخديره فغاصت عيناه في نوم عميق .

 

لمتابعة الجزء العاشر من رواية سانتوريني :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء العاشر) |مكتبة فرندة

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة