رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
الفصل السابع
” الحقيقة والسراب “
فتح عينيه وهو مازال يشعر بالدوار فوجد نفسه في مكان جميل ، الشمسُ مشرقةٌ والسماءُ صافيةٌ ووجد أشجارًا كثيرةً وبيتًا أمامه لم يتبيَّن معالمه من شدة الدوار الذي في رأسه .
كان بعيدًا عن الأرض بمقدار مترين أو أكثر ، لكنه لا يقع كأنه يطوف في الهواء ، حاول الإمساك بإحدى الأشجار بجواره لكنه لا يستطيع ، كأن هذه الأشياء هي صور مجسمة أمامه لا أكثر ، لا يستطيع الإمساك بأي شيء ، حاول الإمساك بالأغصان واللحاء وحتى بالأوراق ، ولكن يده تدخل في الشجرة أو في الشيء الذي يحاول إمساكه كأن لا وجود لذلك الشيء ، وهو يحاول الإمساك بالهواء فقط ، وكأن خياله هو الذي يريه تلك الأشياء .
كان كأنه يسبح في الهواء وكل شيء أمامه يُرَى ولا يمكن لمسه .
قال في عقله بعدما تذكَّر شيئًا : ” كان أبي يحكي لي عن الأشباح وقدراتهم في اختراقِ كلِّ شيء ، يبدو أنني قد جننت حقَّا ، ظننت أمس أني مصاص دماء وأظن اليوم أني شبح ” ثم ضحك ضحكة سخرية مما يقول .
ثم وجد طفلًا خرج من البيت وذهب مسرعًا عند زهرة في الحديقة وعلامات الفرح تكسو وجهه ، وفي هذه اللحظة ذهب عنه الدوار تمامًا ورأى كل شيء بوضوح لأول مرة .
نظر حوله إلى المكان والمنزل والطفل فازدرد ريقَه بصعوبة من هولِ المفاجأة ثم قال مشيرًا إلى هذا الطفل : ” إنه أنا ” ثم أردف : ” ما هذا ؟ ، هذا بيتي وهذا أنا ، كيف ذلك ؟ “
فنادى بصوت عالٍ : ” فهد ، يا فهد ” فلم يرد عليه الطفل ، فزاد علوَّ صوته : ” يا فهد ” فوجد الطفل توقف عن اللعب ونظر حوله ، فأمسك فهد رأسه محاولًا فهم ما يحدث الآن ، وقال بعدما تذكر ما حدث له في ذلك اليوم قبل أن يصبح في سانتوريني : ” يا الهي ، كان هذا صوتي أنا وقتها ” ثم قال بصوت أعلى : ” لا تذهب لتلك الشجرة ، عد للبيت الآن “
فوجد الرياح اشتدت وانقلب الجو كما حدث معه من قبل ، ورأى نفسه أمام تلك الشجرة والنور يخرج من أسفل يده الموضوعة على الشجرة ، حتى أغمض عينيه من شدة النور بعدما حاول أن ينظر ليعلم أين تم أخذه وقتها .
في البداية ظن أنه جُنَّ جنونه مما رأى وأن كل هذه هلوسات بعقله فقط ، فرك عينيه محاولًا استدراك ما حصل توَّا ، حاول الحركة والدخول للمنزل فوجد أنه يستطيع التحليق واختراق أي شيء ، كما فعل مع الجدار ودخل المنزل من خلاله .
فور أن دخل المنزل وجد أن الزمن يتسارع فقد رأى والده استيقظ من نومه ثم أعدَّ كوب قهوته ثم جهَّز المنزل لعيد الميلاد ، ولكن فهد رأى كل تلك الأحداث كأنها حدثت في دقيقة واحدة لا أكثر .
هطلت الدموع من عينيه عندما رأى والده يقف أمام النافذة وينادي عليه ولكنَّ أحدًا لم يجيب ، حاول أن يتكلمَ هو ويردَّ على والده ولكن يبدو أن أباه لا يسمعه .
ولاحظ أن الزمن تارةً يسيرُ بسرعةٍ كبيرة كما حدث منذ قليل ، وتارة أخرى بسرعته الطبيعية ، كأن هناك شيئًا أو شخصًا ما متحكمًا في هذا الموضوع ويريد أن يريه أشياءًا معينة فقط .
رأى الشرطة في منزله ثم والده حزينًا منكسرًا طوال الليل ، وفجأة وجد كل شيء حوله اختفى وأصبح المكان كله لونه أبيض فقط بلا معالم حتى .
لقراءة الجزء التاسع
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الثامن
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن) |مكتبة فرندة
لا يوجد شيء سوى اللون الأبيض مدَّ البصر في كل الاتجاهات ومازال يطفو في الهواء ، وبعد مدة قصيرة وجد نفسه بداخل منزله مرة أخرى ووالده بجواره يعد القهوة وعيناه حمراوتان كالدم ، ثم وجد الكوب يسقط من والده بعدما أمسكه بلحظات .
ظن في بادئ الأمر أن الكوب كان ساخنًا على يد أبيه فوقع منه ، ولكنه يعلم أنها ليست المرة الأولى التي يمسك والده الكوب ساخنًا ، وقد اعتاد على هذا دائمًا ، ثم لاحظ وجود لون في يد والده اليمنى يشبه لون اللهب ، و والده يمسك يده كأنها تؤلمه ، حاول فهد فهم ما يحدث ولكنه لم يفهم ، ثم اختفى كل شيء مجددًا .
بعد لحظات وجد نفسه في مكان آخر وبيت آخر قديم جدًا ، ثم وجد شخصًا يدخل هذا البيت لا يعرفه ولم يره قط ، ثم أشعل النار في هذا المنزل وخرج مهرولًا وهو يقول : ” أخيرًا أحرقت المنزل ” .
وتبدو عليه علامات السعادة فشعر بالحيرة من أمر هذا الرجل ، وما أدهشه حقًّا هو عدم شعوره بهذه النيران وقوتها بالرغم من وجوده داخل هذا البيت القديم .
تحرّك في أرجاء البيت فلم يجد به أي أحد فزادت حيرته من سعادة هذا الرجل الذي أحرق منزلًا فارغًا يبدو أنه حتى ليس منزله ، حاول الوقوف على الأرض لأنه لم يعتد الطفو هكذا ويريد التحرك بقدميه على الأرض .
ظن أنه لن يستطيع الوقوف أو حتى لمس الأرض كما هو الحال مع كل شيء حوله ، ولكن فور أن لمست قدماه الأرض شعر كأن أحدًا دفعه للخلف بقوة ، وكأن شيئًا خرج من جسده ، وفوجئ عندما وجد طفلًا يشبهه تمامًا قد ظهر فجأة ، وما أرعب فهد حقًا أنَّ هذا الطفل أصابته النيران فاحترق حتى الممات ، ولم يظهر منه إلا نصف وجهه غير المحترق ، أما باقي الوجه والجسد فكان محترقًا .
صرخ فهد من هول ما رأى وبكى بكاءًا شديدًا وفي الوقت ذاته اختفى كل شيء مجددًا .
ضمَّ قدميه إلى صدره وتكوّر على نفسه وأخذ يبكي كثيرًا مما رأى ، كان المنظر بشعًا جدًا أن يراه رجل كبير ، فما بال أن رأى هذا المنظر طفلٌ تمَّ الحادية عشرة منذ أيام قليلة فقط .
ظن لوهلةٍ أنه مات بالفعل في هذا المنزل ، وهذه روحه المتحركة هنا وهناك ، لا يعرف ما يفعل فَقَدْ فَقَدَ الشعور بكل شيء حوله ، لم يعد يريد سوى العودة لمنزله فقط الآن .
أغمض عينيه قليلًا ليريح عقله من كثرة التفكير وعينيه من البكاء الكثير ، فسمع صوتًا في رأسه يقول له : ” لا تخف ، ستصبح أفضل ” ، وتكررت هذه الكلمة كثيرًا وفي نفس الوقت ظهر أمامه مكان لا يعرفه ولم يره قبلًا ، ووجد أن الزمن يسير بسرعة كبيرة أكبر من سابقيها ، لدرجة أنه أصبح يرى النهار والليل يتعاقبان بسرعة كبيرة أمام عينيه ، ويرى القمر هلالًا فبدرًا فهلالًا فمحاقًا ، ويرى أيضًا الشمس بازغةً ثم تختفي ثم يأتي المطر ثم يرى الزهور تتفتَّح ثم تذبل و أوراق الشجر تسقط ، كأن أعوامًا مرت أمامه في بضع ثوانٍ حتى توقف كل هذا ، ووجد بيته قد ظهر أمامه ولكن يبدو مختلفًا قليلًا عمّا أعتاد عليه .
وجد شابًا يبدو أنه في العشرينات من عمره يقف في النافذة ويرتشف من قهوته التي يمسكها بيده ، حاول فهد معرفة مَنْ هذا الشاب ، ولكن لم يعرف مَنْ هو حتى بعدما دقَّقَ النظر في ملامحه كثيرًا ، وفجأة توقف الوقت وتجمَّد كل شيء في مكانه حتى هذا الشاب ، وشعر فهد كأن هناك شيئًا قويًّا يسحب فهد تجاه هذا الشاب .
اقترب منه كثيرًا وفي لحظة اصطدامهما ببعض ، شعر بوخزٍ في جسده كله وأن عقله يكاد ينفجر ، وكأن هناك أشياءًا تخرج وتدخل في رأسه ، وأصبح لا يستطيع حتى الصراخ من الألم ، شعر بكل هذا سريعًا جدًا ، وكل شعور مرتبط بنهاية ما قبله ويبدأ بمجرد نهاية ما قبله على الفور ، حتى اختفى كل شيء وغاب فهد عن الوعي .
لمتابعة الجزء الحادي عشر من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh