رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
انتهى من كلامه فوجد أن الأمطارَ قد توقفت واختفى الرعدُ والبرقُ كأنهما لم يريدا أن يفسدا على فهد كلماته ، ووجد أباه قَدْ سَكَنَ وهدأت أنفاسه كثيرًا عمّا كانت منذ قليل ، كأنه سمع ما قال فهد .
اختفى كل شيء حوله وأصبح باللونِ الأبيض ، فسكن فهد في مكانه وأغلق عينيه كأن ما قاله كان كالدواء لقلبه ، فهذه ليست مجرد كلمات تخرج من الفم لتُسْمَع بالأذن .
وراء كلِّ كلمةٍ من هذه الكلمات حكاية طويلة لا يعرفها إلا فهد ووالده فقط ، فقد كانا هما بطلا كلِّ حكايةٍ من تلكم الحكايات .
بالنسبة لهما لم تكن مجرد نقطٍ موضوعة على حروفٍ مُكوّنة كلمات وجُمل ، كانت كريستالات مضيئة موضوعة على حروف من لؤلؤ تنير قلبين ، مِنْ حبهما وقربهما من بعضهما البعض لا يفصلهما إلا قليلٌ من اللحم .
قد يبدو أن كل داء في الدنيا يحتاج دواءًا يُشرَب أو أقراصًا لتعالج هذا الداء ، ولكن بعض الأمراض لا تُشفَى بهذه الأشياء لأنها ليست في الجسد بل في الروح .
الداءُ يكون في الروحِ فكيف تُشفَى الروحُ بدواءٍ ماديّ ، قد تكون بعض الكلمات أو الحركات أو الهمهمات أو حتى النظرات هي الدواء لتلك العِلَّة في الروح .
يكون الداءُ واحدًا ولكن دواءه مختلف من شخصٍ لأخر ، فكان دواء فهد عند خوفه وفزعه وعدم اطمئنانه هو تلكم الكلمات القليلة ، التي كانت تنطلق من لسان مليء بالعطفِ والحبِّ لتخترق كلَّ خليةٍ في جسده مكونةً جبالًا وقصورًا وقِلاعًا ، كأنها حصونٌ تحمي قلب فهد مما يفزعه .
شعر فهد أنها كما كانت دواءًا لروحه الخائفة في وقت من الأوقات ومازالت كذلك ، فربما ستكون نورًا للظلام الذي أحاطَ بقلبِ أبيه في هذه الليلة وقد كانت بالفعل .
كان يعلم أن أباه لم يسمع كلَّ الكلمات ، ولكنه مُتأكدٌ أنه سمع ولو جزءًا منها على الأقل مما جعله يسكن في مكانه هكذا .
فتح عينيه الممتلئتين بالإصرار وقال بحزم : ” سأُنهي هذا ” .
وجد أن منزله ظهر أمامه مجددًا والزمنُ يتحركُ بسرعةٍ كبيرةٍ كما حدثَ قبلًا ولكن هذه المرة كان يتحرك للخلف .
لقراءة الجزء الثاني عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثاني عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الحادي عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي عشر) |مكتبة فرندة
كأن الزمنَ يعودُ للوراء ، فوجد أوراق الأشجار المتساقطة الملونة بلونها البرتقالي المائل للأحمر كما في الخريف ترتفع مِنْ على الأرض لتعود لمكانها على الأشجار مجددًا ، ولونها يعود إلى اللون الأخضر من جديد .
رأى الشمسَ بازغةً ويبدو أن الجوَّ حارٌ كأنه الصيف واستدلَّ على ذلك من اختفاء بعض الحيوانات التي كان يراها بجوار منزله وهي لا تختفي هكذا إلا في ذلك الصيف الحار .
رأى الكثير والكثير من النباتات والزهور الجميلة المشرقة والمُتفتِّحة وهي تعود خضراء وصغيرة كما كانت قبل أن تتفتح في الربيع ، ثم رأى الأمطار الغزيرة وهي تهطل مع نورِ البرقِ الأبيض يزيِّن صفحةَ السماء ، يتبعه صوت الرعد الذي يدوي في الأرجاء .
ظل هذا التسلسل يتكرر أمامه مُعلنًا انكسار كل قوانين الفيزياء المعروفة في هذا المكان .
توقف كل شيء وعاد لسرعته الطبيعية فوجد رجلًا وامرأة وطفلة صغيرة لا يعرف أيًّا منهم ، وكان الرجل مستلقيًا على الأرض ورأسه على حِجْرِ الطفلة الصغيرة وهي تبكي مع تلك المرأة بجوارها التي تبدو أنها أمها .
كان الرجل مبتسمًا ابتسامه حانية مليئة بالإشفاق وممزوجة بالحب المشوَّبِ بالحزن والخوف .
وجد الطفلة تقترب من الرجل كأنها تسمع شيئًا يقوله لها بصوتٍ خفيت فازداد بكاء الطفلة مما سمعت .
أغلق الرجل عينيه مما جعل المرأة و الطفلة تزيدان في بكائهما أكثر وأكثر ، وعندها أدرك فهد أن هذا الرجل قد مات .
فرَّت دمعة من عين فهد لَحِقَتْها أختها من العين الأخرى معلنتان عن تأثُّرِهِ مما رأى أمامه ، وزاد حزنه أنه بعيدٌ عن والده تلك المدة الصغيرة التي مرَّت عليه كأنها دهرٌ كامل ، ثم وجد أن الزمن يتسارع من جديد للأمام ولكن بسرعة أقل مما كان عليها .
كأن الوقت الذي مرَّ منذ قليل يُقدَّر بالسنوات ولكن للماضي ، والآن فهو بضعة أيام فقط للأمام .
الأمرُ محيِّرٌ بالنسبة لفهد قليلًا ، سمع من والده عن السفر عبر الزمن والقوانين التي تحكم هذا الموضوع وتجعله مستحيلًا في الحياة العملية الواقعية ، ولكن هذا المكان تدمَّرت فيه كل قوانين الفيزياء بما فيها نسبية اينشتاين بمعناها الشامل والكامل .
اختفى كل شيء أمام فهد وشعر أنه للحظة أظلمت عيناه ، ثم وجد نفسه واقفًا على الأرض أمام الشجرة الكبيرة بجوار منزله ، فسمع صوتًا رقيقًا خلفه يقول : ” من أنت وكيف أتيت إلى هنا ……..؟ “
لمتابعة الجزء الرابع عشر من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh