رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع عشر) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع عشر) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

الفصل العاشر

” الشعور المختلط “

 

استجمع فهد شَتَاتَ عقله و أخذ نَفَسًا عميقًا ثم ابتسم والتفَّ ليواجه صاحب أو صاحبة هذا الصوت .

وجد أنها فتاة صغيرة ، يبدو عليها أنها في مثل عمره ، وأماراتُ الخوفِ المُشَوَّبة ببعض الذهول تملأن وجهها بالكامل ، نظر إليها ولم تُمحَ ابتسامته ومدَّ يده كي يصافحها وهو يقول : ” مرحبًا ، اسمي فهد ” .

لم تتحرك الفتاة ويبدو عليها أنها مازالت خائفة ، فكَّر سريعًا وقال في عقله بعدما تبيَّن ملامحها جيدًا : ” لقد رأيتها قبلًا ، إنها تلك الفتاة التي كانت بجوار الرجل الذي مات ” .

لَمَعَتْ عيناه بالدموع بعدما تذَّكر ما رأى وقتها ، وقال : ” لا تخافي ، قد فقدت والدي ولا أعلم كيفية العودة إليه “.

اغرورقت عيناها بالدموع وقالت بصوتٍ مبحوح : ” حقًا ؟ ” ، ثم أردفت وقد سقطت دمعة من عينها : ” توفى والدي منذ أسبوع ” ، ثم انهمرت الدموع من عينيها ، فاقترب منها وقد هربت الدموع من عينيه رغمًا عنه وصنع ابتسامه على وجهه وقال : ” أعلم ما تشعرين به ، لم يمت والدي ولكني فقدته والأمر مشابه جدًا ” .

كادت يداه أن تقترب من وجهها لتمسح الدموع من عينيها بعدما زاد بكاؤها ، ولكن الخجل شلَّ يده و أعادها لمكانها ، أخذا ينظرا لبعضهما البعض حتى هدأ كلٌّ منهما ثم ابتسم فهد مجددًا وقال : ” ما اسمك ؟ ” .

ردَّت وهي تمسح ما بقى من الدموع على وجهها بعدما تذكرت والدها لبرهة من الوقت : ” اسمي ميرال ” .

تشتَّتَ ذهنه عندما سمع الاسم ، وتذكر أنه هو الاسم الذي سمعه في حلمه الأخير المخيف ذاك ، لم يخرج من تشتته إلا عندما اخترق صوتها الرقيق أذنيه وهي تقول : ” إلى أين ذهب عقلك ؟ ، يبدو أنه سافر قليلًا بعدما سمعت اسمي ” ، نظر لها ثم قال : ” فقط تذكرت شيئًا حدث لي ” .

سألته ببراءتها الطفولية أن يخبرها بما حدث ، كاد أن يخبرها عن الحلم الذي حلم به فسمع صوتًا في رأسه يقول له : ” لا تفعل ” فانعَقَدَ لسانه ونظر حوله ثم قال : ” هل سمعتِ هذا ؟ ” .

  • سمعتُ ماذا ؟
  • هذا الصوت ، ألم تسمعي صوتًا منذ قليل ؟
  • لا يوجد صوتٌ هنا غير صوتنا نحن

تذكر فهد بعض كلمات موسى عندما قال له أنه يستطيع سماع صوت بداخل رأسه من هذا المكان المُسمَّى ” سانتوريني ” فأدرك أن ما سمعه هو مثل ما يسمع موسى ، فحاول أن يغيِّر مجرى الحديث مع ميرال فقال : ” هل تريدين سماع قصة ؟ ” ، وابتسم ابتسامه واسعة كشفت عن صَفَّيْن من أسنان لؤلؤية تُلْقِي التحية على ميرال .

ذهبت ميرال لتجلس أسفل شجرة في حديقة المنزل ووضعت يديها أسفل ذقنها ، ولمعت عيناها إثارةً لتعلن له على موافقتها وإصغائها له ، فجلس بجانبها على استحياء ثم فكر قليلًا ، وقرر أن يخبرها قصة من القصص التي كان يسمعها من والده كثيرًا حتى حفظها عن ظهر قلب .

بدأ يقصُّ عليها مثلما كان يقصُّ عليه أبوه القصص ، أسندت رأسها إلى الشجرة ونظرت للسماء وهي تستمع لفهد ، فنظر فهد إلى وجهها ناصع البياض ، وإلى عينيها الزرقاوتين وتمعَّن النظر إلى عينيها الهادئة المُشَوَّبة ببعض الحزن الدفين .

أخذَ يقولُ في عقله : ” كيف يسكنُ الظلامُ مصدرَ النور ويتَّخذ منه منزلًا ؟ ،  كيف يجرؤ هذا الحزنُ أن يقتحمَ المحيطَ الهادئ ويُرْغِمُهُ على الثوران ؟ ، كأن الظلام هرب من سماء الليل واختبأ أسفل عينيها ، أيفنى الإنسانُ من الداخلِ وجسده مازال تسكنه الروحُ ؟ ، أيهرب النورُ من القلبِ ويصبح مظلمًا تسكنه الجروحُ ؟ ” .

لم ينتبه فهد إلى أنه توقف عن الكلام إلا عندما نظرت إليه ميرال وقالت : ” لما توقفت ؟ ” .

عاد لعالم الواقع وتظاهر أنه كان يتذكر باقي القصة ثم أكمل كلامه ، وعندما انتهى من سرد القصة سمع صوتًا أُنثويًّا قادمًا من بعيد يقول : ” يا ميرال ، من هذا الفتى ؟ ” .

نظر فهد لمصدر الصوت فإذا هي تلك المرأة التي كانت بجوار الرجل ، ومِنْ خلال الحزن القابع في عينيها قال في عقله : ” يبدو أنها زوجته ، الآن اكتملت الصورة أمامي ” .

 

لقراءة الجزء الثالث عشر

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث عشر) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء الثاني عشر

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثاني عشر) |مكتبة فرندة

 

قامت ميرال من مكانها وذهبت لتلك المرأة التي تبدو كأنها والدتها على الرغم من عدم تشابه ملامحهما وقالت لها : ” إنه صديقي فهد يا أمي ، لقد فقد والده ولا يستطيع إيجاده ، قال لي ذلك عندما وجدته هنا ” .

نظرت إليه ” أيسل ” وقالت بنبرةِ صوتٍ تملؤها الرقة : ” أهذا صحيح يا فهد ؟ ” .

قام فهد من مكانه واقفًا وقال لها : ” نعم يا سيدتي ، لقد كنت ألهو في حديقة منزلي وفجأة صدر ضوءٌ قوي لا أعلم مصدره جعلني أغمض عينيّ ، فوجدت نفسي قد نمت وقتها ، ثم وجدت نفسي في مكانٍ آخر ، أظن أنه أُغْمَى عليّ أو شيء من هذا القبيل ، أعلم أن هذا الأمر غريب ، لكن هذا ما حدث بالفعل ولم أرَ والدي منذ ذاك الحين “

شعرت أيسل بالغرابة من كلامه ، لا يبدو هذا الكلام منطقيًا ، ولكنها رأت في عينيه الصدق فقالت في عقلها : ” يبدو أنه تم خطفه وتركه بعيدًا عن والده “

ابتسمت له وقالت : ” يبدو عليك التعب يا بُنيّ ، تعال إلى الداخل لتستريح قليلًا ” .

ظهرت علاماتُ الخجلِ على وجه فهد ، نظر إلى البيت فوجد أنه بيته ، ولكن مَنْ هما ولما يسكنان في بيته وأين والده ؟ ، سمع والدة ميرال تقول : ” لا تخف يا ولدي ، اعتبرني كوالدتك ” .

نزلت تلك الكلمات كالصواعق على قلب فهد ، فتحت تلك الكلمات بابًا مغلقًا في قلبه منذ ولادته ، لا يعرف والدته ولم يرها قط ولا حتى يعلم ما شعور وجود الأم بجواره من الأساس .

لم يدعه والده أن يشعر بهذا الشعور قط حتى نَسِيَهُ من الأساس ، كان يرى في والده كل شيء له ، لم يبخل عليه والده بشيء صغيرًا كان أم كبيرًا .

لم يعد من شروده إلا عندما وجد يدًا تمسك كتفه ، نظر لصاحبة هذه اليد فوجد أنها والدة ميرال تنظر إليه وهي مبتسمة الثغر وتقول له : ” فيم شَرَدت ؟ ، تعال لنجلس في الداخل ” .

لم ينبس ببنت شفه وذهب للداخل وجلس على كرسي من الكراسي .

وجد أن المنزلَ من الداخل يشبه منزله ولكن الأثاثَ مختلف و ألوانه مختلفة ورونقَ المنزلِ مختلفٌ عن منزله .

أحضرت له والده ميرال بعض الطعام فبدأ في الأكل على الفور بعدما شكرها على هذا ، وبدا أنه لم يأكل منذ وقتٍ طويل ، وكأنه فقد الشعور بالجوع وعاد إليه بمجرد رؤية الطعام أمامه .

كانت ميرال تراقبه من بعيد ولم تتحدث معه منذ أن أنهى سرد تلك القصة لها ، ذهبت مع والدتها للمطبخ بعدما أخذتا الأطباق من أمام فهد بعدما أنهى طعامه ، فقصَّت لها ميرال ما حدث منذ خروجها من البيت وحتى خروج أيسل لهما .

عندما خرجتا من المطبخ وجدتا فهد قد تكوَّر على نفسه واستسلم للنوم على ذاك الكرسي ، فلم تُرِد أيسل إيقاظه بل حملته لتأخذه لسريرٍ في الغرفة المجاورة لغرفة ميرال في الطابق الثاني من المنزل .

فوجئت بعدما حملته أن يديه التفَّتْ حول عنقها كأنه يحتضنها ثم وضع رأسه على كتفها كأنه طفلٌ لم يكمل العامين بعد ، نظرت إليه بعدما ظنَّت أنه مستيقظٌ لتجده غارقًا في نومه لا يشعر بأي شيء حوله .

صعدت السلالم وذهبت للغرفة ثم وضعته على السرير بعدما نظَّفته ميرال ، لأنه لم ينم عليه أحدٌ منذ زواج أيسل من زوجها .

دثَّرت أيسل فهد بغطاء وأغلقت الستائر والأضواء ثم أغلقت الباب خلفها بعدما خرجت من الغرفة تاركة فهد نائمًا كالأطفال بالداخل وغارقًا في أحلامه التي ستوضح له كل شيء …….

 

لمتابعة الجزء الخامس عشر من رواية سانتوريني :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس عشر) |مكتبة فرندة

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة