رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
قام فهد من مكانه وصعد لغرفة ميرال ودقَّ الباب فسمع صوتها الرقيق من داخل الغرفة يقول : ” ادخلي يا أمي ” .
فتح الباب ببطئ شديد وفور أن رأته ميرال قالت : ” آسفة يا فهد ، ظننتك والدتي ” .
فقال لها بابتسامه صغيرة : ” لا بأس ، لا أعرف ماذا أفعل في الأسفل ففكرتُ أن أجلسَ معك هنا قليلًا ، إذا لم تمانعي بالطبع “
- بالطبع لا أُمانع ، تعال وأجلس هنا على السرير .
تقدَّم فهد ببطئ وجلس على السرير ، لا يعرف ماذا يقول أو كيف يبدأ الحديثَ معها أو لما وافق على طلبِ والدتها من الأساس ، لكنه شعر أنه يجبُ أن يفعلَ هذا ولم يفكرْ في سببٍ يقنع به عقله على موافقته .
لاحَظَ دميتها المحشوة الموضوعة بجوارها فسألها : ” ما اسمها ؟ ” ، ردَّت عليه مستفهمةً : ” اسم مَنْ ؟ ” .
- دميتُك ! ما اسمها ؟
نظرتْ للدمية وأمسكتها ثم قالتْ : ” اسمها باربي ” ، ثم أردفت بعد برهة : ” اشتراها لي والدي منذ سنِّ الرابعة وكان هذا الاسم هو فكرته ، فسألته ما هذا الاسمُ الغريبُ يا أبي ؟ فقال لي وقتها أنَّ هذا الاسم كان اسم أميرة من الأميرات منذ زمنٍ بعيد حتى قبل أن يولد هو ، فأعجبني الاسم كثيرًا فأسميتها كذلك ” .
توالت أحاديثهما بعد ذلك عن أشياء مختلفة ثم طلبت منه أن يخبرها قصة أخرى مثل التي قصَّها عليها أمس فقد أعجبتها تلك كثيرًا .
فكَّر في قصةٍ أخرى كان يرويها له والده وأخبرها بها ، رغم أنها أطولُ من سابقتها إلا أنهما لم يشعرا بالوقت وهو يمر ، وظلَّت منصتةً له طوال فترة كلامه حتى انتهى من سَرْدِ قصته التي أعجبتها أيضًا كالتي مضت .
نظر فهد حوله فوقعت عيناه على صندوق ألعابها المُغطَّى بالغبارِ والترابِ فذهب إليه ونظَّفه جيدًا و أخرجَ منه ألعابها و أخذا يلعبان معًا .
ظهرت السعادة على وجهِ ميرال وهي تلعب وأخذت تضحكُ وتلهو وفهد يراقب ضحكتها التي يراها لأولِ مرة منذ دخوله هذا البيت .
شعر فهد أن قلبها هو الذي يضحك وما وجهها إلا أداةٌ فقط لتفصح عما يَقْبَعُ بداخلِ قلبها ، نظر لوجهها الصغير وضحكتها الطفولية الجميلة كما وصفها في عقله ، ولم يَلْحَظَا أيسل وهي تفتحُ الباب ببطئ لترى ماذا يفعلان ثم أغلقته كما فتحته بدونِ أن يشعرا بها والابتسامةُ تعلو وجهها لهبوبِ رياحِ السعادةِ لتُنعشَ قلبَ طفلتها الصغيرة .
أعادا الألعاب لمكانِها داخل الصندوق بعدما أنهكهما اللعبُ واللهو ، ورقدا على السريرِ ليرتاحا وكلٌّ منهما ينظرُ لسقفِ الغرفة الوردي .
سمع فهد صوتَ ميرال وهي تقول : ” شكرًا يا فهد ” ، نظر إليها فقابلت عيناه ابتسامةً من ثغرها الصغير جعلت قلبه يخفق بشدة فلم يقل شيئًا إلا أنه قابل شُكْرَها بابتسامةٍ منه حتى دون أنْ يسألها عن سبب شُكْرِها .
غابَ عقله عن عالم الواقع ودخل عالمه الخاص ليتساءل مجددًا ” هل هذا حقيقي ؟ ” ثم ينفي معرفته بإجابة هذا السؤال حتى الآن .
لم يخرج من شروده إلا عندما سمع صوتَ بكاءٍ ضعيف بجواره من ميرال ، نظر إليها فكانت تنظرُ لرسمةٍ من رسوماتها على دولابها والدموع تهطل من عينيها الزرقاوتين كأن البحرَ القابعَ في عينيها يفيض بعد أن تبددت ابتسامتها التي رآها منذ قليل .
قام من رقوده وجلس بجوارها على السرير وقال : ” ماذا بكِ ؟ ” .
لم تَرُدْ عليه وظلت عيناها تنظر لتلك الرسمةِ دون أن يرتدَّ إليها طَرَفٌ فاقترب منها ووجد يده تذهب من تلقاءِ نفسها لتمسح دموعها مِنْ على خديّها ، وأدار وجهها ليواجه وجهه وابتسم لها وقال : ” أخبريني ، ماذا بكِ ؟ ” .
قامت من مرقدها وجلست بجواره ثم بدأت حديثها بقولِها : ” قبل مماتِ أبي بثلاثة أيام كنا في حديقة المنزل نلعب ، فطلبتُ منه أنْ نذهب في رحلة صغيرة معًا ، تصنَّعَ الرفض في البداية ولكن عندما وجدَ علاماتِ الحزنِ تكسو وجهي حملني على كتفيه وقال ” كيف أرفضُ طلبًا لك يا غزالي الصغير ! ” ، فقبَّلتُ رأسَه وقتها وطلبتُ منه أن نصعد لغرفتي وهو يحملني هكذا لأرى نفسي في المرآة ، في البداية بدا مُستغربًا من طلبي ثم صعد مُلبِّيًا له ونظرت لنفسي في المرآة ، حاولتُ حفظَ ذلك المنظر جيدًا وبعد أن انتهينا وذهب أبي للنوم ليلًا أحضرتُ أوراقي وألواني ورسمت ذاك المنظر الذي رأيته في المرآة ولم استطع رسمَ نفسي جيدًا فنظرت كثيرًا للمرآة وأكملت الرسمة في الليلة الثانية لكثرةِ تفاصيلها ” .
لقراءة الجزء الخامس عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس عشر) |مكتبة فرندة
قراءة الجزء الرابع عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع عشر) |مكتبة فرندة
صمتت قليلًا كأنها تحاولُ تَذَكُّرَ ما حدث بعدما هدأت أنفاسها ودموعها عما كانت عليه منذ قليل ثم أردفت : ” يوم وفاتِه صباحًا أخبرني أنه سيأخذني لتلك الرحلة التي وعدني بها في ذلك اليوم فأحضرتُ له رسمتي و أعطيتها له وأنا أقول ” أحبك يا أبي ” فأخذني لغرفتي ولَصَقَ تلك الرسمةَ بنفسه على دولابي وكتب عليها ( أُحِبُكِ يَا غَزَالِي الصَغِير ) فكانت آخر رسمة رسمتها له ” ، قالت جملتها الأخيرة وهي تشير للرسمةِ التي كانت تنظر لها كثيرًا ، وبدأت عيناها في البكاءِ مجددًا لكن هذه المرة كان بكاؤها شديدًا ، ولاحظتُ أيضًا دموعًا تهبطُ من عينيّ فهد أثناء حديثها .
نظرا لبعضهما البعض وعينا فهد امتلأت بالدموع ، فبادر فهد بالكلامِ قائلًا : ” لقد كان يحبُّك بالفعل يا ميرال ، أعلم أنك حزينة وقلبك يبكي حتى إنْ كان وجهُك ضاحكًا ” ، ابتسمَ ابتسامةً مكسورةً بمطرقةٍ من حزنٍ دفينٍ بقلبه فقال : ” توفيت والدتي أثناء ولادتي فلم أرها قط ، حتى أنني لا أعرف اسمها حتى الآن ، كل ما أعرفه أني أخذتُ منها شكلها وعينيها فقط ” .
قاطعته ميرال باستغراب : ” كيف لا تعرف اسمها وهي والدتك ؟! ” ، قال فهد مُجيبًا : ” لا أعرف ولكن لسببٍ ما أجد أنَّ أبي يحاول إخفاء اسمها عني ولم اعتد أن أُلِحَّ على أبي في شيء ، أثق أنه يملكُ سببًا وجيهًا لذلك لذا لم أعد أسأله ” .
صمتَ فهد قليلًا ثم قال بعدما لم يرَ من وجهِ ميرال إلا التعجُّبِ من كلامِه : ” على كلٍّ ، هذا ليس موضوعنا الآن ” .
نظرَ فهد لميرال وأكملَ كلامَه قائلًا : ” لا أعلمُ كيف التقيا عالمانا ، ولا أعلمُ إنْ كانت كلماتي تستطيع أن تصل لقلبكِ كما أريدها أن تصل ، ما أنا متأكدٌ منه الآن هو أنَّ والدكِ ووالدتي توفيا ، يجب أن تكوني سعيدة لأنك عشتي معه سنين عدة ، ربما ليس بالعمرِ الطويل ولكن لك معه ذكريات سعيدة عديدة ” .
رسمَ فهد على وجهه ابتسامة جميلة ثم قال : ” يا ميرال أنتِ نقيةٌ وجميلة جدًا ، لا أعني هنا نقاءَ الوجهِ وجماله فقط ، بل نقاءَ القلبِ والروح ، لا يجوزُ لقلبٍ جميلٍ كقلبكِ أنْ يحزن ، لا تدعي ظلامَ الليلِ يقتحمُ نورَ قلبكِ ويطفئ شمسَ روحِكِ ، لا تدعي مطرقةَ الحزنِ تدقُّ مساميرَ الألمِ في جوارحكِ ” .
ثم ثبَّتَ عينيه على عينيها محاولًا أن يصل لروحِها وتتغلغل كلماته التي أطلقها لتُزيحَ غبارَ الحزنِ عن قلبِها فأكملَ كلامَه قائلًا : ” النورُ والظلامُ موجودان في قلبِ كلِّ منا ووحدنا نحن مَنْ نحدد مَنْ منهما المُسيطر ، النورُ أم الظلام ، السعادةُ أم الآلام ، الحقيقةُ أم الأحلام ، ولكنَّ الأفضلَ الذي لا يعلمه كثيرٌ من الناسِ أن يتحدا معًا ، صدقيني يا ميرال ، إن اتحدا معًا فسيصلُ الإنسانُ لقمةِ ما يريد وقتما يريد ومع مَنْ يريد ، الحزنُ قابعٌ في قلوبنا وله سببه الخاص لظهوره في كلٍّ منا، اجعلي منه نقطةَ قوةٍ وليس نقطةَ ضعف ، دعي النورَ يَغْمُرُكِ ، دعي السعادةَ تغمركِ ، دعي شعلةَ الأملِ تشتعلُ في قلبكِ لتنيرَ ولو جزءًا صغيرًا من روحكِ ” .
صمتَ فهد لبرهةٍ ثم أردف : ” دعي الحبَّ يغمركِ ” .
أنهى فهد كلامه وهو ممسكٌ بيديها المرتجفةِ من البكاء ، لَمَعَ في عينيها بريقًا لم يعرف كَنْهَهُ ، وارتسمتْ على شفتيها ابتسامةً جميلةً توحي له وتؤكد بوصولِ كلماتِه العذبةِ لقلبِها واقتحامه لحصونِ روحها المغلقة بعد أنْ أذابت نظراته الأقفالَ الموصدة .
ظلَّا ينظران لبعضهما البعض بصمتٍ تام فكانت الأعينُ تكفي لتقولَ كلَّ ما يريدان قوله ، هربت من عينيها دمعتان رغمًا عنها فأخذَ رأسها ووضعها على صدرِهِ واحتضنها بقوةٍ فاستسلمتْ له بدونِ أيِّ مقاومة والتفَّت يداه حولها تطوقها والتفَّت يداها حوله مستسلمةً وسامحةً لعبراتِها بالهطولِ على صدره .
بقيا هكذا لبرهةٍ من الزمنِ حتى انتهت ميرال من بكائِها ونشيجِها المسموع ، وسمع فهد أنفاسَها تهدأُ وتهدأُ حتى أصبحت طبيعية ، ثم تركها وعادا كما كانا على السرير .
رقدا على السرير ونظرا للسقفِ كما كانا ولكن فهد وضع رأسها على يده هذه المرة بعدما مَسَحَ دموعَها من عينيها وبقيا على هذا الحالِ مدةٍ طويلة والصمتُ لم يفارقْ المكان منذ أن انتهى فهد من كلامِه واحتضنها .
دقَّتْ أيسل الباب عندما حلَّ الليلُ ولم يخرجْ أيًّا منهما من الغرفة ثم فتحتْ البابَ ببطئ عندما لم تجد أحدًا يَرُدُّ من الداخل ، فوجدت فهد وميرال قد غطَّا في نومٍ عميقٍ بجوارِ بعضهما البعض ، فدثَّرتهما وخرجت من الغرفةِ مبتسمةَ الثغرِ لأنها أحسَّت أنْ ما أرادته قد حدثَ بالفعل وأغلقت البابَ خلفها والابتسامةُ لم تفارقْ محياها …….
لمتابعة الجزء السابع عشر من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السابع عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh