رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
كان عقلُ فهد سيكمل الحديث مع نفسه لعلَّه يجد ضالته في تفسيرِ ما يحدثُ حوله ، ولكن سمعَ الباب يدق ويُفتح ببطئ ثم وجد ” أيسل ” والدة ميرال قادمةً لتُوقِظهما ، فقام من مكانه بعدما استيقظت ميرال ورفعت رأسها مِنْ على يده ، ونظرتْ له وابتسمت ابتسامةً رقيقةً وهي تقول : ” صباحُ الخيرِ يا فهد ” .
بادلها بابتسامة مثلها وأخذا يتحدثان مع أيسل قليلًا ، وامْتَعَضَ وجهُ فهد قليلًا عندما أخبرته أيسل أنهما سيذهبان للبحثِ عن والده ويتركان ميرال وحدها في المنزل .
تمتم بصوتٍ خفيت : ” هذا لا ينفعُ الآن ” ، ثم رفضَ أن يخرج مُتعللًا أنه مرهقٌ ويشعرُ بالتعبِ في هذا اليوم ، وطلب منها تأجيل هذا الأمر لليومِ التالي ، فرَضَخَتْ لطلبه مُتعجبة قليلًا ثم أخذت ميرال وخرجتا من الغرفة تاركتين فهد وحده مع أفكاره التي كادت أن تفتكَ به بمخالبها الحادة بعدما طلب منهما فهد أن يجلس قليلًا وحده بدون أن يُبدي أيَّ أسبابٍ لذلك .
جلس يفكر ويحاول ترتيب الأحداث التي حدثت له منذ يومِ عيد ميلاده الحادي عشر وحتى الآن محاولًا إيجاد ولو خيطًا صغيرًا يرشده لتفسير ما قاله ذاك الطائر الذي يُطلق على نفسه ” سانتوريني ” بعدما اقتنع في صميم نفسه أن ما رآه لم يكن مجرد حلم ، بل هو أشبه برسالةٍ مُوجهة إليه ، ترك العنان لعقله مجددًا في التحدثِ دون أن تتحرك شفتاه .
- يجب أن أجد طريقة للتحدث له مجددًا ، لكني رأيته وأنا نائمٌ في حلم ، أيُعقل أن هذا مجرد وهم وأنا صدَّقته ، على الأقل سأحاولُ أن أجده ، سأحاول فقط فالمحاولة لن تضر إن لم تنفع .
قام مِنْ على السرير وذهب للطابقِ السفلي ليشاركهما إعداد الطعام ، ولكن كانت تبدو على وجهه علاماتُ الحيرة ظاهرةً ، فسألته ميرال التي لاحظت ذلك على وجهه عن السبب ، فابتسم لها مُتصنِّعًا عدم وجود شيء ومُجيبًا على سؤالها أنه مرهقٌ فقط .
مرَّ اليومُ على هذا الحال وفهد يحاولُ إخفاء ما ينسجه وجهه من علاماتٍ بسبب تفكيره غير المُنتهي ، ويفكر أيضًا في طريقةٍ ليقابلَ هذا الطائر مجددًا ، هذا إن كان موجودًا من الأساس .
دَحْمَسَ الليلُ سريعًا على فهد الذي لم يشعر بالوقتِ هذا اليوم ولم يعلم أنني كنت أراقبه كالعادة ، وكلما حاولت التنبؤ بما سيفعل فاجأني بما لم أتوقع حدوثه على الإطلاق .
شعرَ بالنُعاسِ مبكرًا هذا اليوم ، فطلب من أيسل الذهابَ للنومِ فتركته يذهب ، قام من مجلسه الذي لم يفارقه تقريبًا هذا اليوم من انشغالِ عقله بما يفكر ، وصعد السلالم فاتجه للغرفة التي بجوارِ غرفة ميرال لينام فيها .
سمعَ فهد ميرال تقول قبلما يصل للغرفة أنها أيضًا تريد النوم مُتعللة بشعورها بالنُعاس والإرهاق ، فتركتها أيسل تذهب هي الأخرى وذهبت الأخيرة للنومِ في غرفتها بعدما أغلقت الأنوار .
دخل فهد الغرفة ورقد على السرير مُدثرًا نفسه بغطاء ، وقبل أن يأخذ الكرى بمَعَاقِدِ جفنيه سمع الباب يدق ، فسمح لمن وراء الباب بالدخول فوجد أنها ميرال تفتح الباب وتمشي على استحياء وهي مُبتسمةُ الثغر ، وتطلبُ منه أن تتحدَّثَ معه قليلًا إن لم يكن يُمانع .
تَحَامَلَ فهد على نفسه وجلس على السرير رغم أنه يريد النوم ، لكنه قال لها أنه لا يمانع مطلقًا أن تتحدث ، وطلب منها أن تجلس بجواره على السرير وتقول ما شاءت .
لقراءة الجزء السابع عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السابع عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة الفصل السادس عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السادس عشر) |مكتبة فرندة
جلست بجواره ثم استهلَّت الحديثَ بقولها : ” آسفة يا فهد على إزعاجك ، أعلمُ أنك تريد النوم لكني أريد التحدث معك قبل أن تنام بدون أن تسمعنا أمي ” ، جذبت انتباهه الكلمة الأخيرة التي قالتها ، فقال لها مُستفهمًا عما تريد قوله وأخبرها أنه مُنصتٌ لها جيدًا فأردفت : ” أخبرتني أمس أثناء لعبنا معًا أن والدك اسمه كريم ، أليس كذلك ؟ ” .
أجابها فهد بالإيجاب على سؤالها فأكملت : ” حسنًا اسمعني جيدًا ، عندما تُوفي والدي كنت وقتها أبكي كثيرًا جدًا بدونِ توقفٍ ، فجاءت لي والدتي وأخبرتني عن رجلٍ يُسمَّى كريم توفيت زوجته أثناء ولادةِ ابنه الوحيد وكيف أن ابنه أصبح قويًا ولم يدع الحزن يسيطر عليه ، كان مقصدها من كلامها محاولة مواساتي فقط أنه هناك الكثير مثلي ممن فَقَدَ أحد والديه وهو صغير ، وعندما سألتها عن هويةِ كريم هذا أو ما اسم ابنه أخذتْ تفكر كثيرًا قبل أن تخبرني أنه شخصٌ ما كانت تعرفه ولم تَزِدْ على هذا كلمةً واحدة ، ثم نظرت لي نظرة عرفت من خلالها أنه ندمت أنها أخبرتني بهذا الأمر ، كأنها لم تكن تريدني أن أعرف هذا من الأساس ، لم أعِرْ كلامها أي اهتمام وقتها ونسيتُ الأمر تمامًا ولكن تذكرته عندما أخبرتني عن وفاة والدتك أمس ” .
صمتت ميرال قليلًا ثم اقتربت من فهد وقال بصوتٍ خفيت وهي تضع يدها على فمها : ” أظن أن والدتي تخفي شيئًا ، أعتقد أنها تعلمُ مَنْ أنت وتعرفُ والدك وربما تعرفُ مكانه أيضًا ، إنها ليست صدفةً أنَّ كل ما أخبرتني به مُنطبِقٌ عليك يا فهد ، ما لا أفهمه حتى الآن هو كيفية معرفة والدتي بوالديك ولما تخفي الأمرَ من الأساس ! ” .
استمع فهد لها بإنصات شديد و أخذَ يفكرُ قليلًا فيما قالت بعدما تأكَّدَ الآن أنَّ كلامَ هذا الصقر صحيحٌ وليس كذبًا ثم نظرَ لميرال بتلك النظرةِ الحائرة التي كانت على مَحياه منذ الصباح وقال : ” ولكن لما تخبرينني بهذا ؟ ، ولما لا تريدين أن تسمع والدتك هذا الكلام ؟ ” .
- كنت قد نسيت هذا الأمر تمامًا ولكن تذكرته أثناء حديثنا أمس بعدما أخبرتني بأمرِ وفاةِ والدتك أثناء ولادتك ، وعندما رأيت أن والدتي لم تقل شيئًا عن هذا الأمر علمت أنها تُخفي أمرًا لا تريدنا أن نعلمه ، لذا جئت إليك بعدما تأكدت أنها دخلت غرفتها ونامت .
صمتت ميرال لبرهةٍ كأنها تسترجع ما تريد قوله ثم قالت : ” ربما هذا كله من نسيجِ خيالي ، وربما يوجد شخص له نفسُ الاسم كوالدك وحدث معه ما حدث مع والدك ، ولكن ما أدْخَلَ اليقين قليلًا لقلبي هو كلامها اليوم لي ، فقد سألتني عما حدث أمس عندما أتيتَ لغرفتي ووجدت أن طريقة كلامها وأسئلتها التي سألتها لي كلها تدورُ حول أنها تريدُ أن تعلمَ ولكن بطريقةٍ غير مباشرة إن كنت أخبرتك بهذا الأمرِ أم لا ، فأخبرتها أننا تحدثنا قليلًا عن رسوماتي ولعبنا ثم غَلَبَنا النُعاس فنمنا بدونِ أن نشعرَ بشيء ، وعندما رأتْكَ لم تسألها عن شيء اليوم تأكَّدَتْ أني لم أخبرك بالأمر ، لكني شعرت أنك يجب أن تعرف ” .
أنهت ميرال كلامها بطلبٍ من فهد ألا يخبر والدتها بأي شيء حيال هذا الأمر وكأنها لم تخبره بشيء ، شكرها فهد على إخباره بهذا الأمر وأنه لن يخبر والدتها بأيِّ شيء ، فقالت له مُبتسمة أنها ستذهب للنومِ في غرفتها فقابَلَ ابتسامتها بابتسامةٍ لطيفة مثلها ، خرجت ميرال من الغرفة وأغلقتْ الباب خلفها تاركةً فهد غارقًا في محيطِ أفكاره وأسئلته التي لا تنتهي حتى أخذَ الكرى بمَعَاقِدِ جفنيه فنام بعمق دون أن يشعر …….
لمتابعة الجزء التاسع عشر من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh