تحميل رواية العسكري الأسود بصيغة Pdf
رواية العسكري الأسود يوسف إدريس
«دَعِ الضاربَ يَضرب؛ فيَدُه التي تَضربُ تمتدُّ أيضًا إلى ذاتِ نفسِه.»
روايةٌ يَختلطُ فيها الواقعُ بالخيال، تدورُ أحداثُها عن «شوقي»؛ الشابِّ المُثقَّفِ الذي يَسعى حثيثًا إلى تغييرِ واقعِه، غيرَ أنَّه يُعتقلُ فجأةً دونَ سابقِ إنذار، وفي المُعتقَلِ لم يُغيِّرْ كرباجُ الجلادِ معالمَ جسدِه فقط، بل غيَّرَ شخصيتَه وفِكرَه وثوابتَه؛ فخرجَ ليَكذبَ ويَسرقَ ويُنافقَ حتى استطاعَ العملَ طبيبًا في عُقرِ دارِهم، في المكتبِ الطِّبي للمُحافظة، وتدورُ الأيامُ ليأتيَ تحتَ يدِه أوَّلُ مُعذِّبيه، عباس الزنفلي «العسكري الأسود»، مريضًا طريحَ الفِراش، يَنهشُ المرضُ في لحمِه، وقد جارَ عليه رُؤساؤُه، بعدَ أن كان مِن أبرزِ أدواتِ النظامِ للبطشِ بالسِّياسيِّين، ومِن أيقوناتِ السُّجون، ومعروفًا بين المُعتقَلِين باستغلالِه لجسدِه الضخمِ في التلذُّذِ بتعذيبِ المساجينِ بكلِّ الوسائل. فهَل يتحوَّلُ الجلادُ إلى ضحيةِ سادتِه وطبيبِه، أم إنَّ للطبيبِ المُعذَّبِ رأيًا آخَر؟
رواية العسكري الأسود لـ يوسف إدريس
(اتعرف أنك حين تؤذى غيرك تؤذى نفسك دون ان تدري؟)
مجرد جملة بسيطة بداخل الرواية ولكنها تمثل رواية كاملة بما تحتويه من احداث وشخصيات وحبكة ورسالة يحاول الكاتب توصيلها للقارئ بشكل خاص.
وفي رأى الشخصي كقارئ تظهر براعة الروائي او الكاتب بشكل خاص عند سرد وكتابة القصة القصيرة بشكل خاص
لأنها في المجمل قصة قصيرة وتتطلب من الكاتب أن يكون قادر على الجمع بين جميع محاور الرواية وتوصيل فكرته ورسالته
من خلال كلمات قليلة وعبارات قصيرة، وأعتقد أن أفضل من كاتب عربي استطاع الابداع في القصة القصيرة بالفعل هو الكاتب (يوسف ادريس).
تدور الفكرة حول اسطورة (العسكري الأسود) والتي كانت منتشرة بين المعتقلين السياسيين في فترة منتصف القرن الماضي وسيطرة البوليس السياسي على الجامعات وطبقات القراء والمثقفين
حيث كانت الحكومة تستخدم ذلك العسكري المقرب من السلطة بذلك الوقت في التفنن في استخدام أساليب الضرب والتعذيب للضغط على المعتقلين اثناء الاعتقال للاعتراف بتنظيماتهم وقمعهم.
تدور الرواية من خلال أحد الأطباء والذي يقابل مصادفة أحد أصدقائه القدماء من الجامعة بعد أن تم اعتقاله بسبب نشاطه السياسي الدائم ويسمى الطبيب (شوقي)
ويلاحظ الطبيب التغييرات النفسية والسلوكية الحادثة لصديقه (شوقي) والتي تناقض تماما شخصية (شوقي)
في الجامعة قبل اعتقاله محاولا فك لغز تطور شخصية (شوقي) لهذا النقيض التام.
ومصادفة يقع ملف طبي امام الطبيب (شوقي) خاص بشخص يسمى (عباس) لكي يبت الطبيب في موقفه الطبي الحكومي ويهتم (شوقي) بذلك الملف اهتمام زائد إلى ان يقابل (عباس) في منزله ويواجهه وجه لوجه لتنكشف الاحداث وتتضح العلاقة ما بين (عباس) و (شوقي) و تنكشف حقيقة التطور بداخل شخصية الطبيب.
الرواية جميلة وتعرض واقع الاعتقال والمعتقلين السياسيين والطبقة الجامعية المثقفة في فترة منتصف القرن الماضي وسيطرة ما يعرف بالقلم السياسي، وتعرض كذلك حكم السلطة المطلقة بدون الرقابة وما تؤدى اليه غياب الرقابة على المؤسسات بشكل عام وما ممكن ان تؤدى اليه الوساطات بداخل الوزارات والحكومة.
على الرغم من كونها رواية قصيرة الا ان الكاتب استطاع بطريقة مبسطة وجميلة استعراض الشخصيات
وبنائها بشكل تفصيلي رغم قلة الكلمات والوصف الا ان الكاتب كان يجيد التشريح النفسي لكل شخصية
وسبر اغوارها بكل سهولة ويسر حتى يتضح للقارئ مصير كل شخصية والأسباب التي أدت لتطور كل شخصية
الى أن تنتهي بنهاية مقنعة لكل قارئ.
كذلك الحبكة والاحداث وطريقة الربط بين الشخصيات كانت جيدة حيث أن الكاتب لم يجعل الراوي بطل من أبطال الرواية
لكنه جعل الراوي في منزلة القارئ يتابع الاحداث من الخارج ويتفقد الشخصيات من وجهة نظره الخاصة لمرحلة جعلتني كقارئ اندمج اندماج تام مع الراوي في محاولة المشاركة في البحث عن الاحداث وحقيقة ما وراء الطبيب شوقي والعسكري الأسود.
الرؤية العامة للرواية بدون حرق للأحداث من وجهة نظري كانت رائعة وتتلخص في العبارة التي سبق وبدأت بها المقال وهي (اتعرف أنك حين تؤذى غيرك تؤذى نفسك دون ان تدري؟)
والتي تظهر بصورة مفصلة في الفصل الخاص بالتقاء (شوقي) و (عباس) وجه لوجه
وتتضح أكثر وأكثر في مصير كل من الشخصيتين في النهاية ما أدت اليه تجربة الحياة لكل شخص منهم
وكذلك تعرى الأنظمة الحاكمة في الكثير من افعالها فبرأي الشخصي كقارئ كل من (شوقي) و (عباس)
ما هم الا ضحايا للفساد والاستغلال ولكن بطريقة مختلفة لكل منهم وتسليم نيشان لكل منهم خاص بهم
نتيجة لمجهود كل منهم ولكن بطريقة مختلفة ما.
كذلك الرواية بها بعض الرموز والاسقاطات الموفقة والجميلة كصورة (النيشان المعلق على الحائط)
وكذلك عزل رئيس الحكومة وتخليه عن (عباس) واستخدام حيوان كالكلب في التشبيه لبعض الأفعال
التي انتهت بها شخصية (عباس) وكذلك علامات التعذيب على ظهر (شوقي) والتي برأي تمثل نيشان الواجب
المعلق على الحائط بمنزل عباس (عباس) حيث ان الحكومة تعتقد انها تكافئ كل منهم بتذكار ولكن كل على حدا
ولذلك اجدها رموز موفقة على الرغم من بساطتها استطاع الكاتب بها توصيل فكرته ورسالته لي كقارئ بكل سهولة ويسر.
من الممكن القول أن الفكرة مكررة بالنسبة لي كقارئ وهو الكتابة عن القمع والأنظمة القمعية
دورها على الانسان سواء بالشكل العام أو الخاص ولكن اعجبت بطريقة صياغة الكاتب لها وتعبيره الخاص عن الاحداث.
الرواية بسيطة وخفيفة وغير مرهقة ذهنيا وتصلح كوجبة قراءة خفيفة بين الكتب الطويلة وانصح بقراءتها.