رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
فكَّر فهد في كلام الصقر له وكلام ميرال وأيسل وفكر فيما يحدثُ له الآن ، شعرَ بحزنٍ كبير كادَ أنْ يثور بداخله كبركانٍ هائج عندما تذكَّرَ كلام الصقر أنَّ كلَّ ما يحدثُ تم الترتيب له ، وسيكون حزنه أعمق عندما يكتشف مَنْ وراء هذا ، حزنٌ مختلطٌ بالغضب حلَّ بقلبه حتى كاد أنَّ يمزقه إربًا إربًا .
خرجَ من غرفته وذهب للأسفل باحثًا عن ميرال فوجد الأنوار مُغلقة ووجد أنَّ ميرال وأيسل قد ذهبتا للنوم فصعدَ لغرفةِ ميرال ودقَّ الباب وفتحه ببطءٍ بعدما سمع صوتها بالداخل يردُّ عليه ، أغلق الباب خلفه وذهب للتحدث معها فبادرها قائلًا : ” أريدكِ في موضوعٍ هام لا أستطيع تأجيله للغد ” .
انتبهتْ ميرال للهجته الجادة في الحديث فردت عليه بنفسِ النبرة : ” ما بك يا فهد ؟ ماذا تريد ؟ ، كُلِّي آذانٌ صاغية ” ، فقال فهد وقسماتُ الجديةِ تعلو وجهه وتحتلُّ صوته : ” ما اسم والدكِ ؟ ” فردت عليه مُتعجبة من سؤاله : ” آدم ، اسمي هو ميرال آدم ” ، فقال مُكملًا أسئلته : ” هل لديكِ أعمام أم أنَّ والدكِ وحيدٌ ؟ ” ، ردت عليه ميرال : ” لي عَمٌ واحدٌ اسمه موسى ، أخبرني والدي عنه أنه مسافر منذ حوالي عشرة أيام ، لكن لا أعلم مكان سفره أو متى سيعود ، كان دائمًا لطيفًا معي ويأتي كثيرًا لي ، لكن تغير فجأة منذ مدة ولم أعد أراه كالمعتاد ” ، صمتت لبرهة ثم أردفت بعدما زاد تَعَجُّبُها من أسئلته التي وصفها بالهامة : ” لما تسأل هذه الأسئلة ، ما الهامُ فيها لهذه الدرجة ؟ ” ، لم تتلقَّ الإجابة من فهد وبدا عليه أنه لا يسمعها حتى مِن تلاقي أمواجِ أفكاره داخل رأسه ، فهزَّت يده وأعادتْ سؤالها له فانتبه لكلامها ثم قال : ” أتثقين بي ؟ ” ، قالت مُسرعة : ” بالطبع أثق بك ” ، فقال : ” إذًا لا تسألي الآن وستعلمين كل شيء قريبًا ” ، صمت قليلًا ثم أردف : ” قريبًا جدًا ! ” .
نظر إليها وابتسم ابتسامته الجميلة التي تحبُّ أنْ تراها ميرال وقال : ” الآن لِتخلدي للنوم ولا تعيري أسئلتي تلك أيَّ اهتمام ، وكما قلتُ لكِ ستعلمين قريبًا ” ، قال جملته الأخيرة وهو ذاهبٌ ليخرجَ من غرفة ميرال ليعودَ لغرفته ، تمتم قائلًا وهو يفتحُ بابَ غرفته : ” سأفعل ما أراه صوابًا ” .
رمى جسده على السرير تعبًا من كثرةِ انشغالِ رأسه فلم يعد يتحمل هذا الضغط الهائل على رأسه وعقله ، وسرعان ما غلبه النُعاس فنامَ نومًا عميقًا .
رنَّتْ ساعته البيولوجية صباحًا قبل استيقاظ ميرال ووالدتها ، فقام من مكانه وهو يبدو عليه النشاطُ والتَحَضُّرِ لفعلِ شيءٍ ما ، ذهبَ لغرفةِ ميرال وأيقظها وبدون أنْ يقولَ شيئًا قَبَّلَ رأسها والدموعُ تترقرق في عينيه ثم اقتربَ من أذنها وهمسَ بكلمةٍ لها جعلت السعادة تقفز لوجهها فجأة ، وكادتْ أنْ تتحدث ولكن سرعان ما اختفت سعادتها وابتسامتها عندما رأتْ الدموعَ تَلْمَعُ في عينيه ، وما إنْ لاحظت تلك الدموع حتى ركض فهد خارج غرفتها وخارج المنزل بأكمله فتبعته ميرال على عَجَلٍ .
وقفَ فهد خارج المنزل ونَادَى بأعلى صوته : ” أريدك الآن أيها الصقر ، تعال وخذني حالًا ” ، خرجت ميرال من بابِ منزلها فوجدت فهد قد اختفى ، فجلست تسند ظهرها على شجرةٍ في الحديقة تبكي بعدما فشلت في إيجاد فهد .
وجدَ فهد نفسه بداخلِ تلك الغرفة بلمحِ البصرِ وخلفه صوتُ الصقرِ يقول : ” ماذا تريد ؟ ” ، نظرَ له فهد وعلاماتُ الجدية تكسو وجهه بالكامل ثم قال : ” أريدُ طلبي منك الآن ” ، صمتَ فهد لبرهةٍ مُحاولًا تجميع وترتيب ما سيقوله ثم أخذَ نَفَسًا عميقًا وقال : ” أخبرتني أنَّ الوقتَ بين يديك وأنك بنيت سانتوريني بنفسك ، وتستطيع أيضًا الانتقالَ لأي مكان وزمان أو أخْذَ أيِّ شخصٍ لأيِّ مكانٍ بلمحِ البصر كما فعلتِ معي ، أليس كذلك ؟ ” .
نظرَ الصقرُ في عينيّ فهد مُحاولًا أنْ يعرف هدفه من كل تلك الكلمات ثم قال مُجيبًا على سؤاله : ” نعم ، أستطيع فعل كل ذلك بسهولة ” ، فقال فهد : ” حسنًا اسمعني الآن ، أريد منك أن تعيدني لوقتٍ يكون فيه آدم والد ميرال حيًا وأيضًا يكون في مكانٍ وحده بدون ميرال أو والدتها أو أي شخص آخر ” .
قال الصقرُ : ” هذا سهل جدًا ، فقد كان يجلس وحده من حين لآخر ولكن …..” ، قاطعه فهد قائلًا : ” ولكن هذا ليس كل شيء ، أريدك عندما أقول لك كلمة ( الآن ) وأنا بجوار والد ميرال تأخذنا معًا إلى سانتوريني على الفور ” .
لقراءة الجزء التاسع عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الثامن عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن عشر) |مكتبة فرندة
عَقَدَ الصقرُ جبينه مُتعجبًا من طلبِ فهد ثم قال : ” كما تريدُ يا فهد ، وَعَدْتُكَ بطلبٍ وسأوفي بوعدي ، ولكن لماذا آدم ؟ وقد مات بالنسبة لميرال ووالدتها ، أنصحك ألا تفعل ، أشعر أن هذا غير صحيح ” .
قال فهد : ” لا أعلم لماذا ، أشعر أنَّ الحلَّ يكون في غير المتوقع وأنا مستعدٌ لتحمل النتائج مهما كانت ، هذا طلبي منك و أريده الآن ” ، حلَّ الصمتُ بينهما قليلًا ثم اقتربَ الصقرُ من فهد وفي لمحِ البصر انتقل فهد لمكانٍ لا يعرفه ولا يأبه بمعرفته ووجد رجلًا واقفًا أمامه ينظر لشيء ما بعيد ، فاقترب فهد منه وقال : ” يا آدم ، أهذا أنت ؟ ” .
نظر الرجل لفهد وعلاماتُ الحيرةِ تكسو وجهه وتمعَّن في ملامحه وكادَ أنْ يتحدث ولكن أمسك فهد بيده ثم قال سريعًا : ” الآن ” ، فوجدا نفسيهما في ظلامِ سانتوريني أمام باب الغرفة البيضاء ، فقال آدم متفاجئًا : ” ما هذا المكان وكيف انتقلنا لهنا ؟ ” ، قال فهد بنبرةٍ هادئة : ” تعال معي وستفهم ” .
أكملَ فهد جُملته وهو يسحبُ يدَ آدم للغرفة بعد أن فتح بابها بيده الأخرى ، وفور أنْ دخلا الغرفة نادى فهد بصوتٍ عالٍ على موسى ، فاستيقظ موسى من نومه وشهق مُتفاجئًا فَوْرَ رؤيةِ فهد مع أخيه آدم وقالَ بعدما وقفَ أمامهما ونظرَ لفهد : ” ولكن كيف ؟ ، كيف يكون آدم هنا وكيف أتيت أنت به وكيف …..” فقاطعه فهد مُبتسمًا : ” هذا هو غير المتوقع ” ، ثم تركهما والتفَّ ومشي للأمام تجاه الظلام تاركًا موسى وآدم وعلاماتُ عدم الفهم تكسو وجهيهما .
وفجأة سمعَ نبرةَ صوتٍ قوية تقول بغضب : ” أخبرتك ألا تفعل ” ، فشعرَ فهد بثُقْلٍ في جسده ورأسه وتم سحبه بسرعةٍ كبيرة لمكانٍ لا يراه من الظلامِ الدامس ، وشعرَ بأنَّ جسده بالكامل تم تخديره و أصبحَ لا يشعرُ بشيءٍ حتى غابَ عن الوعي تمامًا …..
وصلَ إلى مكانٍ مظلمٍ وهادئ ، لا يوجدُ به شيءٌ ولا يوجدُ به صوتٌ ، مخيفٌ أكثرُ من كونه هادئ ، كانَ يظن أنه في الفضاء لشدةِ ظلامِ ما حوله ، لكن يمكنه التنفس فأين هو ؟
بحث من حوله لكن لم يرَ سوى الظلام ، سبحَ في أفكاره كثيرًا فلم يجدْ جوابًا يرضيه ، كانَ في مكانٍ أشبه بالصحراء ليلًا والقمرُ محاق ولكن كان جسده يطفو ولا توجدُ أرضٌ تحته فأين هو ؟
حتى النجوم ضَلَّتْ طريقها إليه ، كادَ أنْ يفقدَ الأملَ في العودةِ حتى رأي ضوءًا بعيدًا ، نقطةٌ صغيرةٌ مضيئةٌ أخذت في الاتساع واقتربت منه فابتسم عندما رأى ما بها بوضوح .
ما تفكرون فيه صحيح ، إنه أنا ، بعد كلِّ هذه السنوات أخيرًا التقيتُ به ، ولكن على عكسِ ما توقعت فقد كانَ ينتظرني وهو راضٍ .
قابلني بابتسامةٍ شعرتُ بعدها براحةِ قلبه التي كانت مفاجأة لي ، ولكن أشهدُ في النهاية أني أحببتُ لقاءَهُ كما لم أحب لقاءَ أحدٍ من قبل ، لم أكن أريد أنْ ألقاه أبدًا فقد كانَ من القلائل بل أظنُّ أنه الوحيدُ الذي جعلني أتساءل عن معنى الحياة .
فهد قابلني بابتسامة ، فقط ابتسامة جعلتني أتردد ما إذا كان يراني من الأساس لكن تأكدت من رؤيته لي ، أحببتُ حياته لكني لم أحب قط مماته .
أظنُّ أنكم عرفتم مَنْ أنا ، لكن لِمَنْ لم يُمَيِّزْني بَعَد سأقدِّمُ نفسي بطريقةٍ أظنُّ أنها الأكثرُ ملائمةً الآن .
أنا راحةُ كلِّ شيءٍ وكلِّ شخصٍ من تعبِ الدنيا ، أنا قاتلُ كلِّ أملٍ وحلمٍ في الحياة ، أنا النهاية ، أنا الموت …….
لمتابعة الجزء الحادي والعشرين من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي والعشرون) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh