رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
اقتربَ فهد من والده والدموعُ تترقرقُ في عينيه وهو يقول ” : اسمها ميرال ، أليس كذلك ؟ ” ، لَمَعَتْ الدموعُ في عينيّ كريم بعدما فهم ما يرمي إليه ولده وقال : ” نعم يا ولدي ، اسمها ميرال ” .
قال فهد : ” وأيضًا شكلها هو شكل ميرال ذو الشعر الذهبي هناك ، أليس كذلك ؟ لاحظتُ الشبهَ بيننا منذ اللحظةِ الأولى لكن لم أتأكد سوى الآن ، وكنت تخبرني أني أُشبه والدتي كثيرًا ” ، ردَّ عليه كريم : ” هذا صحيح يا فهد ، هذا شكلها عندما كانت صغيرة ، لقد برمجته بنفسي كي يظهرَ لك هكذا ” .
صمتَ كريم قليلًا ثم نظرَ في عينيّ فهد بعينين هربَتْ من إحداهما دمعةٌ تَبِعَتْهَا أختها على استحياء من العينِ الأخرى ثم أردفَ : ” اسمُ والدتك هو ميرال ، لقد فهمتَ الرسالةَ التي أرسلتها لك وفهمتَ أيضًا ما أرسله موسى وأيسل لك كما توقعتُ منك يا فهد ” .
ارتسمتْ علاماتُ الحيرة على وجهِ فهد عندما سمعَ جملةَ والده الأخيرة وقبل أن يسأله عن ماهية تلك الرسائل التي يقصدها قال كريم : ” سأشرحُ لكم جميعًا كلَّ شيء وستعرف يا فهد ما أقصد ” .
صمتَ قليلًا ثم قالَ لموسى وأيسل : ” أولًا سأخبركما ما أقصد ، وضعتُ طريقةً لأتواصلَ بها مع أيِّ شخصٍ في هذا العالم بدون أنْ يعرف أحدٌ هذا ، هل تذكران ما أخبرتكما أنْ تقولانه عندما تقابلان فهد ! تلك هي الرسائل التي أردتُ فهد أن يسمعها لأني علمت أنه سيتذكر كل ما قيل له ليصل لنهاية هذا الأمر ” .
قال فهد : ” ألهذا قال لي عمي موسى ( نحن نثق بك ) ولم يقل ( أنا ) ، فهمت أنه تلميح منه لشيء ما لكني لم أفهم المغزى سوى الآن ، لكني لا أفهم شيئًا بعد ! “
أردفَ كريم بعد برهة عندما وجدَ علاماتَ عدمِ الفهمِ مازالت على وجهِ فهد : ” تلك الحكاية التي أخبرت بها موسى أنْ يَقُصَّها على فهد في بدايةِ الأمر ، وتلك الكلمات التي أخبرت بها أيسل أن تقولها لأبنتها عني وعن فهد بصورةٍ مُبهمة ، تلك الخيوط هي التي وضعتها لك يا فهد كي تفكر ولو قليلًا أن هناك ما هو مبهم وغير مفهوم ، ولقد أبهرتني فقد جعلتنا نستيقظ بطريقةٍ لم تأتِ على بالي حتى ” ، قالَ موسى بعدما كادَ صبره أن ينفذ : ” هل يمكن أن تقص ما هذا كله منذ البداية ، فإنك لم تشرح شيئًا حتى الآن ، وأظنُّ أننا جميعًا نريدُ أنْ نفهم ” .
صمتَ كريم قليلًا كأنه يسترجع ما حدثَ منذ البداية ثم بدأ حديثه قائلًا : ” أعتقد أنه لا أحد منكم يعرف حتى الآن ما طبيعة عملي الحقيقية ، أليس كذلك ؟ ” ، أجابوا جميعًا بالإيجاب فقال : ” أنا عالمٌ متخصصٌ في الهندسةِ الوراثيةِ الحديثة ومخترعُ نظريةَ التواصلِ الافتراضي بين العقلِ البشري المُعقد والأجهزة صانعة العوالم الرقمية المتطورة ” .
نظرَ له الجميعُ والدهشةُ لم تفارق مُقلتيّ أعينهم فأكملَ كريم حديثه : ” عَمِلْتُ على مشروعٍ سري للغاية لصناعةِ تلك الآلة التي ترونها الآن وهي تتحكم في الخلايا العصبية للإنسان كأنها طفيلي متطور وتلك الخلايا العصبية هي المُضيفُ المناسبُ لها وذلك بعد رصدِ وتحليلِ الإشارات العصبية والذبذبات الكهربائية الحادثة بين خلايا المخ لذا يمكنها تشكيل وتكوين أي حلم يتم برمجتها عليه مهما كانت صعوبته وتعقيده لأنها في النهاية لا تقوم بفعل شيء بل عقل الإنسان هو ما يقوم بكل شيء ” .
لم يجدْ كريم ردًا منهم مما دفعه لإكمال حديثه قائلًا : ” ذات يوم قبل ميلاد فهد بسنتين تقريبًا أتاني رجلان يدَّعيان أنهما من منظمةٍ سرية تابعة للحكومة ، ويريدان مني أن أعملَ معهم مقابل أن يعرضوا زوجتي على أمهر الأطباء لنُرزَقَ بطفلٍ بعد أنْ ماتَ من قبل ثلاثة أجنّة قبل أن يُولدوا ، فوافقتُ على الفورِ بدون أن أعرف حتى ما طبيعة عملي معهم ولم أكن أعلم وقتها أنهم يعلمون بأمر ذاك المشروع ، فأخبروني أنهم يريدون مني إكمال بناء تلك الآلة وادَّعوا أنهم سيستخدمونها في أعمال سرية لا يجب الإفصاح عنها ، لكنها في خدمة الوطن ولمساعدة الأمن القومي للدولة وما إلى ذلك ، لم أقتنع في البداية لكن وافقتُ على كل حال فكل ما كان يشغلني وقتها هو أن يكونَ لي طفلٌ صغير ، فواصلتُ بناءَ الآلة حتى بعد كثير من المحاولات والنماذج الفاشلة وما شجَّعني على إكمالها أن زوجتي أصبحت حاملًا بالفعل للمرةِ الرابعة ، ولكن قبل أنْ أُنهي اختراعي علمتُ بنواياهم الحقيقية وأنه ليست هناك منظمات كهذه تابعة للدولة وأنهم كذبوا في ذلك ويريدون أن يستخدموا آلتي في إجراءِ التجارب على البشر ومحاولة معرفة قدراتهم الخاصة إنْ وُجِدَت ، كانوا يعلمون بظهورِ فئةٍ من البشرِ من الأجيال الجديدةِ لديها قدرات أعلى من البقية بشكلٍ ملحوظ كالقوة البدنية الكبيرة في الجسد الصغير بدون وجود نسبة عضلات أو قوة أعصاب كبيرة في الجسم وبالرغم من ذلك يستطيع حامل تلك القدرة أن يحمل ما يقرب من طن وربع كجم على يديه العاريتين بدون الحاجة لأي معدات أو رافعات آلية ، كانت تلك المنظمة تريدُ استخلاص تلك القوى من أجسادِ البشر بطريقةٍ لا أعرفها حتى الآن لكن ما أعرفه عنها أنها يمكن أنْ تصيبَ الإنسانَ بشللٍ في أطرافه الأربعة وهذا على أقل تقدير ، وعندما علمت بهذا حاولت تخريب الجهاز وهربت منهم واختبأت في ذلك البيت البعيد عن أنظار الناس بعد أن أخبرت موسى وآدم أني وجدت عملًا خارج البلاد وأني سأتواصل معهما من حينٍ لأخر كي لا أُقْلِقْهُما عليّ ” .
لقراءة الجزء الحادي والعشرين
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي والعشرون) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء العشرين
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء العشرون) |مكتبة فرندة
توقفَ كريم عن الحديثِ قليلًا ليتذكر البقية وليلتقطَ أنفاسه قليلًا فهو لم يتحدث كثيرًا هكذا منذ أعوامٍ ثم قال : ” مرَّ الوقتُ وظننتُ أني هربتُ منهم للأبد ولكن بعد ميلادِ فهد بثلاثِ سنواتٍ وجدوني وهددوني بقتلِ فهد إنْ لم أكمل الاختراع فوافقت مُكرَهًا ولكن ما حدثَ بعدها غيَّر كلَّ الموازين عندما اكتشفت أن زوجتي ميرال لم تمت بعد ” .
صُعقوا جميعًا مما سمعوا وبلغَ التَعَجُّبُ منهم مبتغاه في إظهار نفسه بداخلِ تعابير وجوههم فقال فهد : ” ماذا ! لم تمت ؟ أين هي إذًا ؟ أين هي والدتي ؟ ” .
أكملَ كريم : ” علمتُ فيما بعد أنَّ الطبيبَ الذي قام بتوليدها كان يختطف الذين يشكُّ أنَّ فيهم تلك القدرات العالية ويبيعهم لتلك المنظمة وكان يشكُّ في زوجتي فحَقَنَها بمخدرٍ قوي وسريع بعد الولادة مباشرة حتى تنام وكان ينتظره في الخارج رجلان دخلا من نافذة الغرفة وأخذاها وفعلا ما لم أتوقع حدوثه قط ، فقد بدَّلا جسدها بجسدٍ آخر يشبهها تمامًا ، في البداية لم أُصدق هذا وقد دفنتها بيديّ هاتين فعُدْتُ وحفرت في المكانِ الذي دفنتها فيه منذ ثلاث سنوات ، فُوجئت مما رأيت فكانَ جسدها كما هو لم يتحلل ولم يختلف لونه ولا توجد رائحة كريهة منبعثة منه وحتى ما زال دافئًا ، بعدما فحصت ذلك الجسد بدقةٍ اكتشفت أنها آلةٌ من الجيلِ الخامس الحديث أو السادس على شكلِ أُنثى وذاك النوعُ من الآلاتِ نادر جدًا ، وتمَّ نسخُ شكلَ زوجتي وجسدها تمامًا على تلك الآلةِ بعدما وضعوا عليها جلد إنسانٍ صناعي عالي الجودة لدرجةِ أني لم أَلْحَظْ وقتها الفرقَ ودفنتها على أنها زوجتي ، بينما كانت مُختطفة منهم ويجرون عليها بعض التجارب ….. ” .
قاطعه فهد قائلًا : ” تجارب ! هل هي بخير ؟ ” ، فرد كريم عليه : ” نعم ، إنها بخير لكن لا أعلمُ أين هي تحديدًا ، كل ما أعرفه أنها هنا في هذا المبنى ، وما جعلني أتأكد مما حدث لها وأنها حية وبخير هو أني وجدتُ بالصدفةِ الملفَ الخاصَ بها وبكلِّ التجارب التي أُجريت عليها ، حمدت الله وقتها أنها كانت اختبارات بسيطة كأخذِ عيناتِ دمٍ منها وخُصَلٍ من شعرها وعينةٍ من الطبقة الأولى من جلدها وأنها بخير كما كُتِبَ في الملف ” .
صمتَ كريم قليلًا ثم أكمل : ” أخذتُ سنوات في صنعِ ذلك الاختراع ولم أُخبر أحدًا أنها مازالت حية حتى أنت يا فهد ، ولكن بالطبع ظللتُ أراقب ما يحدث لها بدونِ أن يشعروا كي أتأكد من سلامتها ، عرفت من إخفائهم لها أنهم سيستخدمونها كورقةٍ رابحةٍ ضدي إنْ حاولت الهروب مجددًا بك يا فهد ، كنت مُتعمِدًا أنْ أتأخر كثيرًا في صُنْعِهِ حتى أجد طريقةً لأوقفهم بها ، ولم يكن يمكنني أن أخبر الشرطة أو حتى المخابرات لأنهم وبكل بساطة لديهم من يعمل معهم في كل مكان ويخفون أنفسهم وأنشطتهم جيدًا عن أعينِ الجميع ، ولم أخبرك بأمر والدتك أو حتى أعمامك لأنهم هددوني ألا أفعل هذا كي لا تستطيع الهرب لأي مكان وتظن أنَّ هذا البيت هو مكانك الوحيد وجعلوني أبتعد عن عائلتي كلها لهذا لا تعرف ميرال أني عمها أيضًا بل لا تعرفني على الإطلاق وأنا مَنْ أخبر أيسل وآدم ألا يخبرونها بشيء خوفًا عليهم من بطش تلك المنظمة ، لكنهم لم يعلموا شيئًا عن ما يحدث لي وقتها فأخبرتهم أني في رحلةِ عملٍ طويلة وأني أريد أن أصنع مفاجأة لميرال لذا لا تخبروها أني عمها الآن ، وعلى الرغم من غرابة كلامي فقد صدقوني وفعلوا كما قلت لهم ” .
قالت ميرال التي لم تكن تعرف بالأمر بعد : ” ماذا ؟ إذًا فهد هو أبن عمي ” ، نظر لها فهد مُبتسمًا وقال : ” هذا صحيح ، أنا أيضًا لم أكن أعرف هذا قبل الآن ” ، ثم نظرا لكريم مجددًا طالبين منه أن يُكمل كلامه فقال : ” عندما اقتربت يا فهد من سن الحادية عشرة علمت أنهم اختطفوا أخي آدم وزوجته وابنته ثم اختطفوا موسى ليجبروني على الإسراع بإنهاء الآلة دون الهرب منهم بالرغم من أن معهم زوجتي ” .
قطع موسى صمته الطويل وقال : ” لما اختاروك أنت يا كريم بالذات ؟ بالطبع لم أكن أعلم ما تعمل حتى الآن ولكن هناك الكثير من العلماء مثلك وربما هناك مَن هو أعْلَمُ منك حتى ، فلماذا أنت ؟ ” ، قال كريم : ” أنت على حقٍ ولكنه ….. ” صمت قليلًا ثم أردفَ بنبرةٍ تملأها الحسرةُ والحزن : ” بسبب فهد ……. “
لمتابعة الجزء الثالث والعشرين من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث والعشرون) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh