وفاة أنسي ساويرس | أسرار تكشف لأول مرة (حكايتي مع أوراسكوم)
شركة أوراسكوم التي تملكها أسرة ساويرس من كبرى الشركات في مصر وبدايتها ترجع إلى عام ١٩٥٠ عندما بدأ رب الأسرة أنسي ساويرس عمله في مجال المقاولات بالاشتراك مع “لمعي يعقوب” الذي يراه بمثابة أستاذه وتعلم منه الكثير.
والشركة أنشئت تحت اسم “لمعي وأنسي” وعنوانها التلغرافي أوراسكوم.
ويقول ساويرس: وعقب عودتي من ليبيا وبدايتي من جديد في مصر عام ١٩٧٧ أطلقت على شركتي الوليدة أسم أوراسكوم.
ويبدأ أنسي ساويرس في سرد الحكاية من أولها بطريقة غير متوقعة تصحبها ضحكة لطيفة:
أتذكر أنني كنت ولدا شقيا خاصة في مدرسة سوهاج الإبتدائية، وكان عندنا نصف يوم أيام الإثنين والخميس، فكنا نخرج لنلعب في الشارع، وأتذكر في يوم كنا نتقاذف بالطين أنا وأصحابي فرجعت بظهري إلى الخلف وكانت هناك حفرة عميقة في إنتظاري لم أشاهدها ووقعت فيها، وأصبت بعدة جروح.
وكانت هذه الحفرة أمام عمارة في طور الإنشاء يبنيها أبي في سوهاج بشارع النيل، وهرب جميع زملائي عندما شاهدوا ما حدث لي!
وظللت ساعات طوال داخل الحفرة حتى خيم الظلام ، وأخذت أمي تبحث عني دون جدوى، ولم يخطر ببالها بالطبع المكان الذي أنا فيه!
وأخيراً أخبر أحد زملائي أمه بما حدث بعدما رأته مرتبكاً، فأخذت في إستجوابه حتى عرفت منه ما جرى لي، وتم إنتشالي ، وتبين أنني أصبت بارتجاج في المخ.
وعندما تخرجت من كلية الزراعة أكتشفت أنني لا أصلح في الزراعة.
واستنكف الفلاحون أن يعيش إبن مالك الأرض بينهم وأن يرتدي الجلباب ويكون واحد منهم، وهو خريج الجامعة ومكانه الطبيعي وظيفة محترمة.
ولم يكن من الممكن الإندماج بينهم وهم بهذه العقلية، وينظرون إلي باعتباري السيد! ولم أتصور نفسي أعيش في الأرض أفلحها طيلة عمري.
كنت أريد الإنطلاق، وجاءت الفرصة الذهبية حيث كان أبي في ذلك الوقت يقوم بتعلية عمارته في سوهاج المكونة من ثلاثة أدوار ويبني أدواراً جديدة بها، تتكون من طابقين وهي ذات العمارة التي وقعت في حفرة أمامها وأنا طفل.
(أستاذي لمعي يعقوب.. شكراً)
ويقول أنسي ساويرس: كان المقاول الذي يقوم بهذه التعلية أسمه “لمعي يعقوب”.. أنجذبت إليه، وتعلمت منه الكثير جداً.
كان غاية في الذكاء “وشاطر”, ويفهم عمله جيدا وموهوب في الحسابات رغم أنه لم يكن خريج جامعة، لكنه حصل على الدكتوراه من الحياة والدنيا التي عاش فيها.
وطبعاً رحب لمعي يعقوب بأن أعمل معه لأنه كان يحتاج إلى رأسمال، وهو يعلم بثراء أبي، فقمنا بتكوين شركة سنة ١٩٥٠ تحت إسم “لمعي وأنسي” للمقاولات، ولم يصدق أبي أنني سأنجح ، فقد كنت صغيرالسن ، في العشرين من عمري.
كما أن هذا العمل أبعد ما يكون عن دراستي لكنني نجحت مع شريكي، وكان أول عقد لشركتنا الجديدة حفر آبار المياه وتركيب طلمبات ومواسير في ثمانية عشر موقعاً بسوهاج.
ثم حصلنا على عقد أكبر وهو إنشاء محطة مجاري أسيوط وبعدها توالت العقود، وكان معظمها مع وزارة الري.
وتوسع نشاطنا وأصبحت لنا مكاتب في أسيوط والمنيا والقاهرة والمنصورة، ونجحنا والحمد لله، لكن جاءت صاعقة أطاحت بكل مكاسبنا.
تم تأميم شركتنا سنة ١٩٦١ سافرت بعدها إلى ليبيا عام ١٩٦٦ بعدما ظللت بلا عمل خمس سنوات.وعدت إلى بلادي نهائيا في أغسطس سنة ١٩٧٧.
لاحظ أنني ولدت في هذا الشهر، وتزوجت فيه، وعرفت طعم الإستقرار بعد غربة طويلة .. يعني الإستقرار العاطفي عرفته في ٢٣ أغسطس سنة ١٩٥٣، والإستقرار المهني في أغسطس سنة ١٩٧٧ .. ولا تنسى أن برجي هو الأسد!
وبدأت العمل في مصر بثلاثة موظفين، ابنة أختي واسمها “نبيلة المنقباوي” ومهندس أسمه “شريف فانوس” .
وكنا في حجرتين وصالة، وبلغ عدد موظفي الشركة والعاملين فيها مع بداية القرن الميلادي الجديد ١٢ ألف شخص، وستة آلاف آخرين يعملون بطريقة عارضة وغير منتظمة.
ورغم أنني ركزت على عملي الأصلي بالمقاولات، إلا أنني قررت الإستفادة من تجاربي وعلاقاتي وخبراتي فاتجهت أيضاً إلى التوكيلات.
وكان أول توكيل حصلت عليه من شركة “فولفو” السويدية، وبعدها توالت التوكيلات والأعمال رغم أنني ظننت في البداية أنني بدأت متأخراً بعد الإنفتاح الذي أنطلق سنة ١٩٧٤، لكن إتضح أنني جئت في وقتي تماماً.
والفضل في النجاح الكبير الذي حققته شركة أوراسكوم يجب أن ينسب لأصحابه .. كل موظف في الشركة أنا مدين له وأشكره من صميم قلبي.
وفي يقيني أن هذا النجاح كان ثمار ما انتظرته طويلا من تعليم أولادي، عنيت بتربيتهم وتعليمهم في أرقى المدارس والجامعات .. المدرسة الألماني بالقاهرة، ثم أنطلق كل منهم إلى جامعة أجنبية بالخارج.
* نجيب .. الأكبر تعلم في أرقى كلية في سويسرا وهي المعهد العالي للتكنولوجيا بزيورخ.
* سميح .. درس الهندسة في برلين وتخرج منها.
* ناصف .. آخر العنقود دخل جامعة شيكاغو وتخصص في الإقتصاد.
وقد أنفقت أموالي التي كسبتها من ليبيا على تعليم أولادي، ورأيت في هذا الإستثمار الصحيح للغد وقد صدق رأيي.
للمزيد..