كنْ إنساناً قبلَ أيَّ شيء.. بقلم زكريا كردي |مكتبة فرندة
لا مروءة لكذوب ، ولا وَرَعَ لِسَيِّىءِ الخلق
– الجاحظ –
كانتْ أُمْي إمرأة مُسلِمة، بسيطة ، أُميَّة ، لا تُجيد القراءةَ ولا الكتابة .. و كانت في كل صلواتها ، لا تعرف من القول سوى فاتحة الكتاب و سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد..
كما وكانت تلاوتها لا تخلو من بعض الأخطاء، رغم قِصر السورة الشديد ..وكنت – وقتئذ – أحاول جاهداً أن أصحّحَ لها بالحُسنى وأخالُ نفسي أني أعلِّمها الصواب، لظني الساذج حينها، أن إيمانها سيكون مرفوضاً أو منقوصاً على أقل تقدير، كما كان بعض من مشايخنا الوهابيون من أنصار ابن تيمية وابن حنبل وابن بطة و سيد قطب وغيرهم ، يعلموننا في حلقات الذكر والفقه ..
سمعتني أمي العجوز مرةَ، أكرّرُ ما عَلَمني إياهُ الشيخ في المدرسة الشرعية من الدعاء المستجاب..
وكان حالي آنئذٍ، كحال كلّ المُسلمين من حولي ، أردّدُ بعدَ كلّ صلاة الدعاء لله، طلباً أخص به المسلمين بعينهم وأمة الاسلام فقط ..
وكنتُ كلَّما قلتُ اللّهمَّ انصرِ المُسلمين، تقول لي : لا .. بل قل اللهم انصر الحق
اللّهمَّ شافِ مَرضى المُسلمين، تقول لي : لا.. بل قل اللهم شاف كل المرضى
اللهمَّ أعْن المُسلمين وحالهم، فتقول لي : لا ..بل قل اللهم اقضِ حوائج الناس أجمعين ويسر أمورهم ..
اللهمَّ إرْحمِ أمواتَ المُسلمين ، فتقول لي : لا .. بل قل اللهم إرحم كل أموات العالمين
وكنت من فَرط كِبَري وحَماقتي ، أردُّ عليها بِخيلاءِ المُؤمن الواثق والمعتصم بحبل التقوى التي لا تنفصمُ عراها ، وأحاولُ أن أزهو على سبيل إيمايها، بما تعلَّمْت من كتب أولئك الفقهاء ،
والتي تتكدس على رفوف مكتبتي، وأكرّر لها نصوصاً قطعية الدلالة والثبوت، كي أؤكد من شأن ذاتي أمامها ، ثم أقول لها مُحتجاً بإيمان كلُّ من حولي، بأن الكفار هم في الآخرة من الخاسرين، ولا يجب أن أدعو لهم أو أطلب لهم الخيرة أوالنصرة أوالوفرة ..
وكانت هي تردُ عليَّ في كل مرة بإبتسامة حنونة ساخرة :
يا ولدي ، أنت تقول هنا ما قال غيرك ..
والحق هو ما وصلتَ إليهِ منْ نفسك ..
يا ولدي، دْعِ الكتبَ التي تقرأها تأخذُ منْ عقلك وقلبك أكثر مما تأخذ من نظرك وإعجابك..
يا ولدي ، ماأدراك أنك وصلت إلى عين الحق، لربما هم عند الله أكرمَ منك ومن تلك الذقون التي تفتخر بها ، بل ولعلهم بأخلاقهم وصلواتهم أقربُ إلى رضوانه منا جميعا ..
يا ولدي ، عليك أن تفتش عن الله في قلبك، لا فيما تجمعه أذنيك من غبار السجاجيد أو اللحى
يا ولدي ، أليس غريباً ألا أسمع منك دعاءاً، الا فيما دار حول القتال والنصر والشر والمرض والحاجة والقهر و.. الخ..
لماذا لا تذكر الله في محبة أو إلفة أو رحمة ،
ولما لا يكونُ الله في الخير المطلوب بين الناس وفي ايلاف القلوب،
ولما لا تدعو الله بالرحمة في الناس وإنزال سكينته بينهم ، أو إفشاء المودة بين بعضهم البعض ..!!
يا بنيَّ ، تعلّم قبل أن تكونَ مؤمناً بأي دين..
أنْ تكونَ إنساناً ..
إنساناً قبل أي شيء..
عندها فقط ستعرفُ الله حقاً ..ويَعرِفُك …
zakaria kurdi
للمزيد..