أنا واحد ممن فاجأهم موقف الشيخ محمد الغزالي من مقتل الكاتب فرج فوده. وسبب ذلك أنني مثل غيري ممن قرأوا للغزالي في سن الشباب، كنت وضعته ضمن إطار الدعاة المتسامحين.
كانت شهادة الشيخ الغزالي في المحكمة دفاعاً واضحاً عن قتلة فرج فودة وتأصيلاً مستميتاً عن حق الأفراد في قتل من يرونه خارجاً على الإسلام، وواحدة من أبرز صور خيانة المثقف في تاريخنا الحديث بحسب ما أعرف.
وفي كل سنة من اليوم نفسه (8 حزيران/ يونيو 1992 ذكرى الاغتيال) تعود إلى ذهني خيالات القتل والشهادة ومحاولات الاغتيال المعنوي، بعد الاغتيال المادي. وقد دعاني اهتمامي الطويل بالفاجعة إلى البحث عن تفسير مقنع لموقف للغزالي، تفسير يعتمد على وثائق تاريخية وعلى دراسة حياة الداعية وتحولاتها الفكرية.
ويبدو أنني عثرت على بداية الخيط في سيرة حياة صديقه خالد محمد خالد “قصتي مع الحياة”، التي كشف فيها تفصيلاً مجهولاً عن حياة الغزالي هو علاقته بالتنظيم الخاص للاخوان المسلمين ذلك التنظيم الذي قاد أول وأوسع موجة من الإرهاب الديني في تاريخ الدولة العربية الحديثة في أربعينات القرن الماضي.
واعتماداً على الروايات من داخل جماعة الإخوان نفسها، فقد فُصِل الغزالي من تنظيم الإخوان على يد المرشد الثاني حسن الهضيبي، بسبب موقفه المتشدد في دعم التنظيم الخاص وقائده عبدالرحمن السكري الذي توسّع نفوذه حتى أنه كان يرفض توجيهات مؤسس الجماعة حسن البنا ويعتبر نفسه القائد الحقيقي لها. وكان الداعية يوسف القرضاوي من ضمن المفصولين أيضاً، بسبب تأييده التنظيم الخاص بحسب شهادة علي عشماوي أحد قادة التنظيم في كتابه (التاريخ السري للإخوان المسلمين). فهل كان الغزالي والقرضاوي يؤيدان خيار العنف والاغتيالات كأحد سبل نصرة الدعوة؟ وهل هذا هو السبب الذي جعل الاثنين يؤديان إلى مقت فوده ويكتبان بقوة في تأييد تطبيق الأفراد لحد الردة على “كارهي الإسلام”؟