هارون الرشيد مجانين ولكن سر جنونهم يحير العاقلون | بهلول من كتاب عقلاء المجانين
جاء في كتاب عقلاء المجانين للكاتب الحسن بن محمد بن حبيب النيسابورى :
أن بهلولا كان رجلا مجنونا في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد.. وفي يوم من الأيام
مر عليه هارون الرشيد وهو جالس على إحدى المقابر.. فخاطبه هارون معنفاً:
يا بهلول يا مجنون، متى تعقل؟ فركض بهلول وصعد إلى أعلى شجرة، ثم نادى
على هارون بأعلى صوته: ياهارون يا مجنون، متى تعقل؟
فأتى هارون تحت الشجرة وهو على صهوة حصانه وخاطب بهلول وقال له:
أنا المجنون أم أنت الذي يجلس على المقابر؟ فرد عليه بهلول: بل أنا عاقل!!
الحوار ممتد ولم ينقطع، فقال هارون: وكيف ذلك؟
أجاب بهلول: لأني عرفت أن هذا زائل وأشار إلى قصر هارون وأن هذا باقِ
وأشار إلى القبر فعمرت هذا قبل هذا، وأما أنت فإنك قد عمرت هذا (يقصد قصره)،
وخربت هذا (يعنى القبر).. فتكره أن تنتقل من العمران إلى الخراب مع أنك تعلم أنه
مصيرك لا محال!! وأردف بهلول قائلا: فقل لي أيُّنا المجنون؟؟.. فرجف قلب هارون الرشيد
وبكى حتى بلل لحيته.. وقال:
” والله إنك لصادق ” ، ثم استطرد هارون الرشيد قائلاً: زدني يا بهلول.. فرد بهلول:
يكفيك كتاب الله فالزمه .. ولما شعر هارون بأن بهلول نصحه نصيحة عظيمة
تمثال الحب في قرطبة .. قصة غرام الوزير ابن زيدون وولادة بنت المستكفي
فاراد ان يمنحه هو الاخر هدية مماثلة فسأله:
ألك حاجة فأقضيها؟ فرد بهلول: نعم ثلاث حاجات، إن قضيتها شكرتك..
فقال هارون: إذن فاطلبها.. فرد بهلول: أن تزيد في عمري!
فأجاب هارون بعدما اصابته الدهشة من هول الطلب: “لا أقدر “.
واستطرد بهلول ليكمل سؤاله أو طلبه الثاني: أن تحميني من ملك الموت
فرد هارون بنفس الاجابة الأولى: لا أقدر.. فسأله بهلول طلبه الأخير: أن تدخلني الجنة وتبعدني عن النار
فكان رد هارون مماثلا على السؤالين الأول والثاني: لا أقدر.. وهنا اختتم بهلول الحوار قائلا:
“فاعلم ايها الخليفة انك مملوك ولست ملك، ولا حاجة لي عندك “
جاء ذكر أخر فى كتاب النيسابوري ، وذلك في قصة جمعته مع هارون الرشيد أيضًا في طريقه إلى الحج، وقال:
“خرج الرشيد إلى الحج فلما كان بظاهر الكوفة إذ بَصُر بهلولًا المجنون وخلفه الصبيان
وهو يعدو، فقال: من هذا؟! قالوا: بهلول المجنون، قال: كنت أشتهي أن أراه، فأدْعُوه من
غير ترويع، فقالوا: له أجب أمير المؤمنين، فلم يستجب!
فقال الرشيد: السلام عليك يا بهلول، فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين
قال: كنت إليك بالأشواق، قال بهلول: لكني لم أشتق إليك!
قال: عظني يا بهلول، قال: وبمَ أعِظُك؟ ! هذه قصورهم وهذه قبورهم
قال: زدني فقد أحسنت، قال: يا أمير المؤمنين من رزقه الله مالًا وجمالًا
فعف في جماله وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار.
فظن الرشيد أنه يريد شيئًا، فقال: قد أمرنا لك أن تقضي دينك، فقال: لا يا أمير المؤمنين
لا يُقضى الدين بدين؛ أردد الحقَّ على أهله، واقض دين نفسك من نفسك ! قال: فإنا قد
أمرنا أن يجري عليك، فقال:
“يا أمير المؤمنين أتُرى الله يعطيك وينساني؟ ! ثم ولى هاربًا! “
ورد اسم بهلول في العديد من كتب التراث، وقد عرف ” ببهلول المجنون “عند الذهبي،
في كتابه “تاريخ الإسلام” إذ يقول عنه:
“وسوس في عقله، وما أظنه اختلط أو قد كان يصحو في وقت، فهو معدود في
عقلاء المجانين، له كلام حسن وحكايات”.
ويروي الذهبي كذلك أن هارون الرشيد مرّ به، فقام بهلول، وناداه ووعظه
فأمر له الخليفة العباسي بالمال، قائلًا: ما كنت لأسوِّد وجه الموعظة.
بهلول هو أبو وهب بهلول بن عمرو الصيرفي الهاشمي العباسي الكوفي (ت. 190 هـ/807م)
ولد بالكوفة في العراق كان شاعرًا حكيمًا، وكاملًا في فنون الحكم والمعارف
والآداب في زمن هارون الرشيد تظاهر بالجنون لكي يتخلّص من متابعة الخلفاء العباسيين
له بسبب تشيعه فتصرّف تصرّف المجانين، وأظهر الهذيان والسفاهة،
وبذلك -عن طريق البلاهة والسفاهة- تمكّن من تمرير آرائه السياسية دون أن يصيبه الأذى، فاشتهر بالمجنون خلافًا لما كان عليه.
اللوحة الملعونة ضيف لا نعرفه في حجرة الصالون |The Crying Boy painting
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh