سرقة الألحان الموسيقية .. توارد خواطر أم تطوير ؟!
هل تغيير لحن غربي وتعريبه بالألات موسيقية عربية ليتوائم مع مزاج جمهور عربي يعتبر سرقة؟
وهل يعترف الأبداع بالثوابت والمقدسات؟ أم يمكن التغيير والتحريف؟!
ليست بموضة جديدة على الساحة الفنية، وبمجرد أن يوجه اتهام إلى ملحن معين بالسرقة يكون جوابه جاهزا ما الموسيقار محمد عبد الوهاب نفسه كان يقتبس الألحان.
ويبدو أن هذا الموضوع فيه شيء من الحقيقة، يؤكدها كتاب نشر تحت عنوان محمد عبد الوهاب تضمن حوارا مع موسيقار الأجيال أجراه معه مجدي سلامة:
وسأله: من الذي اتهمك بسرقة الألحان الغربية والمصرية؟ ولماذا سموك حرامي الفن..؟
فكان جوابه: لقد كانت حملة تبنتها جريدة (السفير) اللبنانية بدأتها بنشرها وثيقة اليونيسكو التي اتهمتني بالسرقة».
للاسف هناك من يرى ان من حق موسيقار كبير بحجم محمد عبد الوهاب استلهام مواضيع موسيقية من ملحنين آخرين، سواء عرب أو أجانب، وتقديم أعمال فنية تخلد باسمه.
البعض يحمّل الاعلام مسؤولية سرقة الألحان الموسيقية فلو أنه لم يكن راضيا لكان أثار الموضوع وأوقف من هم بلا أخلاق عند حدهم.
من المؤكد ان هناك فرّق في عالم التلحين بين توارد الأفكار والإعداد والاقتباس وبين سرقة الألحان الموسيقية : «بالنسبة لتوارد الأفكار، فالملحن يتأثر عادة بالمناخ الموسيقي الذي يوجد فيه.
وبالنسبة للألحان التراثية، وبحسب قوانين (الساسيم) المعتمدة في أوروبا يمكن للملحن إعداد لحن بعد مرور 70 عاما على وفاة كل فنان شارك في العمل، أي المؤلف والناشر، أما في العالم العربي ولبنان، فالفترة هي 50 عاما، وقبل هذه المدة يجب أن ينال إذن الملحن والمؤلف والناشر، لأن الأغنية وحدة متكاملة كلاما ولحنا».
في لحن أغنية «في يوم وليلة»، ويؤكد” …. ” أن الموسيقار محمد عبد الوهاب «استأنس» بلحن أغنية إديث بياف «La vie en rose» أما جمال سلامة فاستأنس لحن أغنية «قال جاني بعد يومين» بلحن أغنية «A quoi ça sert l’amour» هذا اسمه استئناس بمقدمة الأغنية والانطلاق منها نحو لحن جديد.
لكن لا يمكن أن ننكر دور عبد الوهاب في تطوير الموسيقى الشرقية ونشرها، فهي كانت «مقولبة» في قالب معين وتعتمد على التجويد القرآني والموشحات، ولأنه رغب في الانطلاق نحو العالمية، استعان بالموسيقى البيزنطية والعالمية، ولذلك اتهم بالسرقة، وهو كان يرد «أنا ذواق وجواهرجي»، لأنه كان يتأثر بجملة لحنية صغيرة ويبني عليها لحنه، ولذلك لقّب بموسيقار الأجيال وموسيقار الشرق.
ويرى بعض الملحنين أن القضاء لا يمكن أن يتحرك لمقاضاة «سارق الألحان» إذا لم يتحرك صاحب اللحن نفسه: «عادة أصحاب الألحان لا يلجأون إلى المحاكم، لأن الملحن الأساسي يكون قد تأثر هو أيضا بلحن سابق لملحن آخر، لأن الألحان عبارة عن تكامل وتواصل بين ملحن وآخر».
وهناك من يؤكد أنه لا يمكن تحديد نسبة سرقة الألحان في العالم العربي، لأنه خلال فترة وجيزة جدا تطرح مئات الأغنيات في السوق، يوضح أنه من خلال عمله يلاحظ تشابها كبيرا في الألحان: «ولكني لا أستطيع أن أعرف ما إذا كان السبب يعود إلى توارد الأفكار.
الشبه لا بد وأن يظل موجودا بين لحن وآخر، لأن الملحن يختزن كميات من الألحان والجمل اللحنية (تختلط) في رأسه بطريقة أو بأخرى، وعندما يؤلف ألحانه الخاصة، يقدمها بالطريقة التي نسمعها. العبقرية تتجلى عندما يؤلف ألحانا لا تشبه ألحانا أخرى، وهي موجودة عند الجيل الحالي من الملحنين ولكنها كانت أكبر بكثير عند الجيل السابق.
من ناحية أخرى قد يكون التوزيع الموسيقي وسيلة لتمويه لحن المسروق: «لكنه ليس السبب في رواج هذا المجال، بل البعض يعتمد عليه لكي يرفع مستوى الأغنية، لأن للتوزيع الموسيقي دورا تجميليا، على الرغم من أنه قد يكون أيضا سببا في تشويه الأغنية، وهنا يأتي دور الموزع».
اصطلاحات متداولة فى مفهوم سرقة الألحان الموسيقية :
1- السرقة
نقل أكثر من 4 موازير موسيقية كاملة متتالية تكون جملة أو نصف جملة موسيقية من لحن ودمجها فى لحن آخر ، فإن ثبت النقل تم تجريمه واعتبر عملا جنائيا بصفته اعتداء على الملكية الفكرية.
2- النقل
بحكم القاعدة السابقة فإنه إذا زاد النقل على 4 موازير اعتبر سرقة، وإن قل عن ذلك اعتبر نقلا لا يجرم بالقانون، لكنه ينتقص من قيمة العمل ولا يعتد به كعمل أصيل.
3- النقل المباح
ما قل عن 4 موازير موسيقية ، غير أن هذا الاصطلاح يحمل فى طياته معنى النقل المتعمد ، وهو ما يلجأ إليه حاليا بعض الموسيقيين من غير المبدعين ، كأن ينقل جملة ليضعها فى لحن له مع تغيير أولها أو آخرها حتى لا يكون النقل تاما فيضعه تحت طائلة القانون.
لكن هذا النوع من النقل عادة يفشل على الوجهين ، فهو لا يحتفظ بجمال الجملة الأصلية ، ولا بأصالة اللحن الجديد الذى يبدو مكررا، ومن المنطقي أن فى الدفاع بأنه مباح اعتراف ضمنى بافتقاد الأصالة.
4- التشابه
التشابه نوعان ، تشابه الأسلوب وتشابه فى الجمل الموسيقية اللحنية ، أما الأول فلا غبار عليه ، ومن المعروف أن ملحني فترة زمنية ما تتشابه ألحانهم من ناحية الأسلوب لكون الذوق الفنى العام السائد فى المجتمع فى تلك الفترة هو المسيطر على طابع الألحان، أما تشابه الجمل اللحنية إلى حد التطابق فيقع تحت طائلة القانون
5- الاقتباس
يتسع مفهوم الاقتباس ليتعدى النقل المجرد لجملة لحنية ، فقد يشمل التنويع على جملة فى لحن آخر ، وقد يذكر المؤلف الجديد هنا أنه ينوع على اللحن الأصلي لفلان، وهذا لا عيب فيه وهو أسلوب وتقليد متبع
وفى أحيان أخرى لا يكون اللحن الأصلي هو الهدف ولكن قد يتضمن العمل الجديد جزءا من جملة من عمل آخر يشتق منها جملا جديدة ذات أبعاد جديدة ، وفى هذه الحالة وكما فى حالة النقل لا يجوز اقتباس أكثر من 4 مازورات وإلا يعد سرقة
6- التأثر
يتأثر الموسيقيون ببعضهم سواء على المستوى المحلى أو الدولى ، والتأثر أنواع
تأثر بأسلوب معين ، ويندرج تحته استخدام نفس الإيقاعات أو المقامات أو أسلوب الأداء ، وهذه كلها تأتى فى باب التشابه فى الأسلوب وهو غير مجرم
تأثر بملحن أو بمؤلف موسيقى معين ، وهنا ياتى التشابه غالبا فى الأسلوب ، وقد يتعداه إلى النقل ، فإن تجاوز النقل المازورات الأربع متتالية فى جملة أصبح سرقة
7- توارد الخواطر
هذا الاصطلاح كما هو معروف لا ينطبق على الموسيقى فقط ، فنجده فى الأدب والفنون عامة ، وفى الفكر السياسى والاجتماعى ، كما أنه منتشر فى الحياة العامة على نطاق واسع ، وحتى فى بعض البحوث العلمية قبل عصر المعلومات نجد كثيرا من العلماء قد توصلوا إلى نفس الاكتشاف بنفس الطريقة فى نفس الوقت.
للمزيد..
ياسين التهامي vs عمرو دياب | 9 أشياء تميز بها العميد على الهضبة
وفى الموسيقى المعاصرة لجأ بعض الموسيقيين والملحنين إلى الدفاع عن أنفسهم بشراسة عند اتهامهم بسرقة الألحان بالقول بأن المسألة توارد خواطر
ولا شك أن هذا الدفاع قد يصعب مواجهته عمليا أو علميا ولذلك فهو أسهل وأقرب الدفاعات المستخدمة من قبل القائمين بالسطو على ألحان الغير ، وهو أشدها خبثا لهذا السبب وأيضا لتضمنه احتمالية أن يكون السارق على نفس مستوى موهبة وإبداع الفنان الأصلي، وهنا تكمن خطورته، خاصة إذا ترك الأمر للجمهور الذى قد يحار بين الأمرين
على أي حال فهذه المسألة أيضا حسمها القانون الدولى بنفس القاعدة التى طبقت على النقل والاقتباس ، ويظل الأمر مرهونا بكم اللحن المنقول والمحدد بأربع مازورات
8- النقل البرئ
يعتبر نقلا بريئا كل ما تم عن دون قصد أو وعى فى حدود ما لم يجرمه القانون واعترف به الناقل ، وفى هذه الحالة عليه حذف المنقول أو تغييره حالما علم بذلك ، لكن ذلك لا يسقط عنه جناية السرقة إذا وقع فى القدر المحظور قانونا ووجبت عليه العقوبة ، وعليه أيضا حذف المنقول أو تغييره ، ولذلك على كل مبدع أن يتحرى لحنه تماما ويتأكد من خلوه من شبهة السرقة
9- النقل الكامل
فى بعض الحالات يعمد أحد المطربين أو الملحنين إلى وضع كلمات جديدة على لحن كامل لغيره ، وقد يغير فى الإيقاع أو الآلات المستخدمة لكن اللحن الأساسى يبقى كما هو ، فى هذه الحالة يتعين على الناقل الحصول على إذن قانونى من صاحب اللحن الأصلى إلا إذا كان اللحن قد أصبح ملكية شائعة بالتقادم
10- التقليد
قد لا يكون المنقول منسوخا تماما لكنه يحمل طابع التقليد بحيث تتكون الجمل الجديدة من حمل قريبة الشبه أسلوبا ولحنا من الجمل الأصلية ، وقد يفلت المقلد من تهمة السرقة لكنه لا يفلت من النقد القاسى وعزوف الجمهور عن المادة المقلدة باعتبارها أقل جودة من المادة الأصلية ولافتقارها إلى روح الإبداع والابتكار
للمزيد..
فيلم 365 Days ومتلازمة ستوكهولم
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh