الجنس في الفلسفة
شغل الجنس تفكير الفلاسفة منذ وقت مبكر، بداية بـ”مأدبة” أفلاطون، حين حكى أريستوفانيس عن كيف كان الرجل والمرأة كائناً واحداً قوياً ذا رأسين وثمانية أطراف، دفعه غروره إلى تحدي الآلهة، وأراد أن يحل محل كبيرها زيوس، فهاجمه الأخير وقسمه إلى نصفين، نصف رجل، والنصف الآخر امرأة، ليصبحا تائهين في الأرض الواسعة، ويقضي كل منهما حياته باحثاً عن النصف الذي يكمله.
هذا الانشغال الفلسفي بالجنس تأثر سلباً بالانقسام الذي أحدثه أفلاطون نفسه، حين فَصَل بين المادي وغير المادي، والواقع والمثال، والجسد والروح، رافعاً من شأن الأخيرة والحالات المرتبطة بها، في مقابل الحط من قدر الجسد وما يرتبط به من دوافع ولذات. هذه القسمة اعتنقها صراحة أو ضمنياً أغلبية الفلاسفة، متأثرين بالنزعة الرواقية التي تُفضِّل الحرية والسلام الداخليين وسيادة العقل، وهي قيم اعتقد الرواقيون أنها مهدَّدة من قبل أهواء الحب، والتعلق، والغضب، وبالطبع الرغبة الجنسية، كما بيّن إيغور بريموراتز في كتابه “الأخلاقيات والجنس”.
لكن تاريخ الفلسفة شهد اعتراضات عديدة على تلك النزعة، متمثلة في مذهب اللذة (الهيدونية)، بداية من إريستبوس، تلميذ سقراط، ووصولاً إلى الفيلسوف الإنكليزي جيرمي بنثام وتلميذه جون ستيورات مل. رفض هؤلاء تأسيس أخلاق قامعة للجنسانية بواسطة الفصل الأفلاطوني، واعتبروا اللذة (بما في ذلك بالطبع اللذة الجنسية) غاية قصوى للحياة، ومعياراً للقيم والأحكام الخلقية، فلم يحطوا من شأن الجنس، ورحبوا بأي نشاط جنسي طالما يوافق معيار “تحصيل أكبر قدر من اللذة، وغياب الألم”.
الرغبة الجنسية ومشاعر الحب
يشرح آلان سوبل في كتابه “تاريخ الفلسفة الإيروتيكية” كيف وصف ديفيد هيوم الرغبة الجنسية باعتبارها اتحاداً لثلاثة عناصر: الشعور بالجمال، واللذة الحسية/العضوية، واللطف/الحب العذري المنبثق عن مشاعر استلطاف عذرية تجاه الآخر.
لكن إيمانويل كانط خالفه في ذلك، إذ فصل تماماً بين مشاعر اللطف/الحب العذري والرغبة الجنسية، فموضوع هذه الرغبة، برأيه، هو موضوع حسي وجسدي خالص، لا تربطه علاقة بدوافع الحب أو الإحسان أو اللطف، أو أي مشاعر أخلاقية/روحية مُجاوزة لشهوة الجسد.
إيمانويل كانط
لذلك كان كانط أقرب إلى الفصل الأفلاطوني بين الحب الفاحش (الرغبة الجسدية المجردة) والعذري (حب وتقدير الطبيعة الشخصية بعد إقصاء الجسد/الشكل من ذلك التقدير)، وهو الفصل الذي عارضه هيوم على أساس أن مشاعر الحب تنشأ غالباً من تقدير الجمال المادي في المقام الأول، وفقاً لمعايير وتفضيلات الشخص، ومن ثم يتطور ذلك التقدير إلى شعور بالعطف والرغبة الجنسية معاً.