فضل ليلة النصف من شعبان | “فيغفر لجميع خلقه”
ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة ورد في ذكر فضلها عدد كبير من الأحاديث يعضد بعضها بعضًا، ويرفعها إلى درجة الحسن والقوة، فالاهتمام بها، وإحياؤها من الدين، ولا شك فيه، وهذا بعد صرف النظر عما قد يكون ضعيفًا أو موضوعًا في فضل هذه الليلة.
ومن الأحاديث الواردة في فضل ليلة النصف من شعبان حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنه – قالت:
فقدت النبي ﷺ ذات ليلة، فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال: “يا عائشة، أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله! “، فقلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: “إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب” (احمد و الترمذي).
وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ قال: “يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” (ابن ماجه والطبراني).
وعن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – عن النبي ﷺ قال: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها؛ فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا مبتلي فأعافيه؟ ألا كذا ألا كذا … ؟ حتى يطلع الفجر” (ابن ماجه والطبراني).
ولا بأس بقراءة سورة “يس” ثلاث مرات عقب صلاة المغرب جهرًا في جماعة، فإن ذلك داخل في الأمر بإحياء هذه الليلة، وأمر الذكر على السعة، وتخصيص بعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض الأعمال الصالحة مع المداومة عليها أمر مشروع ما لم يعتقد فاعل ذلك أنه واجب شرعي يأثم تاركه.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في فضل ليلة النصف من شعبان قال: “كان النبي ﷺ يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا” (البخاري ومسلم).
قال الحافظ ابن حجر في [الفتح]: “وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك” اهـ (فتح الباري).
وقال الحافظ ابن رجب في [لطائف المعارف]: “واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ، ويكتحلون ، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك، وقال في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عن حرب الكرم في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم. اهـ.
وعلى ذلك فإحياء ليلة النصف من شعبان على الصفة المذكورة أمر مشروع لا بدعة فيه ولا كراهة بشرط أن لا يكون على جهة الإلزام والإيجاب، فإن كان على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشارك فيه فإنه يصبح بدعة بإيجاب ما لم يوجبه الله ولا رسوله ﷺ ، وهذا هو المعنى الذي من أجله كره من كره من السلف إحياء هذه الليلة جماعة، فإن انتفى الإيجاب فلا كراهة.
والاحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة أمر مرغب فيه ما لم تشتمل على ما ينهى عنه شرعًا حيث ورد الشرع الشريف بالأمر بالتذكير بأيام الله تعالى في قوله – عز وجل -: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ، وجاءت السنة الشريفة بذلك، ففي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع، ويقول : “ذاك يوم ولدت فيه” (مسلم).
وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: إن رسول الله ﷺ قدم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله ﷺ : “ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ “، فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله عز وجل فيه موسى وقومه، وغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله ﷺ: “فنحن أحق وأولى بموسى منكم” .
فصامه رسول الله ﷺ ، وأمر بصيامه. وعليه فالاحتفال
بالمناسبات الدينية على الصورة المذكورة أمر مشروع لا كراهة فيه ولا ابتداع، بل هو من تعظيم شعائر الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
فضل ليلة النصف من شعبان
نحن في زمن نفحةٍ ربانية، ومنحةٍ صمدانية أنتم الآن اقتربتم على ليلة البراءة، على ليلة الصك ،على ليلة النصف من شعبان ، حيث يغفر الله لجميع الناس من المسلمين، ولا يغفر للمشركين ولا لكاهنٍ يضرب الغيب ويشوّش أمر الناس، ولا لمشاحن ولا لمدمن خمر يغيب عقله ويخرج عن حد التكليف، ولا لمصرٍ على زنا ولا لعاق والديه، ويغفر الله لمن سوى هؤلاء، ويترك الحاقد في حقده والغلاّل في غله.
مع آذان مغرب يوم الخميس -إن شاء الله تعالى- تبدأ ليلة النصف من شعبان التي كان يسميها عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بـ”ليلة البراءة” لكثرة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضلها، قوموا ليلها، صوموا نهارها، وتخل أيها المسلم عن تلك العوائق التي تحول بينك وبين الدخول في دائرة رحمة الله، والخروج عن دائرة سخطه سبحانه.
ليلة عظيمة تستقبلك أكثروا من الاستغفار فى هذه الليلة، ومن الصلاة على الحبيب المصطفى ﷺ .
ومن قول لا إله إلا الله وهى حقيقة الكون الكبرى، أكثروا من هذا كما علمنا أهل الله الاستغفار من أجل أن نغتسل من ذنوبنا ومعاصينا، والصلاة على النبي ﷺ مقبولة من العاصي حتى من المنافق لتعلقها بالجناب الأجل ﷺ .
أ.د. علي جمعة
للمزيد..
سلسلة الصلاة النارية |عددها وسر قوة تأثيرها لسعة الأرزاق وفك الأسحار
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh