ما هي الذات | الحلقة الأولى من حلقات تعريف الذات

ما هي الذات | الحلقة الأولى من حلقات تعريف الذات

ما هي الذات ؟

الذات

خلق الله الانسان ونفخ فيه من روحه فكان تركيبا فريدا افرده بحمل امانته لا لكثرة عبادة ولا كثرة طاعة انما لحمل جوهر المعرفة فعبادة الله هي التقوى والتقوى هي المعرفة لذلك اعبد الله كانك تراه بعين المعرفة والجود الالهي فهو سبحانه لاتحده الابصار ولاتحيط به الانوار استوى على عرشه لا استواء تمثل بل استواء الاحاطة والهوية فخص الانسان عمن سواه ليحمل امانته في معرفته كنت كنزا مخفيا فاردت ان اعرف فخلقت الخلق فعرفوني

ولما كانت الامانة كنزا عظيما لا يرقى لحمله الا من صفاهم اللهم واخلصهم لنفسه فكانت دار الابتلاء ودنيا البعد والشقاء غربالا للنفوس واختبارا للثبات فظاهرها بلاء وباطنها امتحان وانتقاء حتى يجتبي من يشاء من عباده ثم
يعرض الامانة على جبالهم فتأبى الا من جبل على المعرفة فيحملها فتدك جبال نفسه فلا تجد لها عوجا ولا امتى ويخر صعقا كما خر موسى فقد سجد سجود المعرفة فاجتباهم الله بمعرفته فقد كانت نفوسهم طيبة فدكدكها بنور حضرته فاصبحت نفوسا عارفة لربها ناظرة وفي بحر ذاته سابحة لا التفات ولا رجوع فاصبح لهم نورا يسري في الناس ولاسلطة عليهم من خناس وذلك منتهى تزكية الانفاس

اعلم ايدك الله بنور منه ان الانسان مركب من جسد ونفس وقرين وروح

وسبب ذكرنا الترتيب هذا ان الروح اخر مايصله الانسان من ترقي فماتحتها مجاهدة لشهوات الجسد وتزكية للنفس ونفي لحظوظ القرين ثم التقلد بالروح

والجسد مركب من طينة ان فسدت فسد الانسان وان سمت سمى الى حب الديان
والجسد تحت حكم النفس فهي على حسب الاهواء ويوسوس لها القرين بنار الاثم والعدوان
فان سمت النفس وزكت فقد فلحت وان دنت ودست فقد خابت

وهذا اساس السلوك في طريق القوم وسموا صوفية لتصفية الانفس من الاكدار وطرد مافي القلب من اغيار

والجسد لغة هو الجزء المحسوس الظاهر للانسان الذي يدرك بالحواس الظاهرية الخمس فان وقع البصر عليه قالوا هذا جسد
وفي طريق القوم فالجسد هو تجلي صورة الانسان فهم يعتبرون الجسد انعكاسا لروح الانسان والنفس هي العاكسة لهذا التجلي
فالنفس مرآة والروح صورة حقيقة الجمال والجسد هو المنعكس داخل المرآة فان صفت المرآة بانت صورة الجمال باكمل صورة وان كدرت واغبرت فغاب الجمال عن الجسد

والنفس لغة : مجموعة مشاعر واحاسيس وسلوكيات تحدد شخصية الانسان
وفي علم النفس هي القوى الخفية التي تحرك الانسان
وفي الصوفية هي الارادة الحرة للانسان او حرية الاختيار فاما ام يزكيها الانسان واما ان يجعلها محلا للاهواء والضلال فهي اساس الاختيار وعليها فلك الامتحان الدوار
(قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها)

وقسم السادة الصوفية النفس الى سبع مراتب وسموهم بالانفس السبع وسبب انهم سبع وذلك للاوصاف السبع النفسانية التي يجب ان يمر المريد بها حتى يخلص النفس من الشوائب ويسبح حتى يصل فلك الغرائب

وقد فرض الله عز وجل هذه الانفس في قوله (ونفس وماسواها فالهمها فجورها وتقواها)
فذكر الفجور قبل التقوى فكان لازما على الانسان التزكية حتى يصل للاعلى

وهذه الانفس هي :

أولاً :النّفس الأمارة :
وهي النفس الخالية من التّزكية , المجردة من القيم الرّوحية , لأنها تميل إلى
رغبات الجسد وملذاته وشهواته , وتميل بصاحبها إلى الأسفل {ثم رددناه أسفل سافلين}. ومن هنا تبدأ مرحلة التّزكية {إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}.
والطبائع الذّميمة تسكن في هذه النّفس , كالغل والحقد والنفاق والشّح والحسد…….الخ {وما أبّرئ نفسي انّ النّفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي} 53 يوسف.

ثانياً : النّفس اللوّامة :
والدّليل عليها قولة تعالى {لا أُقسم بيوم القيامة ولا أُقسم بالنّفس اللوّامة} 1-2 القيامة.
وهي النّفس التي بدأت تدرك حقيقة المجاهدة فبدأت بها , ولقرب عهدها بالنّفس الأمارة تطيع الحق مرة وتعصية أخرى ثم تندم فإذا تنوّرت
فعلت الخير ولامت حالها على عدم الاستدامة علية , وإذا فعلت الشّر لامت صاحبها على فعله عند انتباهها.

ثالثاً : النّفس المطمئنة :
وهيالنّفس التي ارتقى حالها وتنوّرت بنور الأيمان الذي وقر في القلب بفعل الخير والنّدم على فعل الشّر , وبدأت تتخلّص من الصّفات الذّميمة , واطمئنت بحال الذّكر والقرب من الله {الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب} 28 الرعد.
وهي المرتبة الأولى من مراتب النّفس الكاملة ويعد صاحبها من أهل الطريق لانّه ابصر الحقّ ودرج عليه , وتعلق بربه وتفانى في حبه
قال تعالى {يا أيّتها النّفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية} 27-28 الفجر.

رابعاً : النّفس الملهمة :
وهي ثمرة العمل في النّفس الثّانية والثّالثة حيث صارت بفعل الطّاعات ملهمة (فألهمها فجورها وتقواها) وقوله تعالى {واتّقوا الله ويعلمكم الله} 282البقرة.
فالذي التزم الشريعة وترجمها بالطّريقة أي التطبيق , فلا بد
وأن يُثمر ذلك الحقيقة ويتميز أصحاب هذه المرتبة بالصّبر والتّحمل والشّكر والتّواضع والقناعة والكرم.
قال تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علماً}65 الكهف.
ومثال ذلك قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع سارية , حيث قال بعدها (وقع في خلدي) أي ألهمني ربي.

خامساً : النّفس الرّاضية :
وهي ثمرة المراتب الثّلاثة السّابقة.

حيث رضي عن الله في مشيئته وأقداره , وإذا سُئلت ماذا تشتهي قالت (ما يقضي الله) قال تعالى {رضي الله عنهم ورضوا عنه} 8 البينه. والغالب على هذه النّفس التّسليم المطلق {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ويسلموا تسليما} 65 النساء.

سادساً: النّفس المرضية :
وهي التي رضي الله عنها بسبب رضاهاوهي أولى مراتب معرفة الله حقّ معرفته.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه (إذا تقرّب إلى شبرا ، تقرّبت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا أتاني يمشيآتيته هرولة) والغالب على هذه الّنفس صفات الإخلاص والذّكر والكرامة
والطّهارة من شوائب الرياسة والسمعة والرياء.

قال الله تعالى في آيه جمعت النّفس المطمئنة والرّاضية والمرضية {يا أيتها النّفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.

سابعاً: النّفس الكاملة :
ولا نعني به الكمال المطلق الذي هو لله وحده، بل الكمال الجزئي البشري حيث تصير الكمالات طبعاً أصيلاً في هذه النّفس وتترقى في هذا المقام، وغالبا ما يكون صاحبها مرشداً للنّاس ودليلا إلى الله تعالى.ولا ترقى هذه النفس إلا
على يدُ مرّبٍ مرشد كامل ونقصد الكمال الجزئي البشري يَعِرف مقامات الطريق وأفات النفس ومداخل الشّيطان وينأى بمريده عن دروب الشر والفساد , إلى دروب الخير والإحسان.

ويقول سيدي ومولاي أبي الحسن الشاذلي قدس الله سره الشريف:
فإذا ما ارتقيت من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة ومن لوامة إلى ملهمة ، ومن ملهمة إلى مطمئنة ، ومن مطمئنة إلى راضية ، ومن راضية إلى مرضية ،دخلت في حيز النفس الكاملة ، وحينئذ تكون قد تخلصت من ران الطباع وكثافة ذميم الخصال وتحكم سجن الجسد فيها فيكون لها الشفافية والإطلاق ، فتتحكم هي في الجسد ولا يتحكم الجسد فيها ويكون صاحبها روحانياً ، وهذه المرتبة
هي التي تسمى فيها النفس : روحاً

فالوصول للنفس الكاملة هي الفناء عن صفاتها فتصبح قالبا للروح ومرآة تعكس نورها

 

وعدو النفس الاول هو القرين
والقرين في اللغة المصاحب والمرافق
وفي لغة القوم هو رفيق السوء الذي لاينتج عنه الا الشر فهو لايفتر عن الوسوسة وفتنة النفس وحثها على ارتكاب الاثام والمعاصي
ماعدا قرين سيدنا محمد اعظم الخلق حيث اعانه الله عليه فاسلم
روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قَرِينُه من الجن وقرينُه من الملائكة” قالوا: وإيَّاك؟ قال: “وإيَّايَ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”.

الا ان صاحب النفس الكاملة يخنس عنده القرين حتى يصبح وجوده شبه معدوما فلا يقوى على انوار العارف ولايقدر على الوسوسة له وسمي وسواس لانه يوسوس في الصدور وسمي خناس لانه يخنس اي يصغر عندما يزداد ايمان المرء فهو في نمو عكسي
والقرين يرى الانسان من حيث لايراه وخلقه الله ملازما له فقط للغواية وهي السلطان التي اعطاه الله لابليس اللعين
(لاغوينهم اجمعين ) فجهنم مصيره هو ومن تبعه من الغاوين
الا عباد الله المخلصين الذين خلصوا انفسهم منه وارتقوا في مدارج الكمال العبودي حتى وصلوا للعباد الخالصين المخلصين

وغاية الانسان هو الروح فالجسد والنفس والقرين حجب كثيفة تحجبه عن الروح التي اودعها الله فيه في قوله
(ونفخت فيه من روحي)
فالاصل هو ان يعود لروح الله التي اودعها فيه وهي نور خالص محض نفحه الله نفخ قدرة فالنفخ يفيد القدرة والروح تفيد الراحة اي استراح الانسان في عبوديته للخالق فقمة وغاية السعادة تمام العبودية لله

والروح هي القدرة المحركة للجسد فالروح هي الجوهر والنفس هي المرآة العاكسة
فالروح لا تحاسب لانها اصل الفعل وانما الفاعل هو النفس والمنفعل هو الجسد وهم من يقوم عليهم الحساب

فغاية تزكية النفس هو الوصول للروح وان تعكسها النفس بابهى صورة كنفس كاملة وهذا حقيقة العبودية وهنا تصبح النفس هي الروح ولاتحتجب الروح بشيء ولا يحجبها شيء فتصبح هي الفاعلة فيصبح الانسان روحاني نوراني ومهبطا لانوار الله ومستودعا لاسراره

وقد ذكر سيدي فخر الدين درب العارف في منازل الانسان ودرجاته بحسب قوى نفسه
ان كل انسان بشرى باطنه كأنه معجون من صفات قوى بعضها بهيمية وبعضها سبعية وبعضها شيطانية وبعضها ملكية

حتى يصدر من البهيمية الشهوة والشره والحرص والفجور

ومن السبعية الحسد والعداوة والبغضاء
ومن الشيطانية المكر والخديعة والحيلة والتكبر والعز وحب الجاه والافتخار والاستيلاء
ومن الملكية العلم والتنزه أو الطهارة

وأصول جميع الأخلاق هذه الأربعة وقد عجنت في باطنه عجنا محكما لا يكاد يتخلص منها وانما يخلص من ظلمات الثلاثة الأول بنور الهداية المستفاد من الشرع والعقل وأول ما تحدث في نفس الآدمي البهيمية فتغلب عليه الشهوة والشره
ثم تخلق فيه السبعية فتغلب عليه المعاداة والمناقشة ثم تخلق فيه الشيطانية فيغلب عليه المكر والخديعة أولا إذ تدعوه البهيمية والغضبية إلى أن يستعمل كياسته في طلب الدنيا وقضاء الشهوة والغضب ثم تظهر فيه صفات الكبر والعجب والافتخار وطلب العلو ثم بعد ذلك يخلق فيه العقل الذي به يظهر نور الايمان وهو من حزب الله تعالى وجنود الملائكة
وتلك الصفات من جنود الشيطان وجند العقل يكمل عند الأربعين ويبدو أصله عند البلوغ واما سائر جنود الشياطين يكون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ واستولى عليه وألفته النفس واسترسل في الشهوات متابعا لها إلى أن يرد نور العقل فيقوم القتال والتطارد في معركة القلب

فان ضعف العقل استولى عليه الشيطان وسخره وصار في العاقبة جنود الشيطان مستقره كما سبقت إلى النزول في البداية فيحشر الانسان حينئذ مع إبليس وجنوده أجمعين وان قوى العقل بنور العلم والايمان صارت القوى مسخرة وانخرطت في سلك الملائكة محشورة إليها وما تدرى نفس باي ارض تموت

 

للمزيد..

ما هي الذات العليا | الحلقة الثانية من حلقات تعريف الذات

 

وغاية العارف هو الوصول الى مرتبة الاحسان كما قال سيدي فخر الدين الرازي:

فالانسان اذا بالغ في الطاعة يحسن إلى نفسه ويوصل الخير والفعل الحسن إلى نفسه ، والحاصل أن العدل عبارة عن القدر الواجب من الخيرات ، والإحسان عبارة عن الزيادة في تلك الطاعات بحسب الكمية وبحسب الكيفية ، وبحسب الدواعي والصوارف ، وبحسب الاستغراق في شهود مقامات العبودية والربوبية ، فهذا هو الإحسان .
واعلم أن الإحسان بالتفسير الذي ذكرناه دخل فيه التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله ، ومن الظاهر أن الشفقة على خلق الله أقسام كثيرة وأشرفها وأجلها صلة الرحم لا جرم أنه سبحانه أفرده بالذكر فقال : { وَإِيتَآء ذِى القربى } فهذا تفصيل القول في هذه الثلاثة التي أمر الله تعالى بها . وأما الثلاثة التي نهى الله عنها ، وهي الفحشاء والمنكر والبغي

فنقول : إنه تعالى أودع في النفس البشرية قوى أربعة :

وهي الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية والوهمية الشيطانية والعقلية الملكية
وهذه القوة الرابعة أعني العقلية الملكية لا يحتاج الإنسان إلى تأديبها وتهذيبها ، لأنها من جواهر الملائكة ، ومن نتائج الأرواح القدسية العلوية ، إنما المحتاج إلى التأديب والتهذيب تلك القوى الثلاثة الأولى .

أما القوة الشهوانية ، فهي إنما ترغب في تحصيل اللذات الشهوانية ، وهذا النوع مخصوص باسم الفحش ، ألا ترى أنه تعالى سمى الزنا فاحشة فقال : { إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً } [ النساء : 22 ] فقوله تعالى : { وينهى عَنِ الفحشاء } المراد منه المنع من تحصيل اللذات الشهوانية الخارجة عن إذن الشريعة ،
وأما القوة الغضبية السبعية فهي : أبداً تسعى في إيصال الشر والبلاء والإيذاء إلى سائر الناس ، ولا شك أن الناس ينكرون تلك الحالة ، فالمنكر عبارة عن الإفراط الحاصل في آثار القوة الغضبية .
وأما القوة الوهمية الشيطانية فهي أبداً تسعى في الاستعلاء على الناس والترفع وإظهار الرياسة والتقدم ، وذلك هو المراد من البغي ، فإنه لا معنى للبغي إلا التطاول على الناس والترفع عليهم 

فظهر بما ذكرنا أن هذه الألفاظ الثلاثة منطبقة على أحوال هذه القوى الثلاثة ، ومن العجائب في هذا الباب أن العقلاء قالوا : أخس هذه القوى الثلاثة هي الشهوانية ، وأوسطها الغضبية وأعلاها الوهمية .

والله تعالى راعى هذا الترتيب فبدأ بالفحشاء التي هي نتيجة القوة الشهوانية ، ثم بالمنكر الذي هو نتيجة القوة الغضبية ، ثم بالبغي الذي هو نتيجة القوة الوهمية ، فهذا ما وصل إليه عقلي وخاطري في تفسير هذه الألفاظ

فإن يك صواباً فمن الرحمن ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله عنه بريئان والحمد لله على ما خصنا بهذا النوع من الفضل والإحسان إنه الملك الديان .

 

وكل ما سبق هو تمهيد ليعرف الانسان مما هو مركب وفيما هو يتقلب حتى نصل لتعريف الذات

الذات لغة هي جوهر الشيء ومعناه وذات الشيء نفسه اي مجموعه كله

والذات عند الصوفية هي الوجود المتحقق كما ذكرها الامام الغزالي
وسماها سيدي ابن عربي بالوجود الدوري المستمر

واقول فيها هي 《《الذات هي الروح العارفة المفكره المدركه الفاعلة المنفعلة المُمَدَّة و المُمِدَّة المؤثره والمتأثره بالاكوان》》

فالذات هي وجود العارف المتحقق المكتمل بالعبودية التي هي معرفة الله فلا اكمل من عبادة الله عبادة معرفة

قال سيدي محي الدين ابن عربي في شرح عبارة سيدنا محمد : “عرفت ربِّي بربِّي، مَن عرف نفسَه فقد عرف ربَّه”

قول النبي ص من عرف نفسه عرف ربه فمن عرف نفسه أنه لم تزل عينه في إمكانها عرف ربه بأنه الموجود في الوجود و من عرف أن التغييرات الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات الممكنات عرف ربه بأنه عين مظهرها و الناس بل العلماء على مراتب في ذلك فلما أوجد العالم طرفين و واسطة جعل الطرف الواحد كالنقطة من الدائرة و جعل الطرف الآخر كالمحيط للدائرة

و إنشاء العالم بين هذين الطرفين في مراتب و دوائر فسمى المحيط عرشا و سمي النقطة أرضا و ما بينهما دوائر أركان و أفلاك جعلها محلا لأشخاص أنواع أجناس ما خلق من العالم و تجلى سبحانه تجليا عاما إحاطيا و تجلى تجليا خاصا شخصيا فالتجلي العام تجل رحماني و هو قوله تعالى اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ و التجلي الخاص هو ما لكل شخص من العلم بالله و بهذا التجلي يكون الدخول و الخروج و النزول و الصعود و الحركة و السكون و الاجتماع و الافتراق و التجاوز

و من يكون بحيث محله و ميز العالم بعضه عن بعضه بالمكان و المكانة و الصورة و العرض فما ميزه إلا به فهو عين ما تميز و عين ما تميز به فهو مع كل موجود حيث كان بالصورة الظاهرة المنسوبة لذلك الموجود يعلم ذلك كله العلماء بالله من طريق الشهود و الوجود فما ميز الغيب من الشهادة فجعل الشهادة عين تجليه و جعل الغيب عين الحجاب عليه فهو شهادة للحجاب لا للمحجوب

فمن كان حجابه عين صورته و الحجاب يشهد ما وراءه فالصورة من الكون تشهده و المحجوب بصورته عن وجود الحق محجوب فهو من حيث صورته عارف بربه مسبح بحمده و من حيث ما هو غير صورة أو من خلف الصورة محجوب إما بالصورة أو بشهود نفسه فإن رزقه اللّٰه شهود نفسه فقد عرفها فيعرف ربه بلا شك فيكون من أهل الصدور الذين أعماهم اللّٰه بشهوده عن شهودهم كما قال وَ لٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ و هي أعيان البصائر اَلَّتِي فِي الصُّدُورِ أي في الرجوع بعد الورود فهو ثناء فإنه لا يصدر إلا بما شاهد في الورود للقوة الإلهية التي أعطاه اللّٰه إياها فمن جميع بين العلمين و ظهر بالصورتين فهو من أهل العلم بالغيب و الشهادة وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

فبعد ان يسلك الانسان ويجاهد النفس ويصعد مرتبة مرتبة ليصل لمرتبة النفس الكاملة فتفنى نفسه وتغيب غياب ذوبان لاغياب وجود فتتصل روحه بجسده ولايفصلها شيء فهي الحاكمة فيصبح ذاتا بشرية وهي اول صناعة الهية في قوله (خالق بشرا من طين …فاذا سويته ونفخت فيه من روحي)
فلا نفس كانت ولا قرين فقط طين سواه الله باحسن تقويم وروح نفخها فيه

وهي الذات البشرية التي امر الله ملائكته ان يسجدوا له

لذلك قال سيدنا علي:
إن الله عز وجل ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم

فالذات هي مجمع البحرين الروح الالهية العارفة التي نفخها الله والجسد البشري العابد لله
فهنا لا وجود للنفس فلا يقول العبد انا انا بل يقول ربي ربي

وعندما يصل العارف للذات البشرية فقد مات وهو تمام الجهاد الاصغر الذي هو جهاد النفس اي قتلها
لذلك قال سيدنا علي (موتو قبل ان تموتو)
وقال تعالى (اقتلوا انفسكم ان كنتم صادقين)
فبعد ان يقتل العارف نفسه الدنية فيحييها الله بالنفس الكاملة (أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَينٰهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشى بِهِ فِى النّاسِ )
وهنا اشارة. لطيفة باطنية

الاية سياقها يمشي به في الناس وليس بين الناس
للتعريف بنور ذات العارف بأنها تخترق الاجساد القلوب والناس هنا الانس والجن للتعريف بسره اذا يقال قدس الله سره فان نور ذاته يخرق حجب الغيب وظلمات النفس وفرق عظيم في القول
في الناس

وبين الناس

فاحياه الله بنور النفس الكاملة نور العبودية المحضة فاصبح لطيفة سارية في الناس وليس بين الناس وهذا سر عظيم ولطف كريم من الله على عباده الذين اختصهم بذلك

فالعارف المحقق هو ذات بشرية فنى نفسه فاحياه الله بنور روحه فاصبحت فاعلة ومنفعلة ومؤثرة في عالم الملك والشهادة
فاذا انتقل العارف من هذه الدار بقي حيا فهو قد مات سابقا واحياه الله فيبقى مؤثر وفاعلا في الاكوان وهذا سر من اسرار مقامات الاولياء فهم احياء وفاعلون ومؤثرون في عالم الشهادة
فالارواح المؤمنة من شدة الورع والايمان تخترق حجاب البرزخ وتؤثر على مايشابهها في عالم الشهادة
فالارض لاتاكل اجساد الانبياء لانهم ذوات مقدسة فروحهم لم تنفصل عن الجسد فهم احياء وفاعلون ومتصرفون في الوجود
فان كان ملك الموت يقبض الارواح وهو خفي عن حس الناس فهذا دليل على حياته ووجوده
والذات البشرية حتى وان غابت صورتها الجسمانية فهي فاعلة وموجودة تؤثر وتتاثر بالاكوان
لذلك ذات العارف يلحقها الثواب حتى بعد الانتقال للبرزخ فهو يعلم من دخل برزخه وينقذ مريده في كربته وينال ثواب اعماله هذه وهو في البرزخ وايضا هو يترقي في بحار المعرفة

وفي كتاب روح المعاني لسيدي الألوسي ذكر ان ارواح العارفين لاينقطع عملها في البرزخ :
وقيل ان النفوس الفاضلة حالة المفارقة لأبدانها بالموت فإنها تنزع عن الأبدان غرقاً أي نزعاً شديداً من أغرق النازع في القوس إذا بلغ غاية المد حتى ينتهي إلى النصل لعسر مفارقتها إياها حيث ألفه وكان مطية لها لاكتساب الخير ومظنة لازدياده فتنشط شوقاً إلى عالم الملكوت وتسبح به فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات أي ملحقة بالملائكة أو تصلح هي لأن تكون مدبرة كما قال الإمام: ((إنها بعد المفارقة قد تظهر لها آثار وأحوال في هذا العالم فقد يرى المرء شيخه بعد موته فيرشده لما يهمه، وقد نقل عن جالينوس أنه مرض مرضاً عجز عن علاجه الحكماء فوصف له في منامه علاجه فأفاق وفعله فأفاق))، وقد ذكره الغزالي ولذا قيل – وليس بحديث كما توهم – إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور أي أصحاب النفوس الفاضلة المتوفين ولا شك في أنه يحصل لزائرهم مدد روحاني ببركتهم وكثيراً ما تنحل عقد الأمور بأنامل التوسل إلى الله تعالى بحرمتهم، وحمله بعضهم على الأحياء منهم الممتثلين أمر «موتوا قبل أن تموتوا».

والذات البشرية يحصل لها امداد من ذوات اخرى وهو مايدعى بالاحلال وهو ليس الحلول بل حصول اتصال بين بحر الذات البشرية مع الذوات الاخرى
فاذا مدتها ذات نبي نجد العارف قد انطبع عليه ذات النبي في الرسم والصورة وكلما زاد التحقق بذلك كلما اكتمل الاحلال فيصبح وارث كامل متحقق على قدم هذا النبي

واذا مدتها ذات ملك فتصبح ذات ملكية فيحضر له ملاك ويعلمه

حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بنُ فَرَافِصَةَ ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانٍِ أَنَّهُ أَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : بيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ سَمِعْتُ مُتَكَلِّمًا يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ ، بيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، إِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ ، فَأَهْلٌ أَنْ تُحْمَدَ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذَنْبي ، وَاعْصِمْنِي فِيمَا بقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَارْزُقْنِي عَمَلًا زَاكِيًا تَرْضَى بهِ عَنِّي ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ذَاكَ مَلَكٌ أَتَاكَ يُعَلِّمُكَ تَحْمِيدَ رَبكَ ” .

وهو ماذكره سيدي ابن عربي من رجال على قدم سيدنا جبريل وميكائيل واسرافيل

فالذات البشرية هي لطيفة ساريه وروح عارفة تؤثر وتتأثر بالاكوان…….
يتبع-

 

للمزيد..

التطور الروحي من خلال الطاقة الجنسية .. هل الكونداليني هو الرغبة النقية داخلنا ؟!

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة