الشيخ محارب في جزيرة غمام | الإخلاص قبل وبعد التجرد

الشيخ محارب في جزيرة غمام | الإخلاص قبل وبعد التجرد
الخط الرئيسي لشخصية الشيخ محارب في مسلسل جزيرة غمام هو (( الاخلاص قبل وبعد التجرد ))
لا زالت رائعة المؤلف الكبير عبد الرحيم كمال في ملحمته مسلسل جزيرة غمام تلقي بظلالها وتضفي
الكثير والكثير من الإثراءات الفكرية ذات العمق الفكري الكبير تجاه الفلسفة البشرية ومدي تأثرها
وتأثيرها في الأفراد والمجتمعات.

ومن عمق الخيوط الخفية لشخصيات تلك الدراما المتفجرة
بالانبعاثات الفكرية الجوهرية خيط شخصية الشيخ محارب .

حيث يدور محور الشخصية للتعبير عن إنموذج من نماذج التيارات الفكرية ذات المرجعية الدينية المتمثلة في واقعنا المعاصر تحت مسمى “التيار السلفي” بما له وما عليه
وعمق منهجه الفكري وطريقة أخذه وحمله وادائه لـ النصوص الشرعية فهما وتطبيقا ومدى نسبة إدراكه لها
وكيفية سلوكه وتطبيقه لها.

ولقد بنى المؤلف ساحة من الخيال الدافئ

أسس بنيانه على الأصالة البشرية المتمكنة والموغلة في قِدم جذور أصلها
من حيث الطيبة والسماحة دون تدخل من أية عنصر هنا أو هناك يهدم ذلك البنيان، إلا ما كان من تحولات تحت

تأثير الواقع المؤثر في الأفراد والجماعات .

ولقد جاء ذلك على النحو التالي :

حيث كان مكمن محور شخصية الشيخ محارب هو الاخلاص لوجهتين:

الوجهة الأولى : والمتمثلة في حبه لشيخه الشيخ مدين

وكانت الوجهة الثانية : هى مدى حمله لأمانة الإرث الثقيل الذي كلفه به شيخه اختبارا
لا تكريما لخدمته.

وهو حمل أمانة الإصلاح لذوات الناس بمحاولة تحكيم الشرع الحنيف
ولكن دون النظر إلى روح النصوص ومآلات وفقه الواقع والاجتهاد الحثيث للوصول والحصول على مراد الله تعالى.

وكان ذلك بالنسبة له مكمن الخطر
من حيث كونه على غير دراية تامة وكافية لمدى تحققه بالمسؤولية تجاه ما حل به من إرث جاؤه من شيخه اختبارا لتهذيب نفسه.

ولكن غاب عنه ذلك
من حيث ظنه أنه إرث مستحق جاء على وفق اليقين من تحققه العلمي من وجهة نظره القاصرة

ومن جهة أخرى، الناقص وفقا لمعطيات العلم الحقيقي المتأصل والمسمى بعلم الحقيقة عند السادة المحققين المتحققين من العارفين الكمل،
ولقد خانه فهمه ووعيه وإدراكه

لكونه لم يلتفت إلى كونه اختبار من شيخه
إذا وَعِيَهُ وأدرك ما بين سطوره لَعِلَمَ ذلك، وما أخذته العزة بالإثم .

للمزيد..

مقام الشيخ الخواجة الغريب نواز بـ الهند

وهو ما حدث له فعليا من حيث وقوعه في بعض المزالق إلا أن إخلاصه ومدد الله تعالى الساري في شيخه الممنوح العناية

ظاهرا وباطنا حسا ومعنى
تلك العنايات الإلهية التي أدركته

نعم هي عناية الخالق

بعدما أدرك أن ما تحصل عليه من علم فهو ناقص لم يكتمل إلا بالنظر إلى كتاب الله تعالى المسطور توافقاً

مع كتابه المنظور وهو الكون وما يدور فيه من أحكام باطنة لا تدرك بالعقول فحسب
ورغم إخلاصه
للدين والشيخ المربي
إلا أن ذلك الاخلاص
قد اقترن بالخلط الدفين الكامن في عدم إتمام تربيته على يد الشيخ مدين.

ثم دارت الشخصية حول محورها الرئيسي ما بين
الحق الظاهر أمامه من وجهة نظره العلمية القاصرة المتمثلة في تطبيق مراد الله تعالى
من ناحية.

وقصوره لفهم المراد الحقيقي للدين والمتمثل في شخصية عرفات الذي ورث من الشيخ مفهوم دوران الحقيقة حول نفسها وهو المشار إليه بعلم الحقيقة

ومن حيث كون العبد ليس لديه مطلق الحكم من جهة أخرى إلا بما تحقق به حال كونه مرادا لله تعالى يقينا

وما هو إلا أداة يستعملها الله تعالى في تحقيق مراده
وهو ما عاش به الشيخ عرفات من جهة أخرى ومن من واقع مفهوم الحب الالهي الذي أنار قلبه وجعل الحقائق متكشفة نصب عينيه مع تماثل الشرع الحنيف اتساقا من غير خروج عن ظاهر وباطن الشرع الحنيف

وهذا المحور هو الذي عاد إليه الشيخ محارب نفسه (( إدراكا للحق وإحقاقا له واعترافا به وله ))
وهو المثول للحق اينما وُجِد

وذلك ما آل إليه الشيخ محارب في نهاية المطاف إذعانا وامتثالا

وهو ما دل على عدم تكبره
وأنه لامس حقيقة الإرث الذي ورَّثَهُ إياه الشيخ مدين

حيث إنه في الحقيقة لا كما يتبادر إلى الأذهان قد ورثه ظلمه لنفسه وأن الشيخ يجهل حال مريده وربيبه
بل إن الحقيقة أنه ورثه
التحدي الأكبر لنفسه التي إن استطاع أن يزيل معوقاتها وعلائقها
ارتقى ووصل إلى الحقيقة التي هي ثمرة الشريعة وهو ما يسمى بعلم التخلية
وهو ما بَيَّنَهُ ووضحه له الشيخ عرفات ذلك الزاهد الدرويش في نظر العامة

وقد قالها له صراحة
حينما سأله ؟!
لماذا ورثك انت تحديدا الشيخ مدين الحقيقة ولست أنا ؟؟!

وهذا ما نجح فيه الكاتب الكبير
الاستاذ عبد الرحيم كمال
في مفهوم الرجل الصوفي الحق المتجرد من نفسه وهواه المتبع لضوابط وقواعد العلم وليس من عاش وهم التجرد وهو ليس كذلك .