لماذا لا نلجأ للتصوف إلا بعد الانكسار؟! | بقلم د. عاطف معتمد
التصوف في أدب نجيب محفوظ | الرسالة القشيرية !!
هذا السؤال طرحه بطل رواية “السمان والخريف” بعد أن تم طرده من وظيفته وخسر مساره السياسي إثر التغيرات السياسية التي حدثت في مصر بعد عام 1952، على نحو ما حاولت قراءة الرواية في مقالي السابق.
وجاء معرض السؤال خلال المفاضلة بين ما اختاره هو نفسه من حياة العدم والعبث وما اختاره بعض رفاقه من الخاسرين في السياسة من اللجوء للتصوف.
ولكي يدلل محفوظ على اللجوء للتصوف عند هؤلاء الخاسرين يشير إلى احتفائهم بشكل مفاجئ بكتاب “الرسالة القشيرية”.
على الأرجح لم يكن هذا الكتاب متاحا على نطاق واسع في عام 1962 زمن كتابة الرواية إلا في بيوت علية القوم ونخبة المثقفين. وبوسعنا اليوم الاطلاع على الكتاب بيسر وسهولة.
ورغم أن الكتاب يتجاوز 600 صفحة إلا أنه سهل التصفح ميسور العبارة. وإذا تجاوزت الفصول الثلاثة الأولى – ذات النزعة الأرشيفية عن علماء التصوف – فإن بقية الكتاب يقدم لك أكثر من 50 فكرة صوفية جوهرية في مقدمتها التوبة والتقوى والورع والزهد والصمت والخوف والرجاء والتوكل والشكر والإرادة.
لم يكن اختيار محفوظ لهذا الكتاب على سبيل المصادفة، فالفصول التي يضمها عن ترميم النفس من أطماع الدنيا، وإصلاح أعطابها، ولجم شهواتها، تناسب تماما بعض أبطال الرواية الذين لجأوا إلى العلاج الروحي بعد الخسائر المادية وغوائل الزمن.
ورغم أن بطل رواية السمان والخريف مثال للعدمية والعربدة بعد الخسارة السياسية إلا أنه يرفض مسار التصوف انطلاقا من أن في ذلك لجوءالمنكسر المضطر لا لجوء الاختيار الحر.
للمزيد..
نجيب محفوظ ..نبيا رسالته التشاؤم!
وهذه نقطة في غاية الإشكالية في الحوار الأوسع بشأن الاختيار والجبر في علاقة الإنسان بالدين واتخاذه القرب الإلهي ملاذا.
وبغض النظر عن الخلاف في تفسير المسارات لدى أبطال الرواية، والاختلاف الحالي بيننا حول مفهوم وحقيقة التصوف، فإن الكتاب بديع حقا.