سكرية نجيب محفوظ | انتصار للنظرة المادية في تفسير الظواهر

سكرية نجيب محفوظ | انتصار للنظرة المادية في تفسير الظواهر

سكرية نجيب محفوظ | انتصار للنظرة المادية في تفسير الظواهر

استكمالا لثلاثية نجيب محفوظ “السكرية”
يفرض على قارئ نجيب محفوظ  أن يكون ذا المام بأصول الفلسفات الحديثة ،والا لتاه في طرقات قصر الشوق و السكرية لتشعبها.
«السكرية» جزء لا يتجزأ من الثلاثية حاول فيها الكاتب تصوير تطور حركية المجتمع و الفكر في مصر عبر مجموعة من الشخصيات الأدبية.
كما تنفتح الرواية على التيارات و المذاهب السياسية و الفلسفية الوافدة من الغرب، بالأخص منها المادية الجدلية و آراء سبينوزا في اللاهوت و بعض مقولات أفلاطون المبثوثة في طيات محاوراته الفلسفية.

ان شخصية كمال هي محور التطور و الحركة ، فهي شخصية شمولية تستوعب كل المتغيرات و تتطور بحركيتها ، فهو الرجعي و التقدمي،الانهزامي و الثائر ، التائه و الخبير ، انه صورة مصغرة عن الشعب العائش بلا مبدأ و لا موقف ، فكمال الكاتب المنظر فلسفيا فاشل اجتماعيا و وجدانيا و مهزوم ذاتيا و مركوب بعقدة اوديب عبر تعلقه بصورة امه و أختيه و بقاءه تحت جلباب أبيه السيد أحمد عبد الجواد، وهو نقد للطريقة القديمة في تربية النشئ.
كما اضاف الكاتب عديد الشخصيات ذات المبادئ الحداثية في مصر كشخصية أحمد و عبد المنعم و رضوان ، فكلهم أبناء جيل واحد ، واحد سكرتير وزير ( استوزر باعتباره غلام و منكوح الوزير) و الاخران من نفس أبناء جيله موقوفان بتهمة الاساءة الى الدولة و هما ينتميان الى تياران فكريان مختلفان (الاخوان، الشيوعية).
أظن شخصية كل من ياسين وعائشة شخصيتان حذفها لن يؤثر في حركية الرواية ..
يتجلى قانون التطور في الديالكتيك الطبيعي كحالة أحمد عبد الجواد فمن الصحة الى السقم ، كما تتضح في انحسار المد الارستقراطي عبر صعود طبقة جديدة ممثلة في ابن الحمزاوي و اندثار أسرة آل شداد ..
تعدد الشخصيات دفع بالكاتب الى التيه في تيار الفلسفة حتى تاه فيه ،فلم يتمكن من حبك بعض الاراء الفلسفية باحكمام خصوصا ما تعلق بالاسلام السياسي , ما يلح علينا ان نستغرب حول المصادر التي استقى منها محفوظ نظرته في تكوين الاخوان المسلمين و اراءه في العقيدة ككل،و هو الذي يرى كلا من الدين و التدين وضعا نظرات ماركسية بعيدة كل البعد عن رؤية الظاهرة بموضوعية.
أظن أن سقطة محفوظ في قراءة ماهية الظاهرة الدينية و كيف استقطبت شبابا مثقفا ،فهو يعبر عن الاسلام ككل برمزين اثنين ( مزار جامع الحسين ، الشيخ متولي عبد الصمد ) الاول مخيال شعبي ، الثاني فهم رجعي بليد لظاهرة التدين ،وانه ليذكرني بما كتبه لينين في كتابه حول الدين و كيف أنه جعل الدين و التدين على كفة واحدة.
ما يعتقد الكثيرون أنه حوار بين العلم و الايمان ، هو في الأساس نقد مادي لظاهرة دينية مثالية .
يمكن الاجمال ان السكرية هي انتصار للنظرة المادية في تفسير الظواهر و محاولة ادخال رؤى حداثية على مجتمع له طابعه الخاص ،انها حركية نحو التطور الفكري …..عمل عظيم من كاتب عظيم .

للمزيد..

شارك المقالة