مناسك الحج تلهم الشعراء فتتجلى الكلمات |إلى رحاب النبي

لطالما أهدى الحج بشعائرره ومناسكه الروحانية العديد من المبدعين لإبراز جمال المنسك في أعمالهم الإبداعية.

فما بين السينما والرسم والشعر والفن بأنواعه اتم الكثيرين بتخليد تلك الشعائر في أعمالهم الفنية فالحج هو موسم الموحدين والسائرين إلى رحاب الله.

تجيش المشاعر، وتفيض الدموع في رحاب الحرم الشريف، وتغتسل النفوس بأنوار الهدى، فإذا كانت الدموع والابتهال والتعبد هي تعبير المؤمن عن مشاعره تجاه هذه الفريضة المقدسة.. فكيف يعبر الشاعر وكيف يترجم هذه المشاعر إلى أبيات شعرية؟

من القصائد التي اشتهرت في وصف رحلة الحج، قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي يستغل فيها المناسك في التغزل بمحبوبته، لكنه هنا يتفرغ لوصف الرحلة في قصيدة يقول في مطلعها:
إني وَمَن أَحرَمَ الحَجيجُ لَهُ وَمَوقِفِ الهَدي بَعدُ وَالبُدُنِ
وَالبَيتِ ذي الأَبطَحِ العَتيقِ وَما جُلَّلَ مِن حُرِّ عَصبِ ذي اليَمَنِ
وَالأَشعَثِ الطائِفِ المُهِلِّ وَما بَينَ الصَفا وَالمَقامِ وَالرُكنِ
وَزَمزَمٍ وَالجِمارِ إِذ رُمِيَت وَالجَمرَتَينِ اللَتَينِ بِالبَطنِ
وَما أَقَرَّ الظِباءَ بِالبَيتِ وَال وُرقَ إِذا ما دَعَت عَلى فَنَنِ

أورد مؤلف كتاب (كنوز الذهب في تاريخ حلب) سبط بن العجمي الحلبي قصيدة مطوَّلة فيها ذكر دقيق ومفصَّل لرحلة الحجِّ يوماً بيومٍ فقال في مطلعها الوارد في الجزء الأول من الكتاب:
دعِ الدارَ وارحلْ للَّذي جاءَ بالبشرى دُعينا إلى دار النبوَّةِ عزمة
وبِعْ دارَك الدنيا من الله بالأخرى فقمنا ولم تترك لأنفسنا عذرا

في القصيدة يذكر الأيام والأماكن التي حلّوا بها وهم في طريقهم إلى الديار المقدّسة. فيقول في المدينة المنورة:
وفي الروضةِ العليا قصْدنا لربِّنا ولما دنوا من كعبة اللهِ أبصروا
ومن زمزمَ العذبِ المذاقِ تضلَّعوا صلاة جعلناها لأنفسِنا ذخرا
بدائعَ حسنٍ تُخْجِلُ الكاعبَ البِكرا فما صَدَروا إلاَّ وقد شفوا الصدرا
إلى أن يقولَ:
وتاللهِ لا أنسى بمكّةَ عيشنا ديارُ ذوي العلياءِ من آل هاشمٍ
فيا حبَّذا لو كنْتُ به العمرا فكمْ وهبوا والجوُّ قد أمسك القطرا

ميمية ابن القيم
ومن أجمل ما كتبه ابن القيم الجوزية -رحمه الله- المتوفى سنة (751هـ) قصيدة مطولة مسماة بـ(ميمية ابن القيم) يقول فيها:
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو به الجبار جل جلالهُ يباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأرحمُ
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أملوه وأنعمُ
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحمُ
فكم من عتيق فيه كمل عتقه وآخر يستسعي وربك أرحمُ
وما رؤى الشيطان أغيظ في الورى وأحقر منه عندها وهو ألأمُ
وذاك لأمر قد رآه فغاظه فأقبل يحثو الترب غيظاً ويلطمُ
لما عاينت عيناه من رحمة أتت ومغفرة من عند ذي العرش تُقسمُ
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنهُ تمكن من بنيانه فهو محكمُ
أتى الله بنياناً له من أساسه فخرّ عليه ساقطاً يتهدمُ

أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيقول عند استقباله للخديوي عباس من رحلة الحج عام 1910م:
لك الدين يا رب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساح والعرصات
أرى الناس أصنافاً ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات
تساووا فلا الأسباب فيها تفاوتت لديك ولا الأقدار مختلفات

الحج وأسراره
والشاعر (محمود حسن إسماعيل) تميز بحديثه عن رحلة الحج، فهو شاعر روحاني يحاول إيضاح أسرار الحج وآثاره على النفوس المؤمنة، ولذا فإن من أراد الحج ينبغي أن يتعرف ما يترتب على تلك المناسك من التزامات روحية وأخلاقية، وعندئذ سيكون الحج مظهراً يجسد الإيمان عبادة وعملاً وقولاً وصورة رائعة من صور الجمال الروحي، ترافق الحاج منذ اللحظات الأُولى لهذه الفريضة المباركة وعند عودته إلى وطنه وأهله.
وشاعرنا يحاول من خلال شعره رسم صورة لما ينبغي أن يكون عليه الحاج إلى بيت الله الحرام، فتعالوا نحيا في ظلال شعره ونرتوي من رحيقه.
تبدأ رحلة الحج بدعاء العبد ربه أن يتقبل طاعته، فهو يقف الآن خاشعاً لله، ولسانه يلهج بذكره، وقلبه مشتاق إلى زيارة بيته الحرام.. يقول (محمود حسن إسماعيل):
يَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ
جِئْتُ أُزْجِي صَلَوَاتِي
ضَارِعاً تَخْشَعُ عِيدَانِي
وَتَجْثُو نَغَمَاتِي
وَتُنَادِيكَ صَبَابَا
تي بِكُلِّ اللَّهَجَاتِ
يصوّر الشاعر (محمود حسن إسماعيل) مناجاة المسلم لربه وهو في رحلته الروحانية إلى عرفات الله، فهو يدعو ربه دعاء يصدر من قلب خاشع ولسان رطب بذكر الله، وهو في دعائه لربه يمارس التوحيد ممارسة عملية، فكل جوارحه تخلص لله في هذه اللحظات، فاللسان يدعو والقلب قد أخلص في توجهه بالعبادة إلى مولاه، فكيانه كله قد خشع لخالقه.
رحمة الله تصاحب الحجيج
ومع الدعاء تنزل رحمة الله، يحس بها كل قلب ذاكر لله، فيشعر بالاطمئنان، وينعكس ذلك على الجوارح فتلهج بالتسبيح والتحميد.
يقول الشاعر (محمود حسن إسماعيل):
إِنْ تَلَفَّتُّ فَمِنْكَ الـ نورُ يَطْوِي لَفَتَاتِي
أَوْ تَهَامَسْتُ أُحِسُّ الـ نورَ يَغْزُو هَمَسَاتِي
وَإِذَا أَدْعُو أَرَى الأَنـ وَارَ تُرْدِي كَلِمَاتِي
وَإِذَا أَصْمُتُ يَدْعُو كُلُّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِي!

عمر الأميري.. والكعبة الشماء
ويتغنى الشاعر عمر بهاء الدين الأميري بالكعبة ومكانتها، ويلفت النظر إلى أن قدسيتها ليست في أحجارها، والتعبير عن تقديسها ليس التشبث بأستارها، يقول الأميري:
الكعبة الشماء في مذهبي قيمتها ليست بأحجارها
والقرب من خالقها ليس في تشبث المرء بأستارها
قدسية الكعبة في جمعها أمتنا من كل أقطارها
وأنها محور أمجادها وأنها مصدر أنوارها
وكعبة المؤمن في قلبه يطوف أنّى كان في دارها

مشاعر فياضة
الشاعرة المصرية الراحلة علية الجعار من أكثر الشعراء حباً وشغفاً بالحج حيث كانت تحج كل عام تقريباً منذ عام 1964م حتى وفاتها عام 2003. وكتبت عشرات القصائد عن الفريضة المقدسة، حيث كانت تكتب عن شوقها وهي ذاهبة، وكانت تكتب عن متعتها الروحية بعد عودتها، وتكتب عن لهفتها وحنينها عندما كانت تتخلف عن الذهاب للأراضي المقدسة وفي أول مرة ذهبت فيها إلى الحج كتبت هذه القصيدة التي تصف فيها مشاعرها تجاه الكعبة المشرفة والأراضي المقدسة تقول فيها:
وقفت أرقبها وكل جوانحي تهتز في شوق وفي إيمان
نسيت ابني والخلائق كلها وذهلت عن أهلي وعن أوطاني

وفي رحاب الرسول كتبت الشاعرة تقول:
سأذهب حيث النبي الحبيب وأشكو له كل أوجاعيه
وهرولت نحو مقام الحبيب كطفل أتى أمه الحانية
فحبي له في دمي في فؤادي وفي أعمق أغوار أعماقيه
أحقاً أنا في رحاب الرسول؟ أحقاً ظفرت بأحلاميه؟
أجل إن هذي دموع اللقاء على وجنتي همت جارية

ديوان الحج السعودي
يضم ديوان الشاعر السعودي فؤاد شاكر (وحي الفؤاد) قصيدة عمودية رائعة بعنوان (الحج إلى بيت الله الحرام) يصف فيها أفواج الحجيج التي تأتي إلى البيت الحرام من المشارق والمغارب يظلها لواء (محمد) صلى الله عليه وسلم. يقول فؤاد شاكر:
أهلت بأفواج الحجيج المواكب وخفت إلى البيت الحرام المناكب
تدانت بهم من كل صقع محافل وفاضت بهم من كل حدب نجائب
مشاة وركباناً على كل ضامر فمن كل فج أدرك الحج طالب
تلاقت على صدق العقيدة أخوة ؤلفها من صادق الرأي صائب
جموع تباريها جموع كأنها عصائب طير تحتذيها عصائب
يحف بهم فيض الخشوع وهذه مدامعهم عبر الجفون مسارب

شعائر مقدسة
(لبيك يا من يكشف الضررا) هو جواب الشاعر مهدي محمد سويدان (القطيف) في قصيدة مقفاة طويلة يتحدث فيها بمشاعر فياضة وإيمان عميق، واستعارات قرآنية رسخت المعنى، عن شعائر الحج وقدسيته، يقول فيها:
طوبى لمن حج بيت الله واعتمرا وطاف سبعاً وفي إحرامه اتزرا
يا فوز من عاد لا فسقاً ولا جدلا يا سعد من فمه قد قبّل الحجرا
وعانق الركن بالكفين ملتزماً مناجياً من يرى ما جل أو صغرا

وفي مقطع آخر يقول:
لبيك لبيك خير القول ردده فم الحجيج وكل جاء مفتقرا
من كل حدب أتى لله ممتثلاً لأمره مستكين النفس منكسراً
كل أتى عرفات خاشعاً وجلاً من الوقوف أمام الله من شعراً

شوق.. ودعاء
ويهفو قلب الشاعر محمد عايش عبيد إلى الحج فيمسك بقلمه ويعبر عن هذا الشوق في قصيدة جميلة ترجم فيها مشاعره الفياضة إلى البيت العتيق الذي يحن قلبه إليه خصوصاً عندما تأتي شهور الحج، يقول عبيد:
قلبي إلى البيت العتيق
يحن شوقاً كي يراه
تأتي شهور الحج يبغي
أن يطير إلى رباه
ليطوف بين الطائفين
مهرولاً تعدو خطاه
ويقبّل الحجر الذي
تقبيله عزٌّ وجاه
إذ تنحني الهامات عند
الاستلام مع الجباه
وفي مقطع آخر يدعو محمد عايش عبيد ربه فيقول:
يا رب يسر لي السبيل
لكي ألوذ إلى حماه
شوقي إلى عرفات مثل
البيت قلبي قد حواه
لله أرفع هذه الشكوى
فلا أرجو سواه
هو ملجأ المضطر دوماً
لا يخيب من دعاه
رب الحجيج
وينفض شاعرنا الكبير محمد حسن فقي -عليه رحمة الله- وزره المحمول، ويتضرع إلى الرحمن ويطلب مزيداً من الهدى بعد غواية الشيطان وثقل الضمير بالأخطاء، يقول الشاعر الكبير في قصيدته الرائعة (رب الحجيج):
رب الحجيج ولست أزعم أنني ورع ولا متسلط متجبر
لكنني ما بين بين كليهما فخطاي تنتهب الطريق وتعثر
ولقد تلوح رؤى الشقاء فأهتدي ولقد تلوح رؤى الثناء فأسدر
ما قلت: إني في الحياة مسير أو قلت: إني في الحياة مخير

ضراعة محرم
حين ارتدى الشاعر بدوي راضي (من القطيف) ملابس الإحرام شعر بشعور كل الحجيج، إذ يبدأ المرء في هذه اللحظة بمراجعة نفسه وما فعل في أيامه السالفة، ويبدأ في تأنيب نفسه ومعاقبتها على ما بدر منها في محاولة للاعتراف بالذنب من أجل توبة نصوح.
عبّر الشاعر عن ذلك في قصيدة عمودية، من النوع النادر في هذا الزمن القحط، وظهرت ثقافة الشاعر الإسلامية فضلاً عن الألفاظ والتعابير الجديدة، يقول بدوي راضي في قصيدته (ضراعة محرم):
حين ارتديت ملابس الإحرام راجعت ما أسلفت في أيامي
كم مرة بعت القناعة والرضا وجمعت أرصدة من الأوهام
وصحبت من أكل الحرام محللاً للصاحب المزعوم كل حرام!

وفي المقطع الأخير يقول الشاعر:
فاغفر إله العالمين لتائب بس الضلال.. ولج في الآثام
يا رب إني قد خلعت ضلالتي لما ارتديت ملابس الإحرام

فاروق جويدة.. على باب المصطفى
وأخيراً نأتي إلى الشاعر الكبير فاروق جويدة حيث يقول في قصيدته والتي وصف من خلالها رحلته إلى الأراضي المقدسة لتأدية مناسك الحج، وفيض المشاعر الإيمانية التي تحل بالمسلمين في مكة عند الطواف بالكعبة والوقوف بعرفات، والصلاة في الروضة الشريفة أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ركب الزمان يطوف في عبراتي وأنا أراك تطل من عرفات
وأمامك التاريخ يسجد خاشعاً والحق حولك شامخ الرايات
وتودع الدنيا بوجه مشرق فيه الجلال‏..‏ ونبل كل صفات
تبكي الجموع وأنت تهمس بينها قد لا أراكم في الحجيج الآتي
لكنني أودعت في أعناقكم قرآن ربي‏..‏ سيرتي وحياتي
لا لن تضلوا إن تمسكتم به فخلاص هذي الأرض في آياتي
ويطل وجهك خلف ستر خافت فترى حشود الحق في الصلوات
وتري الوجوه وقد أضاء جلالها والدهر يكتب أقدس الصفحات
وتصيح فيهم أن غاية ديننا طهر القلوب ورفعة الغايات
فجر الضمير رسالتي لا ترجعوا للكفر بعدي‏..‏ في ثياب طغاة
لا تقربوا الأصنام بعدي إنها بيت الضلال‏..‏ وآفة الآفات
ولتعبدوا الرحمن رباً واحداً فعلى هداه تفجرت صيحاتي
الله خالق كل شيء فاجمعوا أشلاءكم بالحق والرحمات
وحدت أشلاء‏..‏ جمعت شراذما وجعلت من طلل الشعوب بُناتي
الظلم في ركب الحياة ضلالة والعدل نور الله في الظلمات
والذم في وجه الحياة جريمة وتميمة للرجس واللعنات
والحق أولي أن تصان حصونه ليظل تاج الأرض والسموات
والأرض عرض والدماء محارم ونقاء مال المرء بالصدقات

للمزيد..

علاقة التبادل الطاقي والأبراج| الأسد يعلمك لتشرق والعقرب يخرجك من بئر الأسرار !!

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh