رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
الفصل الخامس عشر
” نهاية النهاية “
” الجميعُ يخرجُ الآن ، هذا المكانُ سينفجرُ بعد دقائق ” صرخَ كريم بتلك الكلماتِ وهو يحملُ فهد بينما موسى يتصلُ بسيارةِ الإسعافِ مجددًا من هاتفٍ وجده أثناء هروبهم من ذلك المبنى ليخبرهم أنْ يسرعوا ، بجواره آدم يحملُ ابنته ، خلفهم أيسل تمسك بميرال لتساعدها على الركضِ واللحاقِ بهم ، لم تمرْ دقائقٌ كثيرة ووصلتْ سيارةُ الإسعافِ ليخرجَ منها رجلان يبدو من زييهما أنهما مُمرضان .
وضعا فهد على النَقَّالةِ الطبية سريعًا وأدْخَلاهُ للسيارةِ وجلسوا جميعًا بجواره عدا موسى وآدم الذيْنِ جلسا بجوارِ السائق ، وانطلقتْ السيارةُ وبعد دقيقةٍ من انطلاقهم سمعوا صوتَ انفجارٍ كبيرٍ دوى في الأرجاء قادمًا من خلفهم جعل أبدانهم تَقْشَعِر .
وضعَ أحدُ الممرضيْنِ ( كانيولا ) في وريدِ فهد مُتصلة بمحلولٍ ملحي مُعلَّق بجوار النقالة الممدد عليها فهد ومضاف إليه مواد وعناصر لوقفِ النزيف وتعويض الدم المفقود ، بينما قامَ الممرضُ الآخر بطَمْئَنَةِ والدةِ فهد أنَّ قلبه مازال ينبض ، بعد دقائقٍ قليلة من ركوبِ سيارةِ الإسعاف التي كانت تشق الطريق بسرعتها القصوى وصلوا لأقربِ مستشفى ، وكانَ ينتظرُ على البوابةِ ممرضان آخران استقبلا النقّالة التي كانت تحمل فهد وأسرعا بأخذها لغرفةِ العمليات القابعة بالدورِ الرابع في المستشفى يتبعهما كريم وشقيقاه وزوجته وزوجة أخيه وابنتها التي لم تتوقف عن البكاءِ منذ سقوطِ فهد أرضًا حتى الآن ، وحتى رؤيتها لوالدها التي ظنَّتْ أنه مات لم تمنعها من البكاء بل ركضت نحوه تحتضنه وازداد بكاؤها على صدره ، توقفوا عند بابِ غرفةِ العمليات بعدما طلبَ منهم أحدُ الممرضين عدمَ التقدمِ والانتظارِ في الردهة حتى ينتهي الطبيبُ داخل الغرفة من عمله .
أربعُ ساعاتٍ مرَّتْ ولم يخرجْ أحدٌ من الغرفة ، بينما كان الجميعُ ينتظر خارجًا على أحرِّ من الجمر ، عدا ميرال التي استسلمت للنومِ بعد بكائها الطويل الذي أرهق جسدها كله ، تحملها والدتها التي تجلسُ على كرسي في الردهة ، تجاورها ” ميرال ” والدة فهد التي كاد قلبها أنْ يتمزق عند رؤيتها ابنها الوحيد في تلك الحالة بعد أحد عشر عامًا لم تَرَهُ فيهم ولو للحظةٍ واحدة ، بجوارها كريم الذي فشل في طمئنتها بعدما خانه صوته الممزوج بعبراته الحارة ، بينما يقفُ موسى وآدم بجوارِ بابِ الغرفة لم يحركا ساكنًا منذ دخول فهد هناك ، لدرجة أن الرائي يظنهم تماثيل واقفة بدون روح .
مرت ساعتان أخرتان وهم جميعًا على هذا الحال عدا ميرال وأيسل التان انضمَّتا للنومِ مع الطفلةِ الصغيرة المُتَكوِّرة على أرْجُلِ والدتها كطفلٍ رضيع نائم ، فُتِحَ بابُ غرفةِ العمليات الذي أصدر أزيزًا جعل الثلاثة رجال يتوجَّهُون بأنظارهم فورًا لفاتح الباب الذي خرج مرتديًا ” بالطو ” أبيض طبي ، يبدو من هيئته ووجهه الذي تتلألأ قطراتُ العرقِ عليه أنه الطبيب الجراح .
وقف ثلاثتهم أمامه مُتلهفين ومنتظرين أنْ يتحدث فبادرَ قائلًا : ” تمَّ إيقاف النزيف الداخلي وحمدًا لله أنَّ الرصاصةَ لم تُصِبْ قلبه أو تقترب منه بسبب كثافة العضلات والعظام في ظهره التي لاحظت أنها أكبر حجمًا من أقرانه في نفسِ العمر ، وتلك العظام جعلت مسار الرصاصة ينحرف بضع ملليمترات وهذا أبعدها عن قلبه ” .
لقراءة الجزء الثالث والعشرين
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث والعشرون) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الثاني والعشرين
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثاني والعشرون) |مكتبة فرندة
قاطعه كريم مُستفهمًا : ” كيف حاله الآن ؟ هل هو حي ؟ هل نستطيع رؤيته ؟ ” ، ردَّ الطبيبُ عليه ومازالتْ قسماتُ الجِديّة تعلو وجهه منذ خروجه من الغرفة كأنَّ تلك القسمات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عمله : ” إنه في غيبوبةٍ الآن ، ولا ندري متى ستنتهي أو حتى هل سيكون هناك مُضاعفات أم لا ، ولكن فحوصاتنا ستكون باستمرار عليه لنطمئن كلَّ حينٍ على حالته ” .
صمتَ بضعَ ثوانٍ بَدَتْ كدهرٍ كاملٍ مرَّ على كريم ، ثم أردف : ” يمكنكم رؤيته الآن لكنه في غيبوبة لذا لا أدري إنْ كان يسمعكم أم لا ، حالته مستقرة حتى الآن ، ادعوا فقط ألا تسوء حالته لأنه عندما أخبرتني بنوعِ المسدس الذي اخترقت طلقته ابنك توقعت أن جسده لن يتحمل ولكنه تحمّل حتى الآن ، ولكن أيَّ سوء غير متوقع في حالته تلك سيكون خطرًا عليه ” .
ذهبَ آدم ليوقظ زوجته وزوجة أخيه بينما دخلَ كريم وموسى الغرفة قبلهم ليجدا فهد مُمددًا على السرير أمامهم مُدَثَّرًا من أسفلِ عنقه حتى أخْمَص قدميه بملاءةٍ بيضاء وموضوعًا على فمه وأنفه الجهاز الذي يَمُدَّهُ بالأكسجين ، بينما يصدرُ صوتٌ من جهازِ قياسِ النَبْضِ بجواره المُتصل بأسلاكٍ مُلتصقة بلاصقٍ طبي على صدرِ فهد أسفل الملاءة .
نبضة … نبضة … نبضة … نبضة ، يستمع كريم بإنصاتٍ شديدٍ لتلك النبضاتِ التي تطمئن قلبه قليلًا أنَّ قلبَ ولده الصغير مازال ينبض .
دخلتْ إلى الغرفةِ والدة فهد تنظرُ إليه بينما تهطل عبراتها من عينيها كالمطرِ الهَتُونِ فاقتربت منه ولَثَّمَتْهُ في جبينه لَثْمَةَ حبٍ وحنان ، تقفُ خلفها أيسل التي تحمل طفلتها النائمة تحدقُ في وجه فهد وعينيه المُغمضتين وقلبها يدعو أنْ تُفتح هاتان العينان مجددًا ، ويَنْبَثِقُ ذلك الثَغْر الصغير عن ابتسامةٍ جميلةٍ مجددًا .
أتى الليلُ مُصاحبًا لعيونٍ مازالتْ مُستيقظة لم تَذُقْ النومَ منذ الصباح ، أصبحوا يتناوبون على الجلوسِ بجوار فهد بينما الباقي يذهب ليرتاح قليلًا ، ونادرًا ما يذهبُ أحدهم ليطعمَ نفسه ، أصبحَ الطعامُ كله بلا طعمٍ في أفواههم ، حتى ميرال الصغيرة بعدما استيقظت ظَلَّتْ جالسةً بجوارِ فهد لم تَذُقْ الطعامَ إلا قليلًا لا يكاد يكفي لتتم العمليات الحيوية الأساسية في جسدها .
ظلوا على هذا الحالِ أسبوعًا كاملًا لم يَخْلُ فيه الكرسي بجوار فهد من أحدهم ، يواصلون النهار بالليل والليل بالنهار وفهد مازال في غيبوبته لم يُحرك ساكنًا عدا صدره الذي يهبطُ ويعلو من تَتَابُعِ أنفاسه البطيئة التي تمر عبر حويصلاته الهوائية في رئتيه الصغيرتين لتخرجَ من أنفه في عمليةِ الزفير .
كانَ الطبيبُ يأتي إليهم مرتين يوميًا ليطمئنَ على درجةِ حرارته ونبضه واستقرارِ أنفاسه والأهم من ذلك يطمئنُ على جرحه الذي لاحظَ أنَّ مُعدلَ الْتِئَامِهِ بطيءٌ جدًا مقارنة بالمعدلِ الطبيعي لالتئام جروحٍ كتلك ، وكان هذا ما ينهش في قلبيّ والديه حتى كادَ أنْ يفتكَ بهما .
مرَّ يومان أخران وفهد مازال على تلك الحالة ، ومازالتْ النوباتُ مستمرةً للبقاءِ بجواره حتى أصبحت هناك نوبةً خاصةً لميرال الصغيرة بعدما أصرَّتْ على ذلك لرغبتها الشديدة في البقاءِ بجواره لعله يستيقظ في أيِّ وقتٍ من غيبوبته تلك .
في إحدى نوباتها تذكرت أنها منذ أربعة أيام سألتْ والدتها عن سببِ تسميتها بهذا الاسم وهو اسمُ والدة فهد فقالت لها أيسل أنها منذ أنْ تزوجت من آدم وهي تحبُّ ” ميرال ” زوجة كريم حُبًا جمًا ، وعندما علمت بأمرِ وفاتها وكانت وقتها أيسل حاملًا في ابنتها حزنت كثيرًا وقررت أنه إنْ كانت تحمل فتاة فإنَّ اسمها سيكون ميرال أيضًا .
نظرتْ لفهد وتلك الذكرى تجولُ في خاطرها وتمنت من قلبها أنْ تنتهي تلك الفترة المؤلمة سريعًا ، حتى حلَّ اليومُ العاشر بعد إصابةِ فهد بتلك الطلقةِ النارية …..
لمتابعة الجزء الخامس والعشرين والأخير من رواية سانتوريني :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس والعشرون ) والأخير |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh