المعارضة والوطنية….والزيف.
مشهد من ملحمة ليالي الحلمية للرائع دائماً “أسامة أنور عكاشة”
..لقاء بعد سفر بين سليم البدري(باشا)سليل العائلة الأرستقراطية،وعضو مجلس النواب عن حزب الدستوريين..والمؤممة ثروته بقرارات حركة يوليو ٥٢ وبين زوجته الأميرة نورهان سليلة العائلة الملكية ..
-ازيك يا سليم وازي اللي في مصر “علي” و”عادل” اولادك
-الحمد لله بخير
-واخبار عبد الناصر ايه؟هو لِسَّه بيقاوح برضه؟…قريت في الجرايد هنا انه بيضرب نار علي اليهود
-امال عايزاه يسكت؟..ما لازم يقاوم
-هو محرمش؟..ده قائد الجيش بتاعة الچنرال رياض نفسه مات بقنبله….اليهود مَش هيسكتوا..كل رصاصة هيردوا عليها بقنبلة…..
سليم البدري باشا تعرض لظلم وإجحاف شديد من السلطة في مصر ..يكره عبد الناصر قطعاً وسياساته..ولكنه قادر علي التفرقة بينه وبين وطنة..يشعر بالغضب حين يصادف يهودي في مقهي في باريس يسخر من هزيمة يونيو…يشعر بالفرح حين تغُرق الزوارق المصرية المدمرة إيلات…
..يلتمس طلعت الشماشرجي الموظف السابق في الديوان الملكي العذر للبرنسيس السابقه”معلش اصلها تركي ودماغها ناشفة “…فيما يُرِد سليم(باشا)وانا أصلي صعيدي ودماغي أنشف من الحجر”
…..وكأن “أسامة أنور عكاشة”حي يرزق بيننا،يتفاعل في ما يدور علي صفحات وسائل التواصل الإجتماعي…يعطينا نموذجاً ملهماً للجمع بين المعارضة والوطنية،يحدثنا بكلمات واضحة لا لَبْس فيها انهما لا يتعارضان كما يتصور البعض بدوافع عاطفية ربما…أو باحتقان مقابل من سماجة وفجاجة معسكر الموالاة.
الإستسلام لمشاعر الغضب تُفقد الإنسان بعضاً من إتزانة،او تطرحه أرضاً-ربما-وحقيقة الأمر اننا لسنا بصدد الحديث عن ثنائية حاولنا مراراً الفرار منها ..اما مؤيد للمؤسسة العسكرية وحكمها/إما مؤيد لجماعة الإخوان ….اما مؤيد المعارضة في قاموسك تعني الخيانة،أو معارض لا تعني لك الوطنية الا مرادف للتطبيل.
وحقيقة الأمر ان الإستسلام للثنائيات خيار شعبوي من الجانبين بحثاً واستقواءً بالاغلبية لا خيار عقلاني يحترم الحقيقة،او يقدم قيمة.
هل تعني الوطنية التأييد المطلق بلا عقل كما فعل صالح جودت قديماً ويفعل احمد موسي حديثاً؟
وهل تعني المعارضة التجرد من اي حب للوطن الذي لم نعرف لنا وطناً غيرة،نعيش فيه بأرواحنا وعقولنا وتركناه جسداً؟…هل تعني المعارضه إقامة إحتفالية كرنفالية سنوية بهزيمة عسكرية لبلادنا بالتزامن مع احتفالات من انتصروا؟..دراسة اسباب الهزيمة والقاء الضوء علي اسبابها أمر والسخرية ونشر صور الجنود المأسورون وسيل النكات والصور الساخرة وعدم احترام مشاعر حزن الآخرين ممن فقدوا آبائهم أواخوتهم…أو “كرامتهم”أمر آخر وبينهما مسافات شاسعة.
هل تعني المعارضة الوقوف في معسكر الآخر الطامح والطامع في دور رجل بوليس المنطقة ولو بإرسال جهاديين علي حدود مصر تنتهي مهمتهم فاذا شوارع مصر بحور من الدماء والاشلاء تماماً كما حدث بعد انتهاء مغامرة السادات الساذجة في أفغانستان؟
هل تعني المعارضة نبذ معني الوطنية حقاً…وهل كلمة الوطنية تستدعي السخرية؟..وهل الأمر فعلاً ثنائية؟
التبعية موقف مريح وهو اختيار لمرة واحدة طوال العمر….اما الاستقلال موقف صعب ومتجدد باختلاف زوايا الرؤي الي آخر العمر.
الاستسلام لفكرة الثنائية اختيار مريح وجماهيري ويضفي علي صاحبة بريق بانعكاس كلمات الاستحسان عليه من فريق نكاية في الآخر حتي لو كان موقف يستلزم بالضرورة التجرد من أي قيمة…والبحث عن القيمة يستلزم النحت في الصخر وتحمل عذابات لا تنتهي،وطعنات لا تتوقف في الشرف والكبرياء والكرامة ..وتلك طبيعية الأشياء ومقادير البشر…والمسألة وصميمها اختيار مر …او استسلام حلو المذاق.