النفى .. عقوبه انسانيه ام انتقام ؟
عندما تفتق ذهن الانسان البدائى عن العقاب , اول ماتبادر الى ذهنه هو النفى ,
عزل الانسان عن موطنه , طرده الى الخارج المجهول , النفى فى الوعى البدائى
الاول مستلهم من طرد اّدم من جنة الخلد , حتى بالرغم من عدم ظهور القصه
للانسان الاول الا ان وعيه الذى شكلته ذاكرته السحيقه المتوارثه , استشعر
حجم الالم فى الرفض .
ظهر النفى بصور مختلفه حسب مدى حضارية الانسان فى المجتمعات على مر العصور
وقد كان النبذ هو العقاب الاكثر قسوة , اقتلاع الانسان من جذوره كان هو جهنم فى خيال
الحاكمين والمحكومين معا .
سافر حبيبى وداخل يودعنى
النفى .. عقوبه انسانيه ام انتقام ؟
كان للمفكرين والساسه ورجال الدين الحظ الاوفر من هذة العقوبة , وكان المنفى فى البدايات
يتمثل فى نفى المحكوم الى مكان ناء لا احد به , لا بشر ولا حياه , ثم استوحش
العقل البشرى الى تشييد مدن خاصه بالمنفيين , وجزر , وقلاع حصينة تمنع دخول و
خروج اى شىء
ابى اتمنى ان تسامحنى وان تقول لامى ان تسامحنى .. وتنسانى !
كانت هذة كلمات بيللى هايس (الامريكى المحكوم بالمؤبد فى الاراضى التركيه) لمحاولة تهريب المخدرات من مطار انقره الى الولايات المتحدة , كما كان متداول فى تلك الفتره من
سبعينات القرن الماضى , ولسوء حظ بيلى ان العلاقات السياسيه الامريكيه التركية كانت فى اسوأ احوالها فى هذا الوقت ( السبعينات) , ليقع فى ايدى أمه من الخنازير كما قال بيلى واصفا
المجتمع التركى , فى معرض دفاعه عن نفسه ضد الحكم !
شاهد هذا المشهد الرائع فى افتتاحية فيلم midnight express ولحظة القبض على بيلى
سيبيريا منفى المشاهير
لطالما كانت سيبيريا هى مقصد المنفيين الاشهر و وقد استقبلت العديد من السياسين
والكتاب الكبار على راسهم الاديب الروسى الشهير فيودور دستوفسكى الذى تم نفيه
الى هناك اثر من مره ولتهم مختلفه تتعلق بالثورة وقلب نظام الحكم بعد ان حكم
عليه بالاعدام شنقا ثم عفى عنه القيصر على مشانق الاعدام , تلك الحادثه التى يقال
انها السبب الرئيسى فى اصابة دستوفسكى بالصرع !
وقد ارُخ دستوفسكى لفترة الاربع سنوات التى قضاها فى المنفى فى قصته ” مذكرات من بيت الموتى”
التى وصف فيها سيبيريا بالصحراء الجليديه القاحله , اراضى فى منتهى القسوة
النفى
كانت سيشل هى وجهة المنفيين فى الشرق الاوسط , ولعل اشهر نزلائها الزعيم الراحل
سعد زغلول
للمزيد..
أبناء الزنى كيف صاروا أمراء للمسلمين | مقال أسامة أنور عكاشة الممنوع
, ويرجع تاريخ هذة الجزر الافريقيه الى عام 1756 عندما اكتشفها
البرتغاليون ثم قرروا تركها لتضمها فرنسا اليها , ثم تتنازل عنها لانجلترا فى محاولات
لتحجيم نلبليون بونابارت , بتصبح مقاطعه انجليزيه غير مستقله منذ عام 1903 حتى
سبعينيات القرن الماضى !
والتى وصفها سعد زغلول فى رسائله الى صفيه زغلول بالاراضى الوعره الملتويه , لا صناعه فيها
مساكنها ضيقة خالية من الترتيب والنظام وأسباب الراحة ومفروشاتها غير وثيرة، مأكولاتها محدودة فالغنم لا وجود لها والبقر نادرة ولكن الفراخ كثيرة وأكثر منها السمك ولكن أغلب أنواعه غير جيد، أما الفواكه فقليلة وأقل منها الخضروات التي مع قليلها لا طعم لها
ولا اطباء , يوجد طبيب واحد وهو اصلا جراح ويمارس الباطنه بمساعدة اشخاص غير مؤهلين ,
ولا يوجد بها طبيب اسنان حيث ان عامل البوسته اصبح قاضيا وايضا طبيب للاسنان !!
صًورة نادره لسعد زغلول فى جزيرة سيشل
وأدت خطابات سعد الى صفيه الى كتابتها لخطابات الى المعتمد البريطانى ترجوه فيها ان يصفح عن زوجها
المسن ,وان يرأف بحاله وان يختار له منفى اّخر اكثر اّدميه !
النفى .. عقوبه انسانيه ام انتقام ؟
للشواهد التاريخيه الاثر الاكبر فى تاريخ الانسانية , من رحم المعاناه والكراهيه , تولدت الرحمه فى النهايه
وانبثقت عن سمو الانسان فى تسامحه , وقوته فى عفوه , وانسانيته فى رأفته بأخيه الانسان
فكل ابن ادم خطاء ولكن اّدم لا يجب ان يٌطرد مرتين !
للمزيد..
من بابيليون لـ جورج فلويد .. مٌدانون حتى لو اُثبت العكس ! (فيديو)
لمتابعة المزيد من الكاتب
الحساب الرسمى للكاتب مصطفى حجازى
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh