رواية سانتوريني للكاتب ( أحمد جمال )
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
دقَّ الباب فظهر من العدم صوتٌ ناعمٌ ورقيق يقول بعطفٍ وحنانٍ : ” هل استيقظتِ يا صغيرتي ؟ “
_” نعم يا أمي ، استيقظت توًّا “
قالتها الصغيرة وهي تنظر للباب الذي يُفتَح ببطءٍ وتظهر سيدة شقراء الشعر ، بيضاء الوجه ، مبتسمة الثغر ، رفيعة البدن ، ويبدو عليها التعب الشديد الذي حاولت إخفاءه لكن خانتها الهالات السوداء تحت عينيها ، وافشت ما يحاول هذا الجسد الرفيع إخفاءه ، تلبس عباءة بنيّة فضفاضة واطرافها مائلٌ لونها للذهبي .
دخلت الغرفة وعلى يديها الإفطار لصغيرتها ، فأسرعت الطفلة لتأخذ الإفطار من أمها وتساعدها في حمل الطعام ، ثم جلستا على السرير وقالت الطفلة : ” لماذا اتيتِ بالإفطار هنا يا أماه ؟ ، ألن نأكل في الطابق السفلي ؟ ” ردت أمها باسمةً : ” أردت أن أغيّر روتيننا اليومي ، ألست جائعة يا ميرال ؟ ” قالت ميرال : ” بلى يا أمي ، هيّا لنأكل معًا الآن ” .
حاولت ميرال إخفاء أثر البكاء في عينيها ولكنها غير بارعة في الإخفاء كوالدتها ، كلٌّ منهما لاحظ ما يقبع خلف عيون الآخر من حزن ولهما كل الحق في الحزن ، فحاولتا نزح فيضان الحزن الذي كاد أن يغرقهما ببعض الحكايات القديمة والمضحكة حتى هدأ الفيضان قليلًا ، بعد الإفطار ساعدت ميرال والدتها على إنزال صحون الإفطار ثم بدأتا بتنظيف المنزل سويًّا .
تتجول ميرال في المنزل وتشعر أنها تراه للمرة الأولى ، لكنه منزلها الذي عاشت وتربّت فيه ، فما سبب هذا الإحساس …؟
شعورٌ قوي يقول لها أن تخرج خارج المنزل في هذا الوقت ، لم تعتد أن تتجاهل مشاعرها فهي دائمًا تتبعها وتطمئن لها ، قررت اتّباع حدسها كالعادة ولكنها ستطلب ذلك من والدتها بعد الانتهاء من مساعدتها في ترتيب وتنظيف المنزل فقد كان كبيرًا ؛ مكون من طابقين ، غرفتان في الطابق العلوي واثنتان في الطابق السفلي ، معظمها مظلم ماعدا غرفة المعيشة وغرفة ميرال وغرفة نوم والدتها في الطابق السفلي .
بعد وقت طويل من التنظيف المستمر والمتواصل ، انتهيتا أخيرًا من المنزل كاملًا فجلستا في غرفة المعيشة معًا ، تحدثتا تارةً وصمتتا تارةً أخرى حتى زال تعبهما وإرهاقهما من عناء التنظيف ، فقامت ميرال من مكانها لاستئذان والدتها في الخروج فقد سيطر عليها ذاك الشعور الذي راودها منذ تجولها في البيت وكاد أن يدفعها للخروج بنفسه .
صمتت الأم قليلًا تعجبًا من طلب ابنتها فهي لم تخرج منذ وفاة والدها ، ولم توافق حتى علي ذلك عندما تخبرها والدتها لتلعب وتلهو قليلًا ، كانت ميرال ترفض هذا وتصعد لغرفتها تجلس وحيدة إلى أن تأتها والدتها ليتسامرا حتى النوم .
مرت كل هذه الأفكار في رأس ” أيْسِل ” والدة ميرال بسرعة فائقة ولكنها انتبهت لأبنتها مجددًا عندما قالت : ” هل توافقين يا أمي أم لا ؟ ” فقالت أيسل : ” بالطبع يا صغيرتي ، اذهبي للخارج ولكن لا تذهبي بعيدًا حتى تسمعيني متى ناديت عليكِ ” .
ابتسمت أيسل وقبّلت جبين أبنتها ميرال فابتسمت ميرال وقالت : ” شكرًا يا أمي ، لن أذهب لأي مكان بدون إذنك ، أحبك ” فردت أيسل : ” وأنا أيضًا يا صغيرتي ” ، تركت ميرال والدتها وذهبت للباب لتخرج فلمحت الساعة المعلقة على الحائط فإذا هي السابعة صباحًا…..
_” لقد مرَّ الوقت سريعًا ولم أشعر به فقد مرَّت ساعتان منذ استيقاظي “
جالت تلك الكلمات في ذهن ميرال وهي تفتح الباب للخروج ملبيةً نداء قلبها الخفيت .
لقراءة الجزء الرابع
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الرابع) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الثالث
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثالث) |مكتبة فرندة
تطلّعت ميرال للسماء فإذا السحاب ينزاح عن السماء ليجعلها صافيةً ، كأنها ابتسمت عندما رأت ميرال ، ورحبت بها بنسمات هواء دافئة وجميلة ، ابتسمت ميرال وأغمضت عينيها وأخذت تلتف في دوائر بدون النظر إلى أين تذهب ، كأن السماء قد نفخت بهذه النسمات روحًا جديدةً تعانق ميرال وتُهوِّن عليها مصاعبها قليلًا ، فتحت عينيها وقد أحسَّت بدوار طفيف فقد مرّت مدة طويلة لم تفعل فيها هذا ، ولم تلتف بتلك السعادة التي لا تعرف مصدرها .
شعرت بشيء غريب داخلها ، كأن هناك صوتًا يقول لها ” لا تحزني ” ، شعرت بقلبها يخفق ويا له من شعور فقد كانت في حالة من الركود اعتزلت فيها حواسها ومشاعرها وأحاسيسها كأنهم أغراب عنها ، وها هي الآن عادت تشعر بكل شيء ؛ خفقان قلبها الذي كان كأنه ميت ودبّت فيه الحياة ، نسمات الهواء ورائحة الياسمين التي يعبق بها المكان ، كأن الطبيعة تعرف ما يوجد في مكنون تلك الصغيرة ، فأخذت تكفكف دموع الحزن التي ملأت عينيّ ميرال في هذه الأيام الثقيلة .
أخذت تركض في الحديقة وعلى الحشائش بجوار المنزل ، السماء تعانقها بالنسمات العليلة في هذا الصباح الجميل ، أغصان الشجر تميل عليها كأنها تحميها من أي خطرٍ يأتي ، الطيور تنظر إليها وكأنهم يبتسمون لسعادتها ، كأن الطبيعة نفسها افتقدت ميرال كثيرًا رغم أنها لم تخرج منذ أسبوع فقط ، ليست بالمدة الطويلة التي يشتاق فيها أحدٌ لأحدٍ ولكن هذا الأسبوع مرَّ على الطيور والأشجار والسماء كأنه دهرٌ كامل ، افتقدوا فيه ميرال كثيرًا كأنها هي مَنْ كانت مصدر السعادة والابتهاج في المكان .
رعشةٌ غريبة اجتاحت جسد ميرال ، سهجت الرياح في لحظات ، السحب ملأت السماء ، الطيور اختفت من فوق الأشجار كأنه لم يكن لها وجود ، كادت أن تصرخ وتركض للمنزل ولكن كل هذا اختفى فجأة وعاد كل شيء كما كان .
_” كيف هذا ؟ ولماذا حدث ؟ ومن أين أتى ؟ “
كل هذه الأسئلة راودت ذهن ميرال في تلك اللحظات ، فقد كان الجو أشبه ما يكون بالجنة ثم تبدّل الحال في لحظة واحدة ، وبعد دقيقة أو اثنتين عاد كما كان ، لم يحدث ذلك من قبل لميرال ولم ترَ هذا التبدُّلَ بهذه السرعة قط .
سمعت ميرال صوتًا خلفها فالتفتت لترى أكبر شجرة في الحديقة ؛ شجرة شاهقة الارتفاع وقديمة جدًا وميرال تحبها جدًا لأنها كانت تلعب مع والدها بجوارها وكانت تصعد على ظهره وهو يحاول أنْ يتسلّق تلك الشجرة من أجل إسعادها .
فوجئت ميرال عندما وجدت طفلًا يواجه تلك الشجرة ويضع يده اليمنى عليها وقد ظهر من العدم ، فمنذ لحظات لم يكن هناك أي أحدٍ عند هذه الشجرة ، بل لم يكن هناك أي أحدٍ على الإطلاق حولها ، فقالت له والخوف بادٍ على وجهها وفي صوتها : ” مَنْ أنت ؟ وكيف أتيت إلى هنا ؟ “
التفَّ ذاك الطفل لها فذُهِلَت عندما رأته ، فقد كان يشبهها كثيرًا ؛ شعره الذهبي الذي تلمع خصلاته تحت أشعة الشمس ، عيناه زرقاوتان ، قوي البنية وطويل القامة مقارنة بسنِّهِ وشكله الصغيرين .
ابتسم الفتى ومدَّ يده كي يصافحها وهو يقول……….
لمتابعة الجزء السادس
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السادس) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh