رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

{ فهد }

 

الجو مظلمٌ وهادئ ، صوت اعتلاج الأمواج قادمٌ من بعيد ، لم أذهب إلى الشاطئ من قبل ، لكن من كثرة حديث والدي عنه شعرت أنِّي عشت على شواطئ البحار وليس فقط زرتها ، رأيتُ قنديلًا يضئ من بعيد ، ثم اقترب مني هذا الضوء ، ورأيت الرجل صاحب القنديل يمدُّ يده إليّ في عطف ، واخبرني أن اسمه موسى وأخذنا نتحدث قليلًا بعدما اطمأننت إليه ، ثم اخذني معه لأن القنديل كان علي وشك الإنطفاء .

 

نظرتُ في وجهه المستدير فإذا بعينٍ صادقةٍ وواثقة مما تقول لكن بحارها واسعة ومختبئًا بها الكثير من الأسرار ، احسستُ بصلةٍ بيننا منذ الوهلةِ الأولى فاتَّبعتُ قلبي كالعادة وذهبت معه .

 

 وصلنا أمام منزلٍ لم استبين شكله أو معالمه من الظلام حوله ، لم أرَ منه سوى بوابته الكبيرة السوداء مزخرفة بأشكال جميلة ونقوش ولكن جميعها سوداء أيضًا وضعت يدي علي البوابة كي اتأكد من معالمها وتحسستها فوجدتها خشنة جدًا رغم أن من يراها في الوهلة الأولي يظن انها عكس ذلك تمامًا ، قبل أن يفتح موسى البوابة سمعت صوتًا آخر مختلف عن صوت الموج فتذكرت أن اسأله عن هذه الأصوات البعيدة فبدَّدْتُ الصمتَ القابع بيننا منذ مدة وقلت :

  • هل لي أن اسألك سؤالًا يا سيدي ؟
  • سل يا فتى
  • ما هذه الأصوات البعيدة التي اسمعها منذ وصولي هنا ؟ فقد سمعت صوت اعتلاج الموج فور وصولي والآن سمعت صوتًا آخر
  • يبدو أنك ترهف السمع يا فتي إلى كل ما حولك ، حسنًا سأخبرك ، أنت محق فيما قلت فهذا بالفعلِ صوت الأمواج المتلاطمة من بعيد فهذا المكان كبير جدًا ولكنه في النهاية جزيرة واحدة .
  • جزيرة ! أهذا معقول ؟
  • أجل يا ولدي والصوت الآخر الذي سمعته هو صوت عزيف الرمال علي الشاطئ لكن احذر فالمكان هناك خطر جدًا ولا ينبغي أن تذهب لأي حال من الأحوال فقد تجرُّكَ المياه ولا تعود منها .
  • حسنًا فهمت الآن .
  • لندخل الآن يا فهد انطفأ قنديلي بالفعل .

قالها موسى وهو يفتح البوابة علي مصراعيها ليدخلا……..

للمزيد..

لوكاندة بير الوطاويط عرض بقلم مصطفى عبيد pdf | مكتبة فرندة

وفور أن فتح موسى البوابة رأيت ضوءًا كبيرًا جدًا قادمًا منها حتى أغمضت عيني للحظاتٍ من شدته فقد كنت فترة طويلة في ظلامٍ دامسٍ وبعد لحظات استطعت الرؤية واعتادت عيني علي هذا الضوء فدخلت وراء موسى فذُهِلتُ من جمالِ ما رأيت ؛ غرفةٌ بيضاء احتلَّ اللون الأبيض كلَّ ركنِ فيها ، كل حائط وحتي السقف والثرية المتدلية منه كانت ممتلئة بكريستالات ولآلئ بيضاء تزينها وتجعلها فائقة الجمال ، وكانت هناك مرآه كبيرة في ركن من أركان الغرفة وأيضًا منضدة ولكن لونها ازرق سماوي متدرج من منتصف المنضدة لأطرافها وبجانبها عدد من المقاعد بنفس درجة لون منتصف المنضدة كأن الملوك والأمراء فقط من يعيش في مثل هذه الغرفة ويأكلون علي مثل هذه المنضدة .

لاحظ موسى اندهاشي وتَعَجُبِي من كل ما أراه فقال :

  • أتريد أن تستمع لقصة يا فتى ؟

فقلت وعيناي تبرقان حماسًا لما سيقول :

  • بالطبع يا سيدي أريد .
  • حسنًا ! أحب حب الاستطلاع والفضول لديك ، منذ زمن بعيد ، من أكثر من أحد عشر عامًا حدث أمرٌ غريبٌ لي ولأخي ووصلنا إلي هنا ، وكان من المفروض أن يكون أخي هو الوحيد الذي يأتي لهنا ولكن شاءت الأقدار أن أكون معه في هذه اللحظة فأصبحنا معًا هنا ، وفي البداية كنا خائفين جدًا من ما رأيناه مثلك تمامًا لكن كان ذهولنا أكبر منك لأن المكان لم يكن هكذا حيث وصولنا بل كان مختلفًا كثيرًا .

جلست علي أحد مقاعد المنضدة واستمعت له بإنصات بالغ فأكمل حديثه قائلًا :

  • هذا المكان حي يا فهد ، تذكر هذه الكلمات ، هذا المكان يشعر بمن فيه ويختار من يأتي إليه كما فعل معك ومع أخي كذلك

أخرج موسى زفيرًا طويلًا ثم صمت حتي ظننته لن يتحدث مجددًا فقال :

  • عندما وصلنا إلي هذا المكان وجدنا علامات كأنها ترشدنا على الأرض فتبعناها حتي وصلنا لهذه الغرفة ، بالطبع تتساءل كيف رأينا هذه العلامات فالمكان الآن مظلم وهادئ ، وقتها كان منيرًا أكثر فاستطعنا بوضوح رؤية كل شيء ثم جلسنا نتحدث قليلًا ثم توقف أخي فجأة عن الكلام وقال لي هل تسمع هذا ؟ وكنت لا أسمع شيئًا فقلت بلا مبالاة : ” لا أسمع شيئًا ” وكنت علي وشك إكمال حديثي حتي استوقفتني دموع أخي المنهمرة من عينيه وقال ” إن هذا المكان حيٌّ يا موسى وكأنه يكلمني في رأسي ويريدني ان أبقى هنا طيلة حياتي ولن يتركني مهما فعلت لأعود ولكن ……ولكن…….

لم يستطع إكمال كلماته فعلمت ما يجول بذهنه ، فلقد كان متزوجًا وله بيت وعائلة خاصة وزوجته ليس لها أحد غيره في هذه الحياه ولا يدري ما سيحدث لها إن بقي فاحتضنته وقلت له : “لا تقلق يا أخي ، ستعود لها ، لا تقلق ” وكانت تجول في عقلي فكرة لا ادري أستنجح أم لا .

 

لقراءة الجزء السابع

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السابع) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء السادس

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السادس) |مكتبة فرندة

 

كنت انظر إليه وهو يحكي القصة وقد تأثر بها حتى فرَّت دمعة من عينه فمسحها علي الفور وكان تارة ينظر للسقف وتارة ينظر للمرآة ولم ينظر إليّ ولو لمرة واحدة وهو يحكي وأنا لم اقاطعه ولم أُرِدْ ذلك حتى ، وعندما تحدَّث عن أخيه وزوجته لا ادرى ما حدث لي فبكيت انا الآخر ولكن اخفيت دموعي عنه حتى لا يتوقف عن الحديث فأكمل قائلًا :

  • وعندما هدأ أخي وأطمأن لكلامي وقال لي ” ماذا ستفعل ؟ ” فقلت له ” لا شيء الآن ، فقط اهدأ لنفكر معًا ” ولم اخبره عما في عقلي وبعد لحظات تَشَتَّتَ ذهنه وسبح في أفكاره ولم يعد يرى ما يحدث أمامه ، فخرجت من الغرفة وابتعدت وصرخت بصوت عالٍ : ” من أو ما أنت ؟ وماذا تريد ؟ ” فوجدت الهواء اشتدَّ وصوت صفيرٍ عالٍ اتى من العدم فلم استطع تَحَمُّلَه فقلت وأنا أئنُّ من الألم ” توقف إذا كنت حقًا تسمعني ، توقف “

 

  • فوجدتُ الهواء قد هدأ وعاد لحاله واختفى صوت الصفير، فقلت في عقلي أني سأتكلم بهدوء أكثر ربما يستمع لي حقًا فقلت بصوت اهدأ من ذي قبل : ” لماذا ؟ ، لماذا هو بالذات ؟ فسمعت صوتًا في رأسي لم أفهم كنهه في البداية ولكن اتضح فسمعته يقول : ” لأنه المختار ” ، فقلت : ” إن لديه عائلة خاصة به وحياة كاملة هناك أرجوك اتركه يذهب ، اتركه ” فسمعت الصوت مجددًا يقول ” لا استطيع ” فغضبت وقلت ” ألا تفهم أيها اللعين ، إن لديه زوجة ليس لها غيره ، ستموت إنْ غابَ عنها ” ثم صمتْتُ وأوشكت علي فقدان الأمل وجلست أرضًا ثم تمتمت قائلًا : ” خذني أنا ” فسمعت الصوت مجددًا ولكن بعد مدة طويلة هذه المرة كأنه يفكر في كلامي : ” لكنك لست مثله ” ، فقلت : ” خذني أنا وأعدك أني سأفعل ما تريد ، خذني أنا واترك أخي لعائلته فأنا ليس لدي أحد غيره في الحياة ولكن هو لديه فاتركه” ، فقال لي : ” هل ستضحي بحياتك من أجله ” ، فقلت مسرعًا : ” أجل ، أجل أرجوك اتركه يعود ، سينهار بيته بدونه ” .

 

  • هدأ الصوت وفجأة سمعت صوتًا عاليًا في أرجاء المكان يقول كلمة ما ثم هدأ الصوت وهو يقول نفس الكلمة حتي أصبح يشبه الفحيح ثم سمعت الصوت في رأسي من جديد يقول ” الآن يمكنه العودة ولكن أخبره بنفسك أنك باقٍ هنا ، فهرولت علي أخي وقد بلغ القلق منه مراده في إفزاعه عندما لم يجدني بجواره طويلًا فقلت له : ” عد يا أخي لزوجتك ، سيُسمح لك الآن بالعودة ، عدْ ولا تقلق مجددًا ” ، فقال : ” ماذا فعلت ؟ وكيف نعود من الأساس ؟ ” وقد فرح كثيرًا وامتلأ وجهه سعادة وفرحًا فتصنعت الفرحة حتى لا يحزن وقلت : ” اذهب ولا تسأل فقط اذهب أنت الآن ” وعندما ألحَّ عليّ لأخبره اخبرته بما حدث فدمعت عيناه وهو يقول : ” لماذا يا موسى ، وحياتك ومستقبلك و……” فاستوقفته مبتسمًا قائلًا :

 

  • لا تحزن عليّ ، اذهب فوضع يده علي فمي وقال ” لن اتركك يا موسى أنت أخي ، لن أتركك ” فأمسكت يده وقلت وعيناي ممتلئتان بالدموع : ” سأفتقدك يا أخي ، لا تنساني أرجوك وأنا لن أنساك ” ثم قلت بصوت عالٍ” الآن ، الآن ” فاختفى أخي في الحال وعاد بيته ولم استطع العودة أو مقابلته حتي الآن .

 

صمت قليلًا ثم ابتسم وقال : ” آدم ” ثم أردف بنفس الابتسامة الجميلة المطبوعة علي شفتيه ” اسمه آدم ، لم يكن مجرد أخٍ لي ، كان أبي حين أضعف وأمي حين أبكي وصديقي حين ألعب وألهو وأخي حين أحزن ، كلماته كأنها ممزوجة بالعود تأسرك بتأثيرها ، كان مصدر قوتي وسندي ولم أكن أفعل سوى القليل معه لأجد هذا الفيض منه يغمرني وإنْ عاد الزمان سأفعل ما فعلت مجددًا ليعود لبيته ” .

 

لم استطع تمالك نفسي وبكيت كثيرًا فلاحظ بكائي فاحتضنني وقال ” لا تحزن يا ولدي ، تمالك اعصابك فأمامك طريق طويل ، اهدأ الآن فكفكفت دموعي وقلت له :

  • أتمنى من كل قلبي أن تراه مجددًا وتجتمعا معًا من جديد.
  • وأنا أكثر منك أتمنى هذا .

 

ثم أردف قائلًا :

  • والآن يبدو أنك متعبٌ من تسارع الأحداث اليوم وتحتاج للراحة .
  • في الواقع أنا متعبٌ بحق وأريد النوم كثيراً .

 

  • حسنًا تعالى معي ! فذهبت معه إلي أحد الجدران فضغط على حجرٍ مخفيٍّ في الحائط ، فظهر سرير من الحائط وكان كبابِ الطائرة في ظهوره من الأعلى للأسفل ثم وجدت نفسي أرمي بجسدي عليه وغططت في نوم عميق علي الفور .

 

ضحك موسى وقال : ” الأطفال ! ” ، ثم ذهب وأخرج سريرًا آخر بجانب فهد وجلس يفكر في أخيه قليلًا فقد أثارت القصة مشاعره لأول مرة لأنه يقصها لأول مرة لشخص آخر ثم أخذ الكرى بمعاقد جفنيه فنام طويلًا .

 

لمتابعة الجزء التاسع من رواية سانتوريني :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع) |مكتبة فرندة

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة