رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال
رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة
الفصل الثاني عشر
” الحقيقة المزيفة “
فتحَ عينيه فإذا هو بمكانٍ غريب لا يعرفه ، نظر حوله فإذا هي غرفةٌ مغلقة كبيرة جدًا بدون بابٍ أو حتى نافذةٍ واحدة ، نظر بجواره باحثًا عن ميرال فلم يجدها بل لم يجد حتى السرير الذي كانا عليه معًا يستريحان ووجدَ نفسه على أرضية تلك الغرفة .
تعجَّبَ كثيرًا من الأمرِ ونظرَ حوله مجددًا محاولًا إيجاد أي شيء فوجد الغرفة فارغةً حتى من الغبارِ والترابِ على الأرضية ، نادى بصوتٍ عالٍ لعلَّ أحدًا يسمعه ويردَّ عليه ، لكن الصوتَ الوحيدَ الذي كان يسمعه هو صدى صوته في الغرفة .
كانت الغرفةُ كلها باللونِ البنيّ القاتم لكنها كانت مضيئة ، بحث عن مصدرِ ذلك الضوء ولم يجد شيئًا وباءت كلُّ محاولاته بالفشل .
جلس مكانه يائسًا وحيدًا في تلك الغرفة العملاقة يفكر ماذا سيفعل في هذه الورطة وكيف أتى إلى هنا من الأساس .
وفجأةً سمعَ صوتًا عاليًا خلفه كأنه صوتَ رفرفةِ جناجين ولكن جناحين كبيرين ، وقفَ على قدميه ونظرَ خلفه فوجد طائرًا يشبه الصقر قد ظهر من العدمِ واقفًا أمامه ، طوله يبلغُ المترين ولديه جناحان كبيران جدًا يبلغُ طولُ الواحدِ منهما نحوَ الخمسِ أمتار.
لديه مظهرٌ مهيب ومخيف بعض الشيء ، تفرَّس في وجهه وجسده المكسوين بالريش الذي لونه يتدرَّجُ بين اللونِ الفضيّ اللامع واللونِ الرمادي الغامق عند الأطراف .
سادَ الصمتُ بضع دقائق وفهد ينظرُ لهذا الطائرِ بينما الطائرُ لم يحرِّك ساكنًا بعدما ضمَّ جناحيه إلى جنبيه ، تمتمَ فهد بصوتٍ خفيت مُحدِّثًا نفسه : ” لقد رأيته من قبل ” ثم رفع صوته مُحدِّثًا ذاك الطائر : ” أنا أعرفك ، أنت مَنْ كنت تأتيني في أحلامي وتطير وأنت ممسكٌ بكتفي ” ، ثم أردف بنبرةِ تحدٍ : ” مَنْ أنت وماذا تريدُ مني ؟ ” .
ظلَّ الطائرُ على سكونه حوالي دقيقة أخرى أدخلت الخوفَ لقلبِ فهد الصغير ، فكَّرَ فهد قليلًا وقال : ” كيف أتحدثُ إلى طائرٍ وأنتظر أنْ يردَّ على كلامي ، لقد أصابني الجنون بالفعل ” .
أخيرًا تحرَّك الصقرُ خطوتين للأمام ونظر في عيني فهد مطولًا قبل أن يفتحَ فمه ويقول بصوتٍ قويّ مملوء بقوةٍ وشجاعةٍ تكفيان لإدخال الرهبة في قلبِ مَنْ يسمع الصوت : ” مَنْ قال أنك مجنون ؟ ” ، ثم ضحك بصوتٍ عالٍ بعدما رأى علاماتِ الفزع والاندهاش تشكَّلت على وجهِ فهد وهو فاغرٌ فاه .
أردف بعدما انتهى من نوبةِ ضحكه : ” لا تخفْ يا فتى ، لقد جئت لأتحدَّث إليك قليلًا بالرغمِ من أنْ هذا لم يكن من المفترضِ أنْ يحدث ” ، قال فهد مُتلعثمًا : ” مَن أنت ؟ ” .
ردَّ عليه الصقر بنفسِ النبرةِ القوية : ” قلت لك لا تخف ، سأتحدثُ إليك فقط ” ، ثم أردف بعدما تنفس بعمق : ” ألم تعرفني بعد يا فهد ؟ ” .
قال فهد بعدما عَقَدَ جبينه : ” كيف عرفت اسمي ؟ ” ، ضحك الصقر مجددًا ثم قال : ” لا يوجد مَنْ لا يعرفك هنا ، جميعهم يعلمون مَنْ أنت يا فهد ، وأنا العامل المشترك بينهم ، لأنني أنا مَنْ أوصلتك لهم ” .
لقراءة الفصل السادس عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السادس عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة الجزء الخامس عشر
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الخامس عشر) |مكتبة فرندة
صمت الصقر لبرهة ثم أردف بعدما لم يجد ردًّا من فهد مما يدل على عدم فهمه لما يُقال : ” أمازلت تظن حقًا أن موسى لا يعرفك وتفاجأ بمجيئك ؟ ، أتظن أن أيسل تركتك مع ابنتها كل هذا الوقت وهي لا تعلم مَنْ أنت ؟ ” .
قال فهد مُقاطعًا حديثَ هذا الطائر : ” مَنْ هي أيسل ؟ ، ومَنْ جميعهم الذين تتحدث عنهم ؟ ، وأنت العامل المشترك في ماذا ؟ ، أنا لا أفهمُ شيئًا ، عن أي شيءٍ تتحدث ؟ ، وأيضًا لما أصدقك من الأساس ؟ ، لما أصدق طائرًا متكلمًا ؟ ” .
جاوب الصقر على سؤال فهد الأول فقط مُتجاهلًا سيلَ أسئلته الأخرى قائلًا : ” إنها والدة ميرال أيها الأبله ، مَنْ أقصد غيرها في رأيك ؟! ، جميعهم يعلمون حقيقتك يا فهد ، والداك و موسى وأيسل وأخرون حتى أنا لا أعرفهم ، وأيضًا يعلمون بقدومك باستثناء ميرال ، تلك الصغيرة البريئة صاحبة العيون الزرقاء وحدها مَنْ تفاجأت برؤيتك ، وحدها لا تختلق كلامًا ولا تُمثِّل أمامك لكنها ليست حقيقية ، شيءٌ فيها ليس حقيقيًا حتى هي لا تعلمُ ما هو وستعلمه أنت قريبًا .
صمت قليلًا ثم أردفَ قائلًا : ” أعلم أن ما أقول يبدو غير مفهوم وغريبًا عليك ولكنها الحقيقة ، تلك الحقيقة التي أخفاها عنك والدك ” ، قال فهد مُتعجبًا : ” والدي ! ، هل تعرف مكانه ؟ ، وما دخله بهذا الأمر ؟ ، أنت كاذب ” .
أكمل الصقرُ كلامه مُتجاهلًا نعته بالكاذب وقال : ” ستعلم حقيقةَ قولي بعد يومين من الآن ، ولكن سأخبرك شيئًا ، حتى لا أظلمهم جميعًا بقولي هذا يجب أن تعرف أن بعضهم مجبورٌ على هذا ، إنه يجري في عروقهم مجرى الدم فلا يمكنهم رفضه ” .
صمت فهد تمامًا ولم ينبس ببنت شفه بالرغمِ من أنْه لا يفهم نصف ما يُقال له ، والصقر يرى سيلَ الأسئلةِ المُتقافِزة من عينيه ، تحرَّك الصقر بعيدًا عن فهد قليلًا ثم التفَّ ليواجهه ويقول : ” أنا سانتوريني يا فهد والآن أفِقْ من هذا الحلم ، أفِقْ من تلك الحقيقة المزيفة ، أفِقْ ” .
وقبل أن يدع فرصةً لفهد لقولِ أي شيء اختفى من أمامه فجأة كما ظهر تاركًا فهد وحيدًا مجددًا ، وبعد برهة قصيرة من الزمن سمع صوتًا عاليًا جدًا يصمُّ الآذان يقول له : ” أفِقْ ” .
فتح فهد عينيه فوجد نفسه على السريرِ في غرفةِ ميرال ، لا يتذكر متى غلبهما النُعاس في اليومِ الفائت ، نظر بجواره فوجد ميرال مازالت نائمة ومازالت رأسها تتوسَّد يده ، فأبى أن يحرك يده لكي لا يوقظها ، أغمضَ عينيه بعدما تنفَّسَ الصَعداء وتركَ العنانَ لعقلِه في التفكير .
” أكان هذا حلمًا حقًا ؟ ، لا أظنه كذلك فقد كان حقيقيًا جدًا بالنسبةِ لي ، مَنْ هذا ؟ ، وكيف عرف بكل هذه الأمور ؟ ، وما الشيء الذي أخفاه عني أبي والبقية ؟ ، وهل ميرال حقًا ليس لها علاقة بأي شيء ؟ ، أظن أن هذا هو الشيء الوحيد الذي أستطيع تصديقه الآن ، فمهما كان هذا الأمر المخفي فلا أظن أن لميرال علاقة بأيِّ شيء ” .
أمسكَ فهد رأسه بيده الأخرى عندما ألَمَته من كثرةِ التفكير وقال : ” يا إلهي ، لقد توقف عقلي عن التفكير من كثرةِ ما يحدث ، سأفعل ما أراه صائبًا وما أراه يريح قلبي …….
لمتابعة الجزء الثامن عشر من رواية سانتوريني :
روايةسانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن عشر) |مكتبة فرندة
لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :
رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh