رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي والعشرون) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الحادي والعشرون) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

الفصل الرابع عشر

” الواقع المظلم “

 

فتحَ عينيه وشعرَ أنه كانَ نائمًا لفترة طويلة لكنه متأكدٌ أنه لم ينم ، شعرَ بشيءٍ ثقيلٍ موضوعٍ على رأسه وشيءٍ موضوعٍ في يده ، كانَ يشعرُ بالدوارِ الشديدِ ولا يرى جيدًا ، وكلُّ ما كان يسمعه هو صوتٌ كصوتِ آلةٍ يُكرر ” تحذير ! لقد ماتَ المضيفُ الرئيسي ، تحذير ! لقد ماتَ المضيفُ الرئيسي ” .

حاولَ نَزْعَ ما على رأسه لكنه شعرَ بألمٍ شديدٍ في يده ، فتَحَامَلَ بصعوبةٍ على نفسه ونَزَعَ ما بدى للوهلةٍ الأولى أنها خوذةٌ من معدنٍ ما ، نظرَ ليده فوجدَ قُنَيَّةً طبيةً (كانيولا Cannula ) تخترقُ جلده لِتصلَ لمكانِ وريده ، ومُتصلة بأنبوبٍ صغيرٍ مُتدلٍ من كيسٍ معلقٍ يوجدُ به سائلٌ ما .

نزعَ تلك الكانيولا بصعوبةٍ من يده بسببِ ذاك الدوارِ الذي مازال يشعرُ به ، وأيضًا بسببِ أنها كانت مُلتصقةً بيده بلاصقٍ طبي ، أمسكَ رأسه عندما شعرَ أنه يتحركُ بالرغمِ من أنه ساكنٌ في مكانه .

هدأتْ شدةُ الدوارِ شيئًا فشيئًا ومازال ذلك الصوتُ الآليّ المزعجُ يُرَدِدُ تلك الجملة ” تحذير ! لقد ماتَ المضيفُ الرئيسي ” ، وجدَ نفسه مُمددًا على سريرٍ صغيرٍ يكادُ ألا يَتَّسِع له هو فقط عليه ، قامَ من مكانه وجلسَ على السريرِ بعدما أصبحَ الدوارُ شبه مُخْتَفٍ ، نظرَ خلفه بعدما اتَّضَحَتْ الرؤيةُ له شيئًا فشيئًا بعد اختفاءِ الدوارِ نهائيًا حتى أصبح يرى بوضوحٍ من جديد ففُوجئ بالذي رأى ، وجدَ أنَّ ما كانَ على رأسه منذ قليلٍ هي خوذةٌ مصنوعةٌ من معدنٍ ما ومُتصلةٌ بأسلاكٍ كثيرةٍ تمتد حتى تتصل بآلةٍ كبيرةٍ جدًا هي مصدرُ ذلك الصوتِ المزعج ، ثم نظرَ لما كان مُتصلًا بيده ولذاك الكيسِ المُعلقِ فوجدَ عليه كتابةٌ بلغةٍ لم يفهمها ولكنه متأكدٌ أنها ليست الإنجليزية ، ولاحظ مُلصقًا صغيرًا موضوعًا على الكيسِ مكتوب عليه باللغة العربية ( مُنَوِّم ) .

نظرَ لتلك الآلةِ مجددًا ؛ آلةٌ كبيرةٌ جدًا لا يعرفها ولم يرها قبلًا ، كانتْ مُكونةً من كثيرٍ من القطعِ والأجزاءِ المُتصلةِ معًا بأسلاكٍ كبيرةٍ وصغيرةٍ ، نظرَ حوله فوجدَ أنه في غرفةٍ كبيرةٍ جدًا بيضاء ، لاحظَ وجودَ ألواحٍ زجاجية كثيرة مثل المرايا لكنها شبهُ شفافة موضوعة رأسيًا على أرضيةِ الغرفةِ يَفصلُ بين كلِّ لوحٍ والآخر حوالي متر واحد ، وفي نهايةِ الغرفةِ لوحٌ كبيرٌ جدًا كأنه يفصلُ تلك الغرفة عن شيءٍ آخر لم يستطع رؤيته بسبب أنَّ هذا اللوحَ عبارةٌ عن مرآةٍ ضخمة وليس فيه من الشفافية ما في الألواح الأخرى .

وجدَ سريرًا عليه رجلٌ مُمددٌ وعلى رأسه تلك الخوذة العجيبة وفي يده تلك الكانيولا أيضًا ، وعندما بحثَ بعينيه وجد سريرًا ثالثًا ثم رابعًا ثم خامسًا وجميعهم عليهم أشخاص بنفسِ الطريقةِ الذي كانَ عليها قبل أنْ يستيقظ ، وقفَ على قدميه فأمسكَ السريرَ مُسرعًا لأنَّ توازنه كاد أنْ يختل ويقعَ أرضًا ، وبعدما اتزن جسده مجددًا ذهبَ لأقربِ سريرٍ له ليرى هويةَ الرجلِ الذي عليه .

شهقَ فهد عندما وجدَ أنه والده فنزعَ تلك الخوذةَ سريعًا ونَزعَ ببطءٍ تلك الكانيولا المُتصلة بيده فوجدَ أنه لا يتحركُ ولكن تنفسَّ الصَعداء عندما سمعَ صوتَ أنفاسه وتأكدَّ أنه لم يمت ، ظلَّ يهزُّ جسده وينادي عليه قرابة الخمس دقائق حتى فتحَ عينيه ونظرَ لفهد ثم نظرَ حوله وقال مُتعجبًا : ” فهد ! ما الذي حدث ؟ وكيف حدث هذا ؟ ” ، وعندما وجدَ تلك الأسرّة انتفضَ من مكانه وذهبَ لكلِّ سريرٍ يَنْزِعُ الخوذةَ عن رؤوسهم والقُنَيَّات الطبيةِ المُتصلةِ بأوردتهم ، وعندما انتهى عادَ لفهد وقال له : ” كيف استيقظت ؟ هناك مُنَوِّمٌ مُتصلٌ بك وبنا جميعًا ! ” .

 

لقراءة الجزء العشرين

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء العشرون) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء التاسع عشر

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع عشر) |مكتبة فرندة

 

وقبل أنْ يقولَ فهد أي شيء ذهبَ كريم لتلك الآلةِ ليوقفَ ذاك الصوت الذي أصابهما بالصداع ووقف أمام لوحِ التحكمِ الخاص بها المُتصل بشاشةٍ كبيرة نسبيًا ، وضَغَطَ بسرعةٍ كبيرة على الأزرار ثم ضغطَ على زرٍ بجانبِ لوحِ التحكم فانطفأ الصوتُ على الفور ، ثم عادَ لفهد الذي ردَّ عليه بنبرة جادة : ” ما الذي تخفيه عني ؟ أخبرني الحقيقة الآن يا أبي ، فعقلي لم يعد يَتحملُ هذا ” .

زفرَ كريم بقوةٍ تدلُ على حزنه وجلسَ على السرير بجواره فهد وبدأ كريم حديثه وهو يشيرُ لجزءٍ ما في تلك الآلة : ” هذا يَقرأُ ويَرصُدُ ويُحلِّلُ الإشاراتِ العصبية في مخ الإنسان ” ، وأشارَ لجزءٍ آخر ثم قالَ : ” وهذا مسئولٌ عن معالجةِ تلك الإشارات وتحويلها لبياناتٍ رقمية يمكن التعديل عليها ” ، ثم أشارَ للخوذةِ وقال : ” تلك الخوذة هي الناقل العصبي الذي ينقل عقل ووعي الإنسان الذي يرتديها إلى العالم الافتراضي أو الرقمي الذي تم صنعه بواسطة المعالج الثانوي لتلك الآلة وهي تخدع العقل البشري وتجعله كأنه في حلم ولكنه حلمٌ زائفٌ وصناعي وصاحبُ ذاك العقل لا يعرف أنه في حلم ويتم التحكم في كلِّ شيء في ذاك الحلم ماعدا الإنسان نفسه لأنه عقله ليس رقميًا أو افتراضيًا ككل شيء هناك ” .

نظرَ فهد لأبيه وعلاماتُ الدهشةِ تكسو وجهه وقال : ” وكيف عرفتَ كل هذا ؟ ” ، نظرَ كريم للأرضِ بحسرةٍ وندمٍ وقال : ” لأنني أنا مَنْ اخترعتُ تلك الآلة ” ، سمعا صوتًا خلفهما يقول مُتعجبًا : ” ماذا ! أنت صنعتَ هذا الشيء ؟ ” .

نظرا خلفهما فإذا هو موسى يجلس على السرير بعد أنْ زالَ عنه أثرُ ذلك المُنوم ثم انضم إليهما بعدما طلب منه كريم ذلك ، فقال فهد : ” أتعرفان بعضكما البعض ؟ ” ، فقال موسى لكريم : ” ألم تخبره بعد ؟ ” ، فنظرَ كريم لفهد وقال : ” موسى أخي يا فهد ” .

ردَّ فهد مُندهشًا مما سمع : ” ولكن أخاه هو آدم ، هو أخبرني بهذا ” ، فأردفَ كريم : ” هذا صحيح ، آدم هو أخونا ” ، اتَّسَعَتْ حدقتا عينيّ فهد من المفاجأة ثم قالَ بعدما حاولَ فَهْمَ ما يجري حوله الآن : ” آدم هو عمي أيضًا ، أتقصدُ أنَّ ….. ” ، قاطعه صوتٌ أُنثوي قادمٌ من خلفهم : ” نعم يا فهد ، ميرال ابنة عمك و أنا زوجته ولكنها لا تعرفُ هذا أيضًا مثلك ” .

أمسكَ فهد رأسه وقد تَذكرَّ شيئًا للتو : ” إذًا كانَ كلامه كله صحيحًا ، أنت تعرفُ ميرال ووالديها وميرال لا تعرفُ شيئًا ، وأنت يا أبي مازلت تخفي شيئًا ، أليس كذلك ؟ ” ، نظرَ له كريم بعدما عَقَدَ حاجبيه وقال : ” مَنْ كانَ كلامَه صحيحًا ؟ ” ، فقال فهد : ” الصقرُ سانتوريني ” .

ذُهِلَ كريم وموسى مما سمعا للتو فقالَ كريم : ” هل سانتوريني ساعدك على هذا ؟! يبدو أنَّ هذا ما أخلَّ بتوازنِ البروتوكولات المُتَّبَعة من قِبَلِ الآلة ” وتبعه موسى وقال : ” هل سانتوريني بعد كل هذا مجرد صقر ؟! ” ، فقال فهد مُجيبًا على والده : ” نعم ، هذا ما حدث ، أخبرني بذلك وأخبرني أيضًا أنه ليس من المفترض أنْ يفعلَ هذا ” ، فرد عليه كريم : ” ولكن أنَّى له أنْ يعرفَ تلك المعلومات ؟ ، إنها موجودة فقط ضمن معلومات الخادم الرئيسي في هذا المكان وليست من ضمن موسوعة بياناته التي أضفتها له بنفسي ” .

أمسكَ كريم رأسه بعدما أدرك شيئًا للتو فقال : ” الآن علمت ما يحدث ! ” ، جذبتْ كلماته انتباهَ الجميع ونظروا إليه وهم ينصتون لما سيقول ، كادَ كريم أنْ يتحدث ولكن سمعوا جميعًا صوتًا صغيرًا رقيقًا يعرفه فهد جيدًا ، فركض مُسرعًا ليرى مصدر هذا الصوت فوجدَ فتاة صغيرة ؛ وجهها أبيض مُشرَّب بالحُمرة وعيناها عسليتان جميلتان فوقهما شعرها البني الفاتح القريب لونه من لون عينيها .

ما إنْ رأتْ تلك الفتاة فهد حتى احتضنته بقوة وهي تقول : ” أين ذهبت يا فهد ؟ ” ، شلَّتْ الصدمةُ جسدَ فهد ومنعته من الحراك ثم قال : ” مَنْ أنتِ ؟ وكيف عرفتِ اسمي ؟ ” ، تركته الفتاة عندما سمعتْ سؤاله ونظرتْ إليه وقالت : ” ماذا حدثَ لك ؟ كيف لا تعرفني ؟ أنا ميرال يا فهد ” ، عَقَدَ فهد حاجبيه وقال مُتعجبًا : ” ميرال ! ولكن ميرال ….. ” ، لم يُكمل جملته وصمت وبعد بضع ثوانٍ قال بنبرةٍ تُوحي أنه اكتشف شيئًا : ” لقد فهمت الآن ” .

تمتم قائلًا بعدها وقال : ” ميرال لا تعرفُ شيئًا ، بها شيءٌ غير حقيقي حتى هي لا تعرفه ، إنه وجهها ولكن لمن كان هذا الشكل الذي رأيته هناك ؟ ” صمت قليلًا ثم أردف مُتمتمًا : ” هذا يجري في عروقهم مَجرى الدم ، كانَ يقصدُ المُنوم ، كانَ يعلمُ أنَّ هذا كله حلم ” ، ثم قال بصوتٍ عالٍ مُوجهًا كلامه لوالده : ” كانَ كلامه صحيحًا يا أبي ، كلُّ ما قاله صحيح ” .

 

لمتابعة الجزء الثاني والعشرين من رواية سانتوريني :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثاني والعشرون) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة