رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع عشر) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء التاسع عشر) |مكتبة فرندة

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال 

رواية مسلسلة مليئة بالغموض والإثارة

 

الفصل الثالث عشر

” ثوران البركان الداخلي “

 

فتحَ عينيه فإذا به بتلك الغرفةِ العملاقةِ مرةً أخرى ، فأدرك أنَّ هذا الطائرَ قادمٌ إليه مجددًا كما حدث من قبل ، لا يدري كيف سيتحدث معه ولكن عقله يمتلئ بأسئلةٍ لا حصرَ لها يود أنْ يعرفَ الإجابة عليها ، جلس على أرضيةِ الغرفة مُنتظرًا ولكن أحدًا لم يأتِ ، انتظر وقتًا طويلًا حتى أحسَّ أنه لن يأتي وشعر بالملل فأخذ يفكر قليلًا فكان أول شيء خطر على باله صورة ميرال في ذهنه .

تذكَّرَ عندما رأته أول مرة وأماراتُ الخوفِ التي كانت تعلو وجهها ، وكيف حاول جاهدًا أن يطمئنها حتى نجح في النهاية ، تذكر كلامهما معًا في الحديقة وفي غرفتها ، تذكر بكاءها عند رؤيتها لرسمتها تلك وكيف ضمَّها لصدره ليخفِّفَ عنها ما بها ، لم يعلم ماذا يقول فقال ما خطر على باله وقتها وعندما انتهت كلماته ضمَّها لصدره ، أحسَّ أنْ هذا سيشعرها بالطمأنينة والهدوء قليلًا وقد حدثَ بالفعل .

لَاحَ على شفتيه شبحُ ابتسامة عندما تذكر ابتسامتها وضحكتها اللتان تسعدان قلبه وهو يعلمُ أنه سببُ تلك الابتسامة الرقيقة على ثَغْرِها وتلك الضحكة العذبة المُنطَلِقة من قلبها الصغير ، قال في نفسه مُجاوبًا على ذلك السؤال الذي سأله لنفسه من قبل : ” نعم ، إنَّ هذا حقيقي ” .

اضطرابه وتَلَعْثُمُهُ عندما كان يتحدث إليها حقيقي ، انشغالُ عقله الدائم التفكير بها بالرغمِ من كمِّ الأمور الهائل الذي يشغله حقيقي ، خفقانُ قلبه المُتزايد كلما اقتربت منه أو نظرت إليه حقيقي ، سعادةُ روحه عندما تضحكُ أو تبتسمُ ويكون هو سبب ذلك حقيقية ، كلُّ ذلك حقيقي ، كرر ما قاله مرة أخرى والابتسامة لم تَزَلْ معالمها مِنْ على وجهه : ” نعم ، إنَّ هذا حقيقي ” .

هذا القلبُ الصغيرُ وذلك العقلُ المنيرُ سكنا قلبه الكبير ، أصبحا الآن يتخذان من قلبه منزلًا بعدما اخترقا قلبه بسهامهما التي لا تتركُ ندوبًا ولا تجرحُ قلوبًا .

كان قلبه سعيدًا باحتلال قلبها له كأنها ملكةٌ عادت لمملكتها منتصرةً وليس احتلالًا ، عادَ من شروده عندما سمع صوتًا خلفه يقول : ” لما طلبتني ؟ ” ، نظرَ خلفه بعدما قام من مجلسه فوجدَ الطائرَ قد أتى أخيرًا ، فأخبره أنه يريدُ بعضَ الإجاباتِ على أسئلته ولكن في البدايةِ قالَ له : ” كيفَ علمتَ أني أريدك ؟ ” ، فردَّ عليه الطائرُ : ” لي طُرُقي الخاصة في معرفةِ ما أريد ، والآن أخبرني ما تريد ” .

قال فهد : ” حسنًا ، أولًا كيف يكون اسمك سانتوريني وهو اسمُ المكانِ الذي فيه السيد موسى ؟ ” ، ضحكَ الطائرُ ضحكته الجَهُوريّة المعهودة ثم قال : ” ظننتُ أنك اكتشفتَ هذا بنفسك ، أنا بنيتُ هذا المكان كله وأسميته على اسمي ، ولكن اسمي كبيرٌ بعض الشيء لذا فيمكنك مناداتي بالصقر ، فأنا أشبهه إلى حدٍ ما غير أنني أضخمُ منه كثيرًا وأستطيعُ الكلام ” ، أنهى كلمته الأخيرة بضحكةٍ أخيرة ثم أردف : ” لا أظنُّ أنك تريدني لتسألني عن اسمي ؟ ” .

رد عليه فهد : ” هذا صحيح ، لكن إنْ كنتَ انت مَنْ بنى هذا المكان فلِما هو مظلمٌ هكذا منذ سنواتٍ عديدة ” ، ردَّ عليه الصقرُ متعجبًا : ” سنوات ! ، أتُسمي العشرةَ أيامٍ التي مضت سنواتٍ عديدة ، إنه هكذا منذ عشرةِ أيامٍ فقط ” .

قال فهد بتَعَجُبٍ أكبر : ” لكن السيد موسى قال لي ….. ” ، استوقفه الصقرُ قائلًا : ” أعلمُ ما قاله لك ، أنا أسمعُ وأرى كل ما يحدث في هذا المكان ، إنه مملكتي الخاصة ألا تذكر ! ، لقد كذبَ عليك موسى بهذا الشأن ” ، سأله فهد بجدية : ” ولما أصدقك الآن ؟ ” .

قال الصقرُ بلا مبالاة : ” لا تصدقني إنْ أردت ، ولكن إنْ كنتُ كذبتُ عليك قبلًا فلا تصدقني الآن ” .

  • حسنًا ، لدي سؤالٌ آخر .
  • سَلْ يا فتى .
  • كيفَ أعرفُ حقيقةَ الأمورِ هنا ؟
  • سأكون صادقًا معك يا فهد ، أنا لا أعرفُ الحقيقة ، شيءٌ ما أو شخصٌ ما يحجبها عني وعنك ، أنت مُراقَبٌ ، مُراقَبٌ بشدة
  • مُراقَب مِنْ مَنْ ؟
  • لا أعرفُ حقًا ، لكن ما أعرفه أنَّ كلَّ ما يحدث لك مُرَتَّبٌ له ترتيب دقيق جدًا ، كلُّ الأحداثِ التي حدثت وستحدث لك تم الترتيب لها من قِبَلِ شخصٍ مجهول لا أعرفه ، ولكن احذر ! ، إنْ حدثَ شيءٌ مخالفٌ لما تم ترتيبه يمكن أنْ يؤثرَ عليك بالسلب وقد يصلُ الأمرُ لموتك .

 

لقراءة الجزء الثامن عشر

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء الثامن عشر) |مكتبة فرندة

 

 

لقراءة الجزء السابع عشر

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء السابع عشر) |مكتبة فرندة

 

  • موتي ! شيء مخالف ! ماذا تقول ؟ ، لما تتعمَّد إخافتي ؟
  • فكر في الأمر ، وربما موتك هنا ليس بهذا السوء الذي تعتقده إنْ رأيت الحقيقة كاملة .

صمتَ الصقرُ قليلًا ثم قالَ مُكملًا كلامه : ” سأخبرك سرًا ، الوقتُ بين يدي ، أستطيعُ التحكمَ فيه بسهولةٍ كبيرة ، كيفَ تظنُّ أنك كنتَ ترى الزمنَ يتسارعُ أحيانًا ويتباطأ أحيانًا أو يقف أو حتى يعود للوراء ، أنا مَنْ فعلت هذا ، أنا مَنْ أوصلتك لهنا ، أنت فتًى طيبٌ يا فهد ولهذا لك عندي طلب واحد ، نادني في أي وقت وسأُلبِّي لك الطلبَ مهما كان ، لا أستطيع مساعدتك أكثر من هذا ، وكما قلت لك قبلًا ، أفِقْ مِنْ هذا الحلم ، أفِقْ يا فهد ، أفِقْ ” .

فتح فهد عينيه فوجد نفسه في الغرفةِ التي كان بها قبل نومه ، لا يصدقُ أنَّ ما رآه كانَ حلمًا بل يظن أنه يتم نقله بطريقةٍ ما لهذا المكان ثم يعودُ لغرفته بعد انتهاء كلامهما معًا ، قامَ مِنْ على السرير ونزلَ للطابقِ السفلي فوجدَ والدة ميرال قد استيقظت بالفعلِ مبكرًا وتُعِدُّ الطعام فساعدها على إعداده كما فعل اليوم الفائت ، ثم جلسا على الطاولة يتناولان الطعام بدون ميرال لأنها لم تستيقظ بعد ، وبعد الانتهاء من الطعام قالت أيسل له : ” هيا جهِّزْ نفسك ، سنذهبُ للبحثِ عن والدك الآن ” ، فقال لها : ” بدونِ ميرال ؟ ” .

فقالت : ” نعم ، ستتدبرُ أمرها عندما تستيقظ ” ، ردَّ فهد متعجبًا : ” إنها صغيرة على هذا ، سنأخذها معنا من فضلك ” ، نظرتْ أيسل له وتنفستْ بعمقٍ ثم قالتْ : ” اذهب وأيقظها ” ، ذهبَ سريعًا لغرفةِ ميرال ثم أيقظها وأخبرها بما حدث فشكرته على عدم تركه لها وحيدة في المنزل ، وهبطا معًا فتناولت ميرال طعامها سريعًا ثم خرجوا جميعًا من المنزل ، في البدايةِ أخذوا يتجولون في الطرقات لعلهم يرون كريم وهو يبحثُ عن فهد ، وبعد مدةٍ طويلة أرهقتهم جميعًا اقترح فهد أن يذهبوا لقسمِ الشرطة لعلَّ كريم قدَّمَ بلاغًا باختفاء ابنه ، هذا ما توقعه فهد عند اقتراحه لهذا الأمر ، فوافقت أيسل على هذا الاقتراح وذهبوا لقسم الشرطة منهكين من كثرةِ الحركةِ والبحثِ طوال النهار .

عندما وصلوا لقسمِ الشرطةِ علموا أنه لم يتم تقديم أيِّ بلاغٍ بفقدانِ طفلٍ طوال هذا الشهر ، فأخبرَ فهد الضابط أنه لا يعرفُ مكانَ والده ووصفَ له شكله بالتفصيل ، فسأله الضابطُ عن مكانِ بيته ، فقال فهد : ” لا أعرفُ المكانَ تحديدًا ، فكرتُ كثيرًا وفشلت ، لكن يمكنني أنْ أُريك شكله ، تعال معي وسأُريك ” ، ذهبوا جميعًا مع فهد والضابط ، وفوجِئتْ أيسل أنَّ فهد قادهم لمنزلها ثم قال فهد مُوجِّهًا كلامه للضابط : ” بيتي يشبه هذا البيت تمامًا من الخارج ، لا يوجدُ فرقٌ يُذكَرُ بينهما ” .

اتَّسعتْ حدقةُ عينِ أيسل من الصدمة وسرعان ما أخفت اندهاشها ، لكن فهد لاحظه ولم يُعلِّق عليه ، ذهبَ الضابط بعدما أخذَ مواصفاتِ المنزلِ كاملة وأضافها لمواصفاتِ والدِ فهد ورقم هاتفهم وأخبرهم أنه سيبحث بدايةً من اليوم نفسه ، وإنْ وجد شيئًا سيتصل على هذا الرقم فورًا .

دخلتْ أيسل المنزل وتعلو وجهها علاماتُ الحيرة مما قاله فهد وتركت فهد وميرال في الحديقة بعدما طلب فهد منها أن يبقى خارجًا لبعضِ الوقت فطلبت ميرال كذلك أيضًا ، أخذا يتحدثان ويمرحان كثيرًا حتى حلَّ منتصفُ الليلِ ونسيا أنهما لم يأكلا شيئًا منذ الصباح بل لم يشعرا حتى بالجوعِ من كثرةِ كلامهما ومَرَحِهما معًا ، فدخلا المنزل وطلبا من أيسل أنْ تُحضر لهما الطعام فأحضرت لهما الطعام الذي كان مُعدًّا مُسبقًا ووضعته أمامهما ، وأخذا يأكلان بنَهَمٍ من شدةِ جوعهما وعندما أنهيا الطعام قالت أيسل : ” يبدو أنَّ الطعامَ أعجبكما ، هذا الطعامُ كانَ طعامَ آدم المُفضل ” ، فأسرعت ميرال بالرد وهي مُبتسمة : ” أحقًا أبي كان يحبُّ هذا الطعام ، إنه لذيذٌ بحق ” .

انعقد لسانُ فهد عندما سمعَ اسمَ آدم وكلامَ ميرال أنه والدها واتَّسَعتْ حدقتا عينيه من هولِ الصدمةِ التي حلَّتْ برأسه الآن ، أخفى تعابيرَ وجهه سريعًا وطلبَ أنْ يذهبَ للنومِ مُتعللًا بشعوره بالتعب من بحثهما الطويل طوال النهار ، صعدَ لغرفته التي ينامُ فيها وأغلقَ البابَ خلفه سريعًا وجلسَ على السرير يفكر ، فقد أدركَ شيئًا للتو يمكن أنْ يَقُودَهُ لما يريد …….

 

لمتابعة الجزء العشرين من رواية سانتوريني :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال (الجزء العشرون) |مكتبة فرندة

 

لقراءة رواية سانتوريني ومعرفة أحداثها من البداية :

رواية سانتوريني للكاتب أحمد جمال Mp3 |مكتبة فرندة

 

 

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

شارك المقالة