ميت عاد إلى الحياة .. بقلم أشرف غازي 

ميت عاد إلى الحياة .. بقلم أشرف غازي 

ميت عاد إلى الحياة بقلم أشرف غازي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح أحد الأيام رحت أُراقبها من خلال النافذة، وسمعت أصوات جلبة تأتي من داخل منزلهم فعرفت أنها تستعد للنزول.

فأعددت كوبًا من الشاي مع قطعتين (كيك ) مراسم الفطور اليومي، ولكنها لم تُمهلني حتى أُكمل فُطوري فقد سمعت صوت إرتطام الباب بشدة فخطفت كتبي بحركة بهلوانية وهرولت مُسرعًا نحو الباب، وحينما فتحته وجدتها أمامي مباشرة، فقلت لها متلعثمًا:

– صباح الخير
فردت بتمهل، ثم طالت فترة صمت بيننا ونحن نهبط درجات السُلم، وحينما خرجنا للشارع أحسست أنها ربما استشعرت الحرج لسيري بجانبها على هذا النحو فاستجمعت كل شجاعتي ووضعتها في جُملة:
_ نُهى كنت أود أن أسألك في أمر ما!
فقالت باقتضاب:
– خير
فقلت وقد غابت عني الفكرة:
– لن أستطيع الكلام هنا
فنظرت لي نظرة لا تخلو من دهشة فأصابني حرج بالغ، فأكملت قولي حتى لا تظن بي الظنون، أشعر أن بكِ شيء ما، وأراكِ على الدوام مُنكبة على قُصاصات ورقٍ تُلملمينها من هنا وهناك، وهذا الهزال الذي أصابك، ونظراتك الشاردة، وكثيرًا ما تصادف وجودي بجوارك ونحن نهبط درجات السُلم ولم تعيريني أدنى إلتفاتة وكأني فضاء أو هواء.
فنظرت لي وكأنها تراني للمرة الاولى وقالت:
– حازم انتظرني بعد الثالثة حالما انتهي من محاضرتي الثانية وسأشرح لك الأمر، أسعدني إهتمامك.

أمر غريب أن تتراكم بداخلك أحاسيس متناقضة، شعور بالإعجاب يُخالطة شعور بالشفقة ولم يرتقي الأمر بالطبع ليصبح حبًا، لكني لا أكذبكم القول صرتُ أتلهف للحديث معها، وبي من الشوق لمعرفة ماذا حدث لها ما يصعب وصفه.

مر عليَّ هذا اليوم طويلًا وانتظرتها خارج أسوار الجامعة، وحينما أتت عرضت عليها أن نجلس في مكان هادىء فقالت لا وقت لديّ، سأشرح لك الأمر ونحن نسير إلى البيت
ثم أكملت تقول:
حازم اسمعني جيدًا لولا أني أثق بك وأضعك في منزلة يعلمها الله ما صرحتُ لك بهذا
فقلت كلي آذان صاغية
فلملمت شتات نفسها ثم أطلقت تنهيدة حارة تعبر عن عمق المآساة ثم قالت:
_لم أكن أدري أنني سأقف هذا الموقف العسير، كنت أسخر من صديقاتي اللاتي كن يحكين لي عن الحب وجنونه وغلبةُ امره وعنفوانة الذي يصل إلى أبعد مدى، واليوم أرى أن كل ما سمعته منهن لا يفي الأمر حقة لا من قريب أو بعيد، لقد أحببت يا حازم حبًا يفوق كل حد، ويتخطى كل تصور

 

التقيت به منذ عامين كان في الفرقة الرابعة وانا في الثانية، أحببته منذ الوهلة الاولى وكأن سهام (كيوبيد ) كانت حاضرة فانطلقت لتوها، كان موهوبًا بحق هادئ الطباع عفيف الروح حلو السريرة.

تعرفت علية في المكتبة، كنا نبحث عن كتاب واحد (مبكي العشاق) ليوسف السباعي لم يكن منه سوى نسخة واحدة وحينما أعياني البحث عنه ولم أجده سألت المشرفين على المكتبة فأخبروني أنه موجود بالفعل، وبالنظر في قائمة الإستعارة الخارجية وجدوا أنه بالمكتبة.
وفي خضم تلك الأحداث وجدته بجانبي يبتسم ثم مد لي يده بالكتاب دون أن ينطق، فقلت له هل انتهيت منه:
فقال لا
فقلت انتهي منه أولا وفي الغد أستعيره منك.
فتهللت أساريره من قولي وكأنه كان يود ذلك

في الغد كانت في إنتظاري مفاجأة مدوية، وجدت الكتاب وإستعرته وأخذته معي للمنزل، وحينما هممت بفتحه لم أدري لم وجدتني أعود بالذاكرة إلى حيث صورته وهو يبتسم ويمد لي يده بالكتاب.
فتحت الكتاب فإذا بوردة ذابلة قد توسطته، وورقة صغيرة جدًا كُتب عليها:
رُب صُدفة خيرٌ من ألف ميعاد!
لن أقول لك أنني إستشطت غضبًا، أو أحسست بضيق، بل قل أني كدتُ أرقص طربًا، وبرغم أني لم أتبين ملامحة بعد ولم تستقر بداخلي إلا أني شعرت بسعادة غامرة.
أصبحت أدخل المكتبة كل يوم وأتلفت حولي بحثًا عنه، وتحدثنا كثيرًا بعدها وتوطدت علاقتنا وصار جزءٌ مني، بل قل صار كلي وصرتُ كله، الحب يا سيدي يصنعُ المعجزات.

وعرفت أنه يكتب القصة القصيرة وكثيرًا ما قرأ عليّ بعض قصصه وكنت من أشد المعجبين بكل ما يكتب بل إني أراه أفضل بكثير من بعض الكتاب الموجودين على الساحة، ولكن الأيام لا تعطي المرء كل ما يتمنى، وربما يأتي الحزن في عز السعادة.

فبينما نحن أسعد مخلوقين على وجه الدنيا إذ به يُصاب بداءٍ لا شفاء منه، واخبرني بذلك ومقلتيه ملأى بالدموع.

قال لي أنه ليس بحزين على إنقضّاء الأجل، بل كل حزنه أنه سيمضي ويتركني، ولكنه القدر الذي لا نملك رده أو الإعتراض عليه، فقلت له في محاولة مني للتسرية عنه:

– أُريد منك كل قصصك التي كتبتها
فقال مبتسما:
لما؟!
فقلت سوف أُخلدُها، سوف أجعل منها مجموعة قصصية يقرأها الجميع، أنت بالفعل موهوب وتستحق أكثر من هذا.

فقال بحزن عميق ولكني لم أكتبها في موضع واحد بل هي قُصاصات ورق غير مُرتب وأوراق مهترئة، فكُنت كلما حضر الإلهام كتبت على أي شىء يُصادفني.

بعد مرور أيام قلائل على هذا اليوم أتاني خبر موته، وجاءتني شقيقتةُ وفي يديها حقيبة بها كل ما كتب، وكانت تلك هي القُصاصات التي رأيتني منكبةٌ عليها.

حينما وصلت لتلك الأحداث من قصتها لم استطع منع نفسي من دمعة كبيرة ترقرقت في مقلتي.

وقطعتُ عهدًا معها بأن أكون بجانبها حتى يخرُج الكتاب إلى النور، وبالفعل إستطعنا تجميع كآفة القصص التي كتبها.

وخرجت إلى النور أروع مجموعة قصصية عرفها الأدب العربي وصيغت باحساس مُفعم بالشاعرية وليس بمجرد قلم.

في الاهداء كتبت تلك الكلمات:
ربما تفنى الأجساد لكن تبقى الأرواح هائمة تُناجينا ونُناجيها وتظل معنا في أعماق أعماقنا، كان حُلما وبات حقيقة، حُروفك القليلة تُسعد آلاف العاشقين، أَلا يكفيك أن تسكُن قلبي وكفا بك حبيبًا؟
ثم قامت بالتوقيع باسمها.

بقلم أشرف غازي

للمزيد..

رواية الجريمة والعقاب | أي عذاب يفوق عذاب رجل استرد ضميره النابض بالحق ؟!

صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh

ميت عاد إلى الحياة بقلم أشرف غازي 
ميت عاد إلى الحياة بقلم أشرف غازي
شارك المقالة