سرقات مشروعة لـ أشرف العشماوي | حكاية سرقة متحف حضارة مصر
عقب يوليو 1952 سادت حالة من القلق باعتبار اننا شعب عاطفي تأثر بالعائلة المالكة وأحب الكثير من أفرادها وأخرهم فاروق،
فصدرت تعليمات بتسويد صورته التي تتصدر الطوابع البريدية والتى تظهر ببعض الأفلام السينمائية عند اعادة عرضها وأشهرها غزل البنات لما كان عبد الوهاب يعزف ببيت يوسف وهبي وخلفه صورة كبيرة مسودة للملك فاروق…
دعونا نعود بالتاريخ للوراء قليلا ففى أوائل الاربعينيات طلب محمد بك طاهر رئيس الجمعية الزراعية الملكية من الملك فاروق حضور افتتاح المعرض الزراعي الصناعي السادس عشر
وافق الملك وتسلم مذكرة معدة من وزير المعارف العمومية باقتراح لإقامة متحف حضارة مصر منذ فجر التاريخ حتى عصره ، وهي ذاتها نواة فكرة متحف الحضارة الحالي
بالطبع شكلت لجان وعقدت اجتماعات ولأننا كنا جادين وقتها فقد تم انشاء المتحف وافتتاحه اواخر الأربعينيات ومن أشهر مقتنياته مئات اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية للملك فاروق وغيره من حكام مصر ممن سبقوه
وظل المتحف يعمل ويستقبل زواره لما بعد قيام ثورة يوليو بعام حتى أنه ضمت الى مقتنياته صورة زيتية لمحمد نجيب مجتمعا مع الضباط الاحرار وأخرى يحيي فيها نجيب الشعب من سيارة مكشوفة .
في يناير 1954 أغلق المتحف أبوابه فجأة ثم اختفت عشرات اللوحات منه وأعيد فتحه فجأة لكن استمر الاختفاء المؤقت للوحات على مدى سنوات طالت لأكثر من نصف قرن
حتى جاء صباح يوم 20 ابريل 2011 لما أبلغ عامل الصرف الصحي عن حدوث تسرب كبير للمياه الجوفية بجدران المتحف
انتقل المسئولون وأثناء قيام فريق الترميم باخلاء البانوراما المجسمة المثبتة داخل الجدران ليكتشفوا ورائها باب سري يؤدي الى سرداب بعمق ثمانية أمتار ..!
شكلت لجان وعقدت اجتماعات وانبثقت لجنة يفتش أعضاؤها بالسرداب فوجدوا خبيئة توارت عشرات السنين .. لوحات زيتية للملك فاروق، ولمحمد نجيب أول رئيس جمهورية ،ورسوم هندسية ومعمارية للمتحف ،وخرائط نادرة للقطر المصري وتخطيط لمدينة الاسكندرية القديمة لتصل محتويات الخبيئة الي 222 قطعة فنية تحكي كل منها بعزف منفرد تاريخ مصر التي نفتقدها.
رممت الأعمال وعرضت فى متحف خاص للجمهور
لكن أحداث ثورة يناير ابتلعت الحدث كعصا موسى بالطبع
وقتها التقيت الدكتور أشرف رضا رئيس قطاع الفنون التشكيلية والمشرف على المتحف فأطلعنى على سر الخبيئة ، تقول الأوراق وحكايات القدامي ممن عاصروا الحدث أو جزء منه أن الدكتور حسين بك فوزي أخر مدير للمتحف واستاذ الفنون الجميلة قد تعرض لضغوط شديدة عقب عزل الرئيس محمد نجيب للتخلص من لوحات فاروق والاسرة العلوية ونجيب نفسه..!
ومع أن جموع الشعب قد أيدت ثورة يوليو تباعا كما نعرف إلا أنه الحرص فيما يبدو على ألا تترك ثغرة خلفك حتى لو أدى ذلك الى تدمير التراث والتاريخ
فكر مدير المتحف حتى هداه تفكيره لحفر السرداب خلف مجسم ضخم لمجرى نهر النيل للتمويه واخفى الخبيئة به عن أيدي التدمير وهو ما يفسر قراره المفاجئ عام 1954 بغلق المتحف مؤقتا ثم اعادة تشغليه دون أسباب
ومن الأرجح أنه صمت خوفا حتى توفى ويبدو أنه أقنعهم بتدميرها ليتركوه فى حاله ..!
أستاذ الفنون الجميلة من وجهة نظري قام بعمل بطولي محترم لانه فنان ومبدع يقدر القيمة والجمال والتاريخ
لكن هل انتهت الحكاية وهل تعلمنا الدرس؟
الاجابة أن تلك المقتنيات بعدما عرضت لفترة وجيزة على استحياء وبدلا من استغلالها لتكون شاهدة على عصر فتحكي قصتها لزوارها بعدما استقرت فى سرداب لنصف قرن وخرجت لتومض قليلا .. فإنها للاسف الشديد عادت لتستقر بين جنبات حجرة معتمة على بابها لافتة تقول” مخازن وزارة الثقافة ” أتمنى أن تخرج للنور من جديد..
من كتاب سرقات مشروعة لـ أشرف العشماوي الدار المصرية اللبنانية