على شواطئ المالديف .. رأيت أشخاصاً روحانيين نورانيين بشكلٍ غريب لم أعهده في بلادي و لا بين قومي ..كأنهم جنسٌ غير بشري .. كأنهم رسُل أو كائنات فضائية أو أرواحٌ مخلّدة منذ الأزل لم ينل منها الموت ..
هادئون مسالمون .. على وجوههم نور الشمس و بشاشة الصبح و سكون الليل .. لا يتكلمون عن أديان و لا كرة و لا سياسة و لا عن أي شيئ مادي .. لا يمارسون شعائراً دينية و لا طقوساً تعبدية ..لا يتبعون ديانةً محددة و لا معتقداً بعينه .. يجلسون في صمت أمام البحر في عزلةٍ حالمة .. يستخدمون في جلساتهم الاستشفائية وسائل تبدو بدائية .. و لكنها بمجرد أن تغمض عينك و تبحر معهم بخيالك في عالم الروح تسمع منها أصوات البحر و الموج و الشجر و الطيور و الرياح و الأمطار و كأنك تسمو و ترتقي إلى الفضاء اللامحدود ..
جلست معهم كثيراً لأتعلم كيف ألوذ بنفسي من نفسي .. كيف أتحرر و أطمئن و أنجو .. أين أجد سعادتي و كيف أبحث عنها .. كيف أتخلّص من تعاستي و أقاوم أحزاني..
علموني أن الحياة هي ميزانٌ من العدل و الحق و الظلم و الباطل .. يوزعه الانسان بنفسه داخل نفسه مابين طاقاتٍ و لعنات .. فيكون ناجياً أو ملعوناً ..
عندما يتحرّى الانسان في حياته الأعمال التي تحقق الحق و العدل يصبح ناجياً بطاقاته الايجابية .. تنبعث منه موجات نور و بهجة و أمل و سعادة تعم على من حوله .. من يعرفه و من لا يعرفه .. يصبح شفافاً جذاباً نورانياً ملائكياً له كرامات و جنود في الخفاء يدافعون عنه و يصدون عنه ذبذبات الكراهية و الحسد و الحقد .. يصبح له قلبٌ سليم يكشف له المستور و ينبهه عند الخطر و يرشده إلى الصواب و يحذره قبل الإيذاء ..
في المقابل .. عندما يختار المرء أن يحيا بميزان الظلم و الباطل ليغنم و يفوز دون عناء .. فيعلو على أكتاف من يظلمهم و يأكل حقوقهم حتى و إن سحقهم سحقاً .. تلاحقه لعنات الظلم و الجور .. فترهقه و تعييه و تشقيه .. يعيش مشتتاً موسوساً مريضاً بالشك مستسلماً لنظرية المؤامرة مؤرقاً بالفكر .. يعيش بمناعةٍ ضعيفة و جسدٍ واهن و قلبٍ ميت و صحةٍ على المحك .. تنبعث منه ذبذبات السلبية و الكآبة فتنفِّر الجميع منه حتى يتركونه وحيداً اتقاءً لشره و هروباً من سوداوية هالته .. يصبح كائناً خبيثاً له جنودٌ يحاربونه في الخفاء و يصبون عليه لعنات من آذاهم و ظلمهم و يرددونها عبر ضميره في أذنيه و في خواطره و أحلامه حتى لا يرتاح في نومه و لا صحوه .. يتركه قلبه للتعثُّر و الاضطراب و التخبط و التعاسة دون أن يرشده للخير أو يحذره من نفسه ..
علموني أيضاً أن القلب هو قائد الأخيار و ليس العقل .. العقل هو قائد التجار و الساسة و مجرمو الحرب و سماسرة الأديان و القوادين و جميع أشرار الأرض .. القلب هو الذي يضحي و يمنح لأجل الحب .. لكن العقل هو الذي يمكر و يخدع ليشبع الشهوات ..
علموني أن أتبع قلبي دائماً طالما كنت واثقة أنني لست ظالمةً لأحد .. و أن أتبع ارشادات قلبي و تحذيراته مهما رفضها عقلي لأن القلب هو الذي يقول الحقيقة دائماً .. و العقل هو الذي يستنزف الروح ليبقى الانسان في ساقية الحياة منهكاً ضائعاً مشتتاً مُستغلاً .. علموني أن العقل هو الذي يُشقي .. و القلب هو الذي يَشفي ..
علموني أن أتخاطر مع الكون العظيم و أن أتصّل بالطبيعة الأم عبر النجوم و الشمس و البحر و الشجر و الطيور لأخبرهم بمخاوفي و أمنياتي و إخفاقاتي و أحلامي .. علموني أن أطلب ما استحق بدون تردد و أن أحلم دون سقف و أن أثق في استحقاقي للسعادة اللامشروطة .. و أن انتظر الرد بيقين حتمية الإجابة ..
علموني أن أرى أمنياتي تتحقق في خيالي فعلاً عبر التأمل و المناجاة .. فأعيشها و كأنها واقع تحقق بالفعل .. فيسمعها الكون و يتعامل معها كأمر واقع وجب تنفيذه ..
و أخيراً .. علموني أن الانسان هو مفتاح كل شيئ .. و أن كل ما في الكون يتصل به .. و يبعث له برسائل عليه أن يفتحها و يفهمها و يترجمها بحسب ما يمليه عليه قلبه .. و أن الذين طبعت الكراهية على قلوبهم فقط هم الذين يفشلون في استقبال رسائلهم .. و حتى إن استقبلوها لا يكترثون لها و يعجزون عن ترجمتها لأن الكون يريد أن يشقيهم دائماً بالعقل و الفِكر و عدم الراحة و الارهاق الجسدي و النفسي انتقاماً لمن ظلموهم حتى اكتمال سداد الدين ..
اتصلوا بقلوبكم و تواصلوا معها كل يوم .. قلوبكم فقط بداخلها حقيقة كل شيئ ❤️
صباح سبتمبري شريف .. من قلب المحيط حول شواطئ جنّة المالديف