التانترا | رعشة النشوة الكبرى عند أوشو
أوشو تشاندرا موهان جاين ( 11 ديسمبر 1931 – 19 يناير 1990)
متصوف هندي (غورو) ومعلم روحي لديه أتباع من كل أنحاء العالم، كان أستاذا للفلسفة، ودعا إلى موقف أكثر انفتاحا تجاه العلاقات الجنسية، مما أكسبه لقب “معلم الجنس” في الصحافة العالمية.
في منتصف عام 1981 انتقل إلى الولايات المتحدة، لكنه أبعد عنها بتهمة انتهاك قوانين الهجرة؛ ثم منعته 21 دولة من الدخول إلى أراضيها.
وعلى نحوٍ غير مسبوق انتشرت في السنوات الأخيرة في البلاد العربية كُتبه وشاعت أفكاره الروحانية بطريقة لافتة واكتسب شهرة كبيرة في الثقافة العربية لا نقول إنها مجانية في الأحوال كلها، فالرجل لديه رصيد محلي في الهند كلها ورصيد غربي آخذ بالاتساع والانتشار ولديه أتباع في كل أنحاء العالم.
أوشو صاحب مذهب روحاني متأثر بمذاهب كثيرة كـ الصوفية والزن والتانترا والميرا والفيدانتا والسامخيا، وهو أول روحاني في العالم يكتب كتاباً ضخماً (النبي) عن جبران خليل جبران، يناقش فيه أفكار جبران بطريقة متمكنة وحضارية ورائدة في ميدانها ولا يخفي إعجابه بهذا الأثر العربي حينما تناوله بعمق.
أوشو معلم الجنس بلا منازع كما يطلقون عليه حينما دعا الى الانفتاح على العلاقات الجنسية وتوطيد الحياة الزوجية عبر هذا الرابط الحيوي المهم، فمحاضراته وأبحاثه في هذا الصدد كثيرة ووافية لا سيما في كتابه الممتع جداً (التانترا) مثلما هو مجدد للكثير من التفسيرات الدينية والصوفية بطريقة الانفتاح الواعي على الأديان، مهما اختلف معها، فالتأمل خصيصة تشترك فيها تقريباً كل الأديان الروحية التي ترى في العقل، طريقاً للتحليل والجدل بدلاً من التعصب وكراهية الآخر.
حضت تعاليمه على التأمل الواعي والحب والجمال والشجاعة والإبداع والتخلص من العُقد الحياتية مهما كانت ضارية ومركّبة، ويرى معظم من مروا بعلاقة توأم الشعلة أنه الأب الروحي لتعاليم التسامي.
لذلك اجتاحت مثل هذه التعاليم المنفتحة العالم الروحاني الغربي، وتمركزت في الكثير من أفكاره وأنشئت مراكز بحثية كثيرة في دراسة أفكار أوشو الضاربة في الروح الاجتماعية والحياتية بالشكل الذي يسمح لها أن تنتشر من دون عوائق لا سيما وهي تدعو الى السلام الروحي للأديان بروح إيجابية تأخذ من الآخر وتعطي اليه.
أوشو ظاهرة خرجت من محليتها الدينية الى آفاق عالمية أكثر اتساعاً وشمولية، وناقش أفكاراً لم يجرؤ أحد على مناقشتها علناً وصراحة، بوصفها من الثوابت الثقافية في المجتمعات، لكنه فتّت أركانها الضعيفة وأوضح الكثير من الملابسات في الفهم الديني الضيق والفهم الاجتماعي الذي سار على منوال الديني عقوداً طويلة.
التانترا ..الروحانية والجنس
في كتابه الممتع (التانترا – الروحانية والجنس – ترجمة نبيل سلامة – دار نشر تكوين – 2017) يجعل من الشهوة الجنسية طاقة خلاقة للبناء الشخصي في الإنسان، لتوكيد ممارساته الروحية في الحياة، من دون أن يفقد علاقاته الجنسية الفطرية، ولا يصارعها، كما يفعل معتنقو اليوغا.
وتبدو التانترا مع تعريفاتها الكثيرة التي ذهبنا الى مصادرها، من أنها تتعامل مع الممارسات الروحية وأشكال طقوس العبادة، التي تهدف إلى كل من التحرر من الجهل والتجدد.
وقد أثرت التانترا في التقاليد الدينية الهندوسية والبونية والبوذية والجاينية.
أو هي مجموعة المعتقدات والممارسات المبنية على المبدأ: بأن خبراتنا في الكون الذي نعيش فيه، ليس سوى المظهر الملموس للطاقة الإلهية للربوبية التي تخلق هذا الكون وتحافظ عليه.
وفي عموم التعريفات فإن التانترا مذهب يسعى لتحقيق الكمال الروحي والقوة السحرية.
والغرض منه هو تحقيق السيطرة الكاملة على النفس وجميع قوى الطبيعة، من أجل تحقيق الاتحاد مع الكون ومع الإله.
والوصول بالإنسان إلى السُّمُوِّ الكامل، ولهذا تطرقت إلى الجنس منذ ما يزيد عن خمسة آلاف عام، باعتباره جزءًا مهمًّا من طاقة الكون وامتدادًا لها.
ويصير الجنس معها تواصلًا روحيًّا أكثر منه جسدياً، وتتحول ممارسة الحب، إلى جنس هادئ يهدف إلى زيادة الحميمية بين الطرفين، وخلق علاقة بين العقل والجسد للوصول إلى ذروة النشوة.
لهذا فهي تُعد فنّ تحويل الشهوة الجنسية لـ طاقة جنسية والصعود بها طبيعياً من مقام إلى مقام.
وليس اهتمامها بالجسد جنسيا فحسب، إنما في الطاقة الروحية التي تحرّك الجسد في لحظة الذرة الكونية ونشوتها الفائقة.
التانترا واليوغا
في مفتتح كتابه (التانترا) يفرّق أوشو بين التانترا واليوغا، فكلاهما تناديان بالتأمل الروحي قبل الجسدي.
لكن أوشو يفلسف الاثنين بوعي خارج عن منظومة التعريفات المدرسية التي درجنا على قراءاتها.
ومع أنهما تبلغان (الهدف نفسه) لكنهما مختلفتان في الأساس. فاليوغا (ليست فلسفة) بل (تقنية) و(منهج) وفيها فإن الأمر (يحتاج الى صراع) عكس التانترا التي تحتاج الى (الاستسلام) الواعي.
ولما كانت اليوغا (انتحار عميق) فإن التانترا (قبول عميق)، واذا كانت الخلايا الجنسوية للوجود الذاتي، تستلزم في اليوغا مصارعة رغباتها.
لكن التانترا تسمح بـ (استخدام طاقة الجنس) وخلق منها (صديقة) وتجاوز الرغبة بوعي، لأنك (تمرُّ من خلالها) من أجل تحويل الطاقة الجنسية كتقنية شخصية، لأنك حينما تقترب من الفعل الجنسي (كما لو تقترب من معبد إلهي) فليس في التانترا شيء اسمه “الشيطان” كونها منظومة مقدسة بالكامل وهي (طاقة تتحرك نحو الداخل) عكس اليوغا التي هي طاقة تخرج من الجسد.
حتى وإن كان الجنس ليس هو الحب، والحب ليس هو الجنس، وكلاهما ليس الموت، وإن كان الحب قريباً (من التأمل) مثل الموت.
وهذا الأخير كائن مع الحياة مادام الإنسان حياً فيها (ولا يمكن حدوثه في المستقبل) بالنسبة للكائن الحي.
ولا يمكن أن يكون قد حدث في الماضي أيضاً، فهو وليد يومه ولحظته.
كذلك الحب كما يراه أوشو، إذ يقع ضمن الحاضر (فإذا كنت تخشى الموت، فلن تستطيع أن تحب، وإذا خفت من الحب فأنت لن تستطيع التأمل..) وفي الثلاثية الزمنية المترابطة، ينبغي النظر الى الحب على أنه (حاضر) بلا ماضٍ ولا مستقبل، والحاضر ليس جزءاً من الزمن (وإنما الأبدية) لأن الحاضر لن يمضي بعد.
والزمن هو أن تتحرك (على مستوٍ في خط مستقيم) وفي هذه الأفقية؛ وعندما تكون في الحاضر (فسيتغير المستوى، وستتحرك عمودياً الى أعلى وأسفل، باتجاه العلو، أو الى العمق..).
ويستنتج أوشو بأنه وفقاً لهذه المعادلة، فإن (الحب في الزمن مستحيل) والأبدية هي العيش خارج الزمن، مثل بوذا وشيفا.
وعندما يكون المرء في حالة الحب، فليكن هو الحب من دون تحديد إطار زمني (وعندما تكون في صدد عناق أحد، فلتصبح – أنت- العناق والقُبلة) وهذا في المعنى التانتري المباشر.
وأن (تحوّل الحب الى تأمل) ويستشهد عن د.ج. لورنس أنه صرح (بأن طاقة الجنس هي الطاقة الوحيدة، فإذا أدنتَها وألغيتها فستكون ضد الكون)، لذلك ففلسفته تقوم على أساس أن الجنس طاقة (بريئة) وعندما يلغيه الكهنة فإن (يصبح بشعاً) لأن أولئك الكهنة هم الذين صوروه على تلك الشاكلة القبيحة. (فالجنس خلاق).
رعشة الموت الكبرى
يعارض فرويد في فكرته الرامية الى أن الإنسان (يولد عصابياً) بينما يرى أوشو من أنه يولد في (إنسانية عصابية)، ويكمن الحل في الاسترشاد بالتانترا.
كونها مفهوماً (ثورياً) لا تتنازل عن كينونتها الذاتية في توفير الكثير من مناخات الحياة للإنسان.
ولحصر الفكرة في التحليل الجنسي. او الرؤية الثاقبة فيه، في لحظة تانترية متأملة فإننا نجد؛ هندسياً؛ ثمة أنماط هندسية يحللها بعمق فريد، من أنه مع الفعل الجنسي بين رجل وامرأة (يتواجد أربعة أشخاص.. وهذا مربع. حيث توجد فيه أربع زوايا، لأنك أنت نفسك منقسم الى اثنين: الجزء الذي يفكر والجزء الآخر الذي يشعر. وشريكك أيضاً منقسم الى اثنين..)
ومن هذا المربع تتقلص المسافة الى مثلث في نمط آخر من الفعل الجنسي (انتما اثنان. زاويتا القاعدة. وخلال لحظة فجائية تصبحان واحداً، مثل الزاوية الثالثة للمثلث.
ولكن خلال لحظة فجائية تفقدان ثنائيتكما، وتصبحان واحداً)، ويرى أوشو مع التكثيف الإنساني، وعبر هذا الهاجس الهندسي الذي يقرّب الحالات الجنسية في عمقها الإنساني في لقاء تانتري حميم (أنتما قد أصبحتما دائرة. ولا توجد زوايا. والالتقاء لا يحصل في لحظة وحيدة فقط. وإنما هو بالفعل لازمني).
هذا التشكيل الرباعي ثم الثلاثي ثم الدائري اللازمني يمسخ الزمنين الماضي والمستقبلي قطعاً (استمر في الحاضر) فهو اللحظة الدافعة الى عمق العلاقة، فلا زمن محدداً لها، وصولاً للاسترخاء (الأسمى) الذي يعقبه سمو أعلى بكثير من لذة الحاضر.
فعند (ممارسة الحب مع امرأة، ففي الحقيقة أنك تمارس الحب مع الوجود نفسه..)، فالجنس يمكن أن يكون (مصدراً للبركة) مع أن الدخول فيه يشبه الدخول (الى الموت) لأن الأنا والفردية الشخصانية تتلاشى عند حضور الموت.
فالجنس أيضاً هو (موت دقيق) ويمكن للموت أن (يصبح رعشة جنسية كبرى) وما بين هذه الرعشات الافتراضية يرى أوشو بأن الجنس التانتري علم (أكثر عمقاً من المعرفة الذرية) تحت تأكيد أن العلم الذري (مشغول بالمادة، والتانترا مشغولة بك).
للمزيد..
معطلات التشافي في علاقة توأم الشعلة | للباحثة الجزائرية زهرة شاو الخير
صفحتنا الرسمية توأم الشعلة بالعربي
صفحتنا الرسمية فرندة – Farandh