وقعة الحرة … عندما أريقت الدماء في مدينة رسول الله
بقلم رضوى متاريك
وقعة الحرة قد لم يسمع الكثيرون بها، بل قد يشعر البعض بالمفاجأة عندما يعرف عن الدماء التي أغرقت أرض المدينة المنورة الشريفة.
ولكني عندما بحثت عن بطل هذا الأمر لم أشعر بالمفاجأة عندما علمت اسمه لما قد سبق له من فِعل اهتزت له السموات والأرض ألا وهو ذبح الحسين بن علي عِطرة رسول الله وباقي أهل البيت الذين كانوا مُصاحبين له.
فالقائم بهاتين الفعلتين واحد وهو يزيد بن معاوية هو بالفعل لم يقم بهما بنفسه أو بفعل يده لكنه هو الآمر والموجه لجنوده في الفعلتين، كل ما يخص وقعة الحرة الأليمة سنحاول تغطيته سويًا.
أسباب وقعة الحرة ومتى وقعت
حدثت موقعة الحَرة عام 63 هجرية، وذلك عقب عامين من إراقة الدماء الشريفة لآل البيت في صحراء كربلاء المشئومة، ظهرت بعدها حركة تُسمى التوابين هدفها الأخذ بثأر الحسين وأهله، وغير ذلك كان هناك تَزَعم لحركة معارضة ضد يزيد والأمويين تزعمها في الحجاز عبد الله بن الزبير، وكان يقف مخاطبًا الناس واصفًا يزيد بأقبح الصفات منها أنه صاحب القرد.
هذه كانت الصورة العامة حينها في المنطقة، حدث من أهل المدينة مازاد على ذلك حيث قاموا بخلع يزيد من الحكم فكانوا يجتمعون عند المنبر فيقول أحدهم خلعت يزيد مثل عمامتي هذه ويقول الآخر خلعته مثل حذائي هذا.
وجعلوا لهم ثلاث أمراء بعد خلع الأمير الذي وضعه يزيد على المدينة فجعلوا عبد الله بن حنظلة على الأنصار، وتجمع الأمويين في المدينة وكان عددهم ألفًا حينها في بيت مروان بن الحكم، وأرسلوا ليزيد في قصره المنيف بالشام يستغيثونه ما حدث في المدينة.
وصله خطابهم وهو يضع قدميه في الماء البارد للنقرص الذي أصابه، فأمر بقتال أهل المدينة وأرسل لهم رجل يُدعى مسلم بن عقيل وأرسل معه قيل 10000 أو 12000 من الجنود.
وأمره أن يُمهلهم ثلاث أيام بعد وصوله فإن رجعوا عما كانوا فيه فاليرجع عنهم وإن استمروا قاتلهم، فأوصاه أحد الجالسين وقتها بأنهم عشيرته وصحابة رسول الله.
ومن الجدير ذكره أن المدينة كان وقتها يسكنها سيدنا علي زين العابدين بن سيدنا الحسين، وعبد الله بن عمر وكلاهما رفض خلع يزيد أو الاشتراك في هذا الأمر فأوصى يزيد مسلم وهو ذاهب بجيشه إلى المدينة أن لا يمس علي زين العابدين بسوء لأنه لم يشارك في هذا الأمر.
أحداث المعركة
وصل جيش مسلم أو مسرف كما أسماه بعض السلف إلى حدود المدينة فقابله عبد الملك بن مروان وأرشده إلى منطقة شرق المدينة تُدعى الحَرة هي الأنسب لبدء القتال، فأخبر مسلم أن الشمس ستكون في وجههم وقفاكم.
وبالفعل بعد ثلاث أيام نفذ مسلم وصية يزيد بن معاوية وخير أهل المدينة بالتسليم أو القتال فرفضوا التسليم.
هنا حدث الالتحام بين رجال الشام ورجال المدينة، واشتد القتال وكان على أشده وحمى وطيثه، وكانت الغلبة فيه لأهل الشام.
قُتل الكثير من أهل المدينة بل كانت مذبحة سَطَرها التاريخ للأبد فَقُتل 700 بل قالوا 800 من الوجوه المعروف للصحابة و 10000 آخرون لمن كانوا لا يُعرفون.
قُتل حينها كما ذكر أهل العلم 700 من حملة القرآن الكريم، وفر عدد من الصحابة إلى المدينة وعلى رأسهم أبو سعيد الخدري.
لم يكتف مسلم بذلك بل دخل المدينة واستباحها لمدة ثلاث أيام، فغرقت طرقات المدينة بدماء المسلمين من الصحابة وأطهار خلق الله.
بل قيل مما تم حكايته وقتها أن امرأة قريبته ظنت أن يكون لها عنده شفاعة جاءت له تطلب الحماية لإبلها فقال لجنده عليكم بإبل فلانة، وواحدة أخرى تشفعت لابنها الأسير فأتاها برأسه بينما رجل آخر صديق له لم تعجبه صيغة مبايعته ليزيد فأمر بذبحه.
السعيد بن المسيب الزاهد العابد التابع زوج ابنة أبي هريرة كادوا يقطعون رأسه لولا أن قال أحدهم أنه مجنون.
المشهد كان قاتم أسود تدمي له القلوب في مدينة رسول الله، فقد دنسوها جنود يزيد بكافة الطرق ولم يراعوا حرمة وجود رسول الله هناك، ولم يخشوا الله المُطلع على كل هذا الدنس.
نتائج معركة الحرة
يُمكن تلخيص نتائج هذه الوقعة الدامية في بعض النقاط على النحو التالي:-
- انتصار الأمويين على أهل المدينة.
- استقرار الوضع في المنطقة ليزيد.
- إرساء قواعد الحكم للأمويين في المنطقة.
- عودة المدينة تحت سيطرة الأمويين مرة أخرى.
- فقد الكثير من خير رجال المسلمين منهم ابن جعفر بن أبي طالب وابن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن حنظلة.
وقعة الحَرة ليست مجرد معركة انتصر فيها جيش على آخر وليس مجرد حاكم أعماه بريق كُرسيه عن أنوار مدينة رسول الله، فاستباح أموالها ونسائها
ولكنها يوم أسود صرخت فيه أرض المدينة وجدرانها لما حدث فيها من سوء لذا لابد للجميع من معرفة هذه الوقعة وما حدث فيها للتعرف على هذا التاريخ السيء لأفعال الأمويين وما أحدثوه من فتن في صفوف المسلمين.
بقلم رضوى متاريك
للمزيد..