البناء الكوني على مبدأ الهندسة الإلهية المقدسة
يتعامل العلم الإلهي الهندسي الكوني الخفي المقدس مع منظومات كونية كاملة متكاملة منسجمة فيما بينها ، فسرت هذه الهندسة خليقة الكون ونشوء البيضة الكونية الأولى ، وزهرة الحياة ، وتكوين المجرات والدورات السماوية الملكية ، والتناغم الحاصل بين كل الأجزاء مع بعضها البعض ومع المصدر الذي يحتويها جميعها ، لهذا لا يمكن أن يغفل المرء عن أغلب الأعياد الإلهية مرتبطة بشكل منتظم مع الدورات الملكية السماوية ومع الإنقلاب الصيفي والشتوي (كصوم شهر رمضان) لطبقة معينة من طبقاتها ، وكذلك الإعتدال الربيعي الذي يشير إلى بداية الخلق وبداية رأس السنة الإلهية ( سر سال ) رأس الشار الذي كان الحكماء القدماء يستخدمونه حتى وضع تقويمأ جديدة للسنوات الأرضية ، وكذلك الأعياد الاثني عشر التي تمثل الإحتفاء بالعظماء الإثني عشر الذين نشروا الهندسة الخفية المقدسة على هذه الأرض وبنوا مركز سرة الأرض وخميرتها في (كوثا) ( أنليل ) ، تمثل التذكير بطرق الهندسة الإلهية الأثنا عشر ، فهذه الأعياد مرتبطة بشكل جوهري بمنظومة كونية متناسقة تعبر عن أحداث معينة لم تجري على كوكب الأرض في أغلبها بل قادمة من تناغمها مع التردد الرنيني للكون والمجموعة الشمسية والشمس والقمر…
لهذا لا يمكن أن نبعد كلمة الكونية عن هذه الهندسة العظيمة التي شملت أعظم مراحل الخلق الكون والمجرات والدوائر الملكية السماوية الى أصغر جزيء ذري في الكون ، وتأثيرها في النفس البشرية ومدى أهميتها للمرء ليتقدم في فهم العملية منذ بداية الخلق والكينونة والزمن السماوي الى وصولنا إلى هذا البعد المادي ووقوعنا في دورة الضرورة وتجسد وكرور وتجلي الأرواح وديمومتها طالما بقي المرء يجهل أبسط مبادئ هذه الهندسة ليبدأ عملية سبر أغوارها والتعلم منها كي يبدأ رحلة تطوير قدراته للوصول الى العالم الأسمى أو على الأقل ليخرج من دورة الضرورة ويضع حدا نهائية لها …
ولأن العملية بأسرها تخضع لتذبذب موجات مادية تنتقل بين الأبعاد الكونية وتشكل محتوى عظيم من الطاقات المترددة المتذبذبة مع المصدر ومع نفسها ، لذلك تشكل المنظومة الكونية جزءا أساسياً في هذا العلم ولا يمكن بأي شكل من الأشكال فصله عن الألوهية أو فصلها عنه …
كما أن العملية تحدث بشكل متبادل بين الكائن وبقية القوى الكونية ، أي أن التردد الرنيني من المصدر إلى أصغر الكائنات يقابله تردد رنيني من أصغر الكائنات الى المصدر ، ويعكس هذا الجانب القانون الكوني الأسمى الذي نسميه بالإجابة ، حيث تمت برمجة الكون نفسه وفق منظومة منسجمة من الأحداث تأتي إليه من الأجزاء ويرسل برمجته في نفس الوقت اليها …
ولأن لكل بعد في كوننا العظيم أكثر من صورة ، صورة رئيسية تمثل الصورة الكونية الكبرى لوجودنا وجوهره ، وكذلك صورة صغرى تمثل البعد الأرضي الذي نعيش عليه والذي يمثل صورة صغرى للمنظومة الكونية الشاملة والتي تسير وفق مبادئ الهندسة المقدسة الكونية الخفية ، هاتان الصورتان نتعامل معهما في حياتنا اليومية بلا أدنى شك دون شعور عميق بهما ، بوجودهما ، فكل شيء من حولنا يعطينا رمزية دالة على عظمة هذه المنظومة لكننا نرفض الاستقبال أو نعهد بالصورة إلى المتحف الفكري أو الذاكرة المتجمدة كي تحتفظ بها دون تحليل وتدقيق وشعور وإحساس بها …
هكذا نتعامل مع الأمر بكل بساطة ، والخطوة الحاسمة لفهم طبيعة عمل المنظومة الكونية الشاملة تبدأ بإحساسنا بها ، وشعورنا بالترددات التي ترسلها لنا كل لحظة أو ثانية ، كي نتمكن من التناغم مع عذوبتها وتردداتها التي تزودنا بكامل علوم المنظومة من برمجيات قد تتفوق بها على باقي البشر ، هذا الأمر رغم أهميته ورغم أن كل الطقوس التي تجري في اللطيفة الإلهية المحركة للإنسان في الارض وتصب في هذا الإتجاه نحو تقوية تركيز مشاعرنا وأحاسيسنا على هذا التردد وفي مكان يمثل ثِقل الأرض ومركز استقطاب الطاقة الإلهية بأعلى درجاتها لا زلنا نعاني من تشتت أفكارنا ومشاعرنا بإتجاهات سلبية مخالفة تماما لمصدر هذا التردد وتتعارض مع التناغم معه تحت أي شكل من الأشكال …
حتى نتمكن من التواصل مع هذه المنظومة الكونية وفهم حركتها وأبعادها وقياساتها وتردداتها ومركز علومها ينبغي علينا إعادة العمل بالغدد المقفلة ومحركات الطاقة فيها وتشغيل مراكز الاستقطاب فيها وجعل المشاعر والحواس مهيأة بالكامل للعمل من جديد على تردد كان أجدادنا القدماء هم الأوائل في فهم ديناميكيته وهندسته النوعية بكل عمق ، کي يزودنا بالبصيرة النورانية النقية الصافية المؤهلة للعمل من جديد …
فهناك صورتان كونيتان ماثلتان أمام أذهاننا إذا ما أردنا فهم العملية من الأساس ، الصورة الكونية الكبرى التي يشكلها الوعي الأقدس كونية ( صورة الإنسان الكامل في الارض ) وكل المراحل في المنظومة الكونية من علوم نوعية تشكل محور هذه الصورة، وصورة كونية صغری نمثلها نحن الكائنات البشرية التي جاءت بعد تدمير برج بابل وخضوعنا لمبدأ الهبوط الزمني الى بعد أدنى ، هذا الهبوط يعني فصل وعينا البشري عن الوعي الكوني ، ويعني أيضأ حدوث خلل عظيم في نظام تلقي الذبذبات وموائمة التردد الرنيني لنا مع المنظومة الكونية وصورتها الكبرى ، وكما نعلم أن الإنسان لديه ما يفوق 64% من شفراته الوراثية مقفلة تنتظر أن نفتحها وتحقق الوحدة مع الوعي الكوني وصورته الكبرى ، حيث يتماثل هذا الوعي من حيث الماهية والجوهر مع الوعي الأقدس أو المبدأ الأصلي المستتر المبطن للوجود ، فكلما أنفتح وعينا كلما حققنا تقدماً في فهم الجانب السببي المؤسس لوحدة الصورة الكونية في وعينا بأعمق شكل …
ولأن هذا العلم الرباني المقدس يسمو في سياقه على ملكاتنا الفكرية بشكلها القاصر من حيث التكوين جاءت نتائج تأهيل أذهاننا لتقبل حقيقته ناقصة ومجردة في الكثير من الأحيان ، فعملية فهم الأساس الذي تشكل عليه فعل التجلي لهذا الوعي المقدس يقربنا من فهم المبدأ الأصلي الى حد كبير، لذلك كانت كل تفاصيل الحياة التنويرية تعكس بشكل دقيق كل جزئية من جزئيات هذه الهندسة الإلهية الطابع والمقدسة في عملية تطبيقها على أرض الواقع ، وعكست حتى الأشكال الهندسية التي تم الاستناد اليها في بناء تلك الصبغة الإلهية في تفاصيلها وجعلتها أبدية الطابع تخضع بشكل دقيق عمق علمها النوعي الخفي المقدس …
فحتى اليقين بالمنظومة الشمسية المحيطة بنا جاء أساساً من أن هذه المنظومة تعكس ذلك التأصل في المبدأ المستتر ( رب السماء والارض) ، هذا البنيان الهندسي الإلهي المتدرج من أعلى صورة الى أصغرها يسير بطريقة سرمدية الطابع وذاتية التنظيم وحتى نفهم هذا الأمر علينا الدخول الى بوابات المعرفة في العلم الالهي الإلهي المقدس ( علم الكتاب والحكمة ) کي نتمكن في النهاية من تنظیم تصورنا بشكل سليم لعمق هذا البنيان المتدرج…
وحتى يتمكن الكائن البشري من فهم طبيعة تأثير القوى الكونية على مجريات التطور في منظومته النفسية والروحية كان لا بد من وضع أساس مهم في علوم الأسرار المقدسة, لهذا التأثير يقوم على دراسة الصورتين اللتين يمثلان عمق الحالة المتداخلة في المنظومة وهما الصورة الكونية الكبرى بقوانينها العظيمة الثابتة والأبدية ، والصورة الصغرى التي تنحدر من الأولى والمتمثلة بالكائن البشري ومنظومته الجينية التي تعكس في خلقها عملية تأسيس الدوائر الملكية السماوية بعمق…